مهرجانات النصرة: استقطاب للجماهير ومطالب بالإعدام
صحفي ـ نواكشوط
دأب سكان نواكشوط منذ الجمعة 18 نوفمبر 2016 على تنظيم مهرجانات لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم في الساحة الواقعة قرب المسجد الجامع العتيق “ابن عباس”، وهي خامس جمعة تخرج فيها جماهير نواكشوط للمطالبة بإعدام ولد امخيطير، بعد عقد المحكمة العليا جلسة للنظر في طلب محكمة استئناف نواذيبو في تقدير توبته، المحكمة التي كيفت قضية محمد الشيخ ولد امخيطير على أنها قضية ردة.
جذور القضية
بدأت قضية ولد لمخيطير بكتابته مقالا بعنوان: “الدين والتدين ولمعلمين” في نهاية سنة 2013 وهو مقال تساءل فيه عن عدالة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال الاستشهاد بوقائع في السيرة النبوية الشريفة، مشككا فيها، وقادحا فيها.
على إثر ذلك هاجت الجماهير في موريتانيا، وتحديدا في مدينتي نواكشوط ونواذيبو التي يعمل بها صاحب المقال، معترضين على إساءته للمقام النبوي وخرجت مسيرات ضخمة مطالبة بإعدامه، ونشرت عدة مقالات وكتابات في هذا الموضوع حتى غدا انشغالا أساسيا للرأي العام.
وهو ما أدى إلى تسليم نفسه للسلطات، التي حولته إلى السجن المدني في نواذيبو لتتم محاكمته في نهاية سنة 2014 ويحكم عليه حكما ابتدائيا بالإعدام بتهمة الزندقة، حيث تم استئنافه لتحكم محكمة الاستئناف عليه بالردة كفرا، وأحالت تقدير توبته للمحكمة العليا.
مخاوف
طالت مخاوف الجماهير التي تأذت مشاعرها من التشكيك في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي هبت مجددا خوفا من إفلات ولد امخيطير من عقاب قاس، حيث راجت شائعات أن الدول الغربية تضغط على النظام الموريتاني حتى لا يصدر حكما قاسيا على كاتب المقال المسيء، وأن مصداق ذلك هو حضور بعد الدبلوماسيين الغربيين وقائع جلسة المحكمة العليا التي انعقدت في الخامس عشر من نوفمبر الماضي.
وبلغت تلك الشائعات درجة أنها قالت بأن “الغرب خير ولد عبد العزيز بين البقاء في سدة الحكم أو الحفاظ على رأس ولد امخيطير”، وأنه اختار البقاء في الحكم.
سجالات وتحركات
بعد سلسلة تصريحات لمحامي ولد امخيطير، وتصريحات مضادة للمحامين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم طرف مدني في القضية استوعب العديد من الناس أن هناك مخرجا لولد لمخيطير، وأن كل شيء يتوقف على حكم المحكمة العليا، وظل التراشق بالاتهامات متبادلا بين مختلف وجهات النظر التي كانت ترى أن كاتب المقال المسيء يستحق أن يحصل على دفاع لكونه أخطأ وتاب عن الخطأ، أما الطرف الآخر فيرى بأن تقاليد المذهب المالكي دأبت على القول بإعدام ساب الأنبياء، وأن ولد لمخيطير لا يستحق أي دفاع ولا رحمة.
وقد هاجمت جماهير غاضبة قناة الوطنية التي كانت تبث مناظرة بين الشيخ أحمدو ولد حبيب الرحمن والمحامي ولد امين “محامي ولد امين”.
وقد نظمت خمس مهرجانات جماهيرية منذ 18 نوفمبر كل يوم جمعة، كان المهرجان في الجمعة الأولى غير مرخص، وتحرشت به الشرطة بعد قمع مسيرة متجهة إلى القصر الرئاسي، وهو ما قرأه البعض على أن السلطة غير راغبة في أي حراك موجه ضد التساهل مع ولد امخيطير.
وقد تعاورت الجهات المهتمة بتنظيم المهرجان على طلب الترخيص له، وقد أبدى المنتدى العالمي لنصرة الرسول الذي يتزعمه الشيخ علي الرضا، إضافة إلى هيئة المحامين، وجهات أخرى استعدادا للإشراف على تنظيم هذه المهرجانات التي استقطبت جماهيرا مختلفة الميول والأعمار.
ما الذي يريدونه؟
صحفي استطلعت آراء بعض الحاضرين في المهرجانن فقال اباه لما سألناه ماذا تفعل هنا: “أستجيب لأي دعوة فيها نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما أنني آتي لسماع العلماء، وللمطالبة بإعدام المسيء” أما “عيشه” فقد أجابت حول نفس السؤال بـ “جئت نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمطالبة بإعدام المسيء لكيلا يتكرر فعله ليكون عبرة، وحتى لا نفقد أحدا من المسلمين مجددا”.
أما النهاه فقد برر مطالبته بإعدام الكاتب قائلا: “إن ذلك يردع كل من يتطاول على الجناب النوي الشريف، أو يتطاول على المقدسات الاسلامية،وفي الوقت الذي تتدخل فيه قوى عالمية كبرى نتمنى تدخل الرئيس في القضية لصالح إعدام ولد لمخيطير”، أما “محمد” فقد طالب الرئيس بالتدخل مثل سابقه، ولما سألناه: هل يجوز أن تتدخل السلطة التنفيذية في القضاء؟ أجابنا: “لقد تدخل الرئيس في حالات عديدة في عمل القضاء، وإذا لم نعدم ولد لمخيطير فسوف يسيء هذا الأمر لسمعتنا كبلد إسلامي سب فيه النبي صلى الله عليه وسلم وترك سابه بدون عقاب”
سألنا أيضا بعض الحاضرين عن مقارنة هذه المهرجانات بالمهرجانات السياسية فأجمعوا على اعتبار أن الجمهور السياسي هو من صنف واحد تجمعه مصلحة أو خطاب محدد، أما مهرجانات النصرة فجمهورها أكثر تنوعا في التوجهات، وقضيته أكثر نزاهة.
منصة وخطابات
كان تنظيم مهرجان الجمعة 16 ديسمبر (المهرجان الأخير قبل حكم المحكمة العليا) مرتبكا، ومشوشا نظرا للضغط من قبل الطالبين للدخول إلى المنصة، ورغم أن مراسل صحفي طلب الدخول إلى هناك ووعده بعض أفراد لجنة التنظيم بذلك، لم نتمكن من التصوير بشكل جيد، لأننا لم نتخذ زاوية جيدة للتصوير، فلم يظهر حقيقة الكم العددي الحاضر في الساحة، وبان سبب التشدد في عدم السماح بالدخول إلى المنصة، حيث كان على المنصة شيوخ وعلماء ورجال أعمال ومحامين وأدباء، ومن أبرزهم الشيخ علي الرضا الذي حضر جزء كبير من تلامذته وأشياعه.
وقد أنعشت المنصة بمداخلات متنوعة من شروح فقهية ومداخلات قانونية إلى نصوص شعرية؛ فصيحة وشعبية، وقد هدد أحد الأدباء بقتل ولد لمخيطير إذا خرج من السجن حيا، وقد لقي هذا التصريح صدى كبيرا وموجة من التصفيق الحار!
هل هو حراك لأجل نصرة النبي أم لمآرب أخرى؟
من خلال سبر الآراء حول هذه المهرجانات يرى البعض أن جماعات معينة تحاول تمرير خطابها من خلال هذه المهرجانات، وكانت هذه المهرجانات فرصة لذلك، فقد استفاد بعض المحامين بتلقبهم بـ “محامي الرسول”، كما حضرت جماعة “أحباب الرسول” في المهرجانات الأولى، وبعد منع ممثلها من الصعود إلى المنصة اختفت من المهرجانات اللاحقة.
واعتبر البعض أن إعطاء كلمة باسم شريحة “لِمْعَلْمين” سقطة للمهرجان كان في غنى عنها، وكان ظهور بعض رجال الأعمال وتوزيع منتجاتهم مريبا للبعض.
فيما يعتبر آخرون انها مهرجانات تخدم الغلو وتحريض على الكراهية عن طريق مطالبتها بإعدام كاتب المقال المسيء، وعدم قبول توبته.
خاتمة
تعتبر مهرجانات النصرة، وهذا هو الاسم الشعبي لها، مثيرة للاهتمام، حيث تجمع السلفي والمتصوف، السياسي وغير المهتم بالسياسة، الموالي والمعارض، جمعتهم قضية واضحة: تلبية نداء مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم وسط تساؤل البعض: هل نحن المسلمون من ينصر النبي صلى الله عليه وسلم أم هو من ينصرنا.
إعداد: سيد ولد محمد الامين