التعديلات الدستورية: قوى التغيير ترفض التغيير ! !

الدولة مؤسسة كبري لها تاريخ وواقع وأهداف عامة معروفة تتلخص في تحقيق الأمن والنمو ورفاهية المجتمع من خلال مجهود مستمر يتأثر سلبا وإيحابا بعوامل خارحية وداخلية من أهمها طبيعة النظام السياسي وفعالية القائد.
هذا المبدأ رغم عموميته يبقي أكثر دلالة بالنسبة للدول الناشئة، حديثة الإستقلال، التي ما زالت تجرب أساليب الديمقراطية والحكم الرشيد و تسعي لوجود مؤسسات دستورية ذات مصداقية.
تلك البرامج والإصلاحات لا تتحقق إلا بفضل إرادة قوية تعتمد علي رؤية مستنيرة، لذلك كان دور الزعماء (كما هو معلوم لدينا) أساسيا لتغيير مجري التاريخ وتحديد مكانة الأمم (راجل يبني حلة إلخ)، ولنا في أول رئيس للبلاد، المرحوم المختار ولد داداه، خير مثال.
في هذا السياق يتنزل مشروع التعديلات الدستورية، موضع الإستفتاء الشعبي المنظم يوم 5 أغسطس الماضي المقدم من طرف الحوار السياسي الشامل بإيعاز من فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد عبد العزيز.
تباينت وجهات نظر الطبقة السياسية حول الموضوع حيث قيل وكتب ما شاء الله من آراء قبل أن يحسم الجدل بنتائج الأقتراع المباشر والمتمثلة في تصويت أغلب المشاركين لصالح التعديلات.
ما أردت أن أسجله علي هامش هذا الملف وهو يطوي طيا مجرد ملاحظات مختصرة (ربما تحتاج إلي التوضيح لاحقا) تنبيها إلي جوانب ومعطيات من تاريخنا و واقعنا المعاش قل الحديث عنها:
1 ـ العلم والنشيد الوطني، تم أختيارهما في ظل حكومة الإستقلال الداخلي، حيث كلف الوزير الأول (المرحوم المختار ولد داداه) جماعة برئاسة المرحوم أحمد بزيد ولد أحمد مسكة وعضوية الأستاذ والباحث محمذ ولد باباه (أطال الله عمره) وآخرين لهذه المهمة.
أما نص النشيد فمقتطع من قصيدة للعلامة الفذ بابا ولد الشيخ سيديا قالها خلال الفترة ما بين 1910 و1915م يوضح فيها رأيه حيال إشكالات مذهبية كانت محل نقاش بين بعض معاصريه من العلماء ولاعلاقة لها اطلاقا بالسياسة ولا بدولة لم توجد وقتها.
2 ـ أثار تخليد المقاومة جدلا في صفوف بعض الأوساط التي لا تعتبر اسلافها معنيين بهذا الإمتياز… !، هؤلاء ربما لم يطلعوا بما فيه الكفاية علي تاريخ أمتنا:
– الفئة العربية، و حملة السلاح عامة، معنيون بالدرجة الأولي لأنهم قاوموا الإستعمار بشراسة وأبلوا بلاءا حسنا فاستشهدت أعداد هائلة من خيرة أبنائهم ومن بينهم أمراء (بكار بن اسويداحمد، سيداحمد بن أحمد عيده… الخ).
ـ الزنوج علي الضفتين من أوائل من قاوم الإستعمار عسكريا وثقافيا (الشيخ عمر الفوتي … و آخرون).
ـ الزوايا دعوا للجهاد قبل دخول الإستعمار وإلي إقامة دولة لمواجهته: الشيخ محمد المام في قصيدة علي من ساد، الشيخ سيديا (مؤتمر تندوجه) الشهير الذي ضم مجموعة من الأمراء والعلماء والوجهاء وأقترح خلاله إمامة موحدة تحت قيادة محمد بن محمود بن عبد الله (أهل باريك الله)، الذي كان عالما وفارسا، سيدنا ولد الشيخ سيديا شارك ايضا في احدي المعارك وحث علي الجهاد في أكثر من قصيدة رائعة، بابا ولد الشيخ سيديا نفسه ناهض الإستعمار في بداية الأمر ونجي من سجن الغزاة بعد ان كرمه الله بخرق عادة قبل ان يعدل عن ذلك الاتجاه ويقبل معاملة الغربيين بشروط عدم المساس بالدين وتوفير الأمن والعدل للجميع، وقد حافظ رغم ذلك علي علاقة طيبة، بل حميمية احيانا، مع رموز المقاومة (أحمد بن الديد مثلا).
حتي أن بعضهم (الشيخ محمد المام) هدد بتكفير الزوايا اذا لم يستجيبوا مع نعتهم بأوصاف غير محمودة وذلك في قصيدته السالفة الذكر.
بعد ذلك، قاد الزوايا وباشروا الجهاد لما دخل المستعمر بصفة مشهودة علي يد الشيخ ماء العينين (ومحيطه الأسري والإجتماعي)، وسيدي ولد ملاي الزين والكنتويين البواسل، علما أن كثيرا من القبائل المحظرية شاركت في المقاومة العسكرية والثقافية والسياسية (حركة النهضة مثلا)، في المناطق الغربية والشمالية.
أضف إلي ذلك بالنسبة لوسط و شرق البلاد ممانعة عدائية مماثلة أو أشد تجاه المستعمر لدي التشكيلات القبلية والصوفية الكبري (إديدب، تجكانت، إدوعلي، إدولحاج، لقلال، تنواجيو، الحمويين، الفاضليين وأهل الشيخ ).
ـ أما لحراطين والشرائح الأخري فكانت مقاومتهم حسب النمط المعتمد لدي مجموعاتهم القبلية، فمنهم مسلحون شاركوا عسكريا، وبصفة عامة فقد ساهموا بفعالية في مقاطعة الدخلاء ومناصرة المجاهدين وتزويدهم بالمؤن والمعدات واللوازم والإرشاد وتحفيزهم علي الإستماتة في مقارعة الإستعمار عبر التمجيد والإطراء.
وهنا لا بد ان نسجل بتقدير واجلال دور البطل المجاهد محمد ولد امسيكة الذي شكل بمفرده خطرا مخيفا عكر صفو المحتلين بل أرقهم خلال 15 سنة حتي قتل غيلة سنة 1950 في ولاية لبراكنة.
3 ـ التعديلات الدستورية الأخري هدفها الأساسي هو تقليص المؤسسات وتبسيط الإجراءات التشريعية قصد ترشيد المصروفات وتحسين الأداء.
4 ـ أسئلة كثيرة تطرح نفسها علي ضوء ما تحدثنا عنه :
ـ لماذا القوي المعارضة المطالبة بالتغيير ترفض مشاريع الإصلاح وتحجم حتي عن المشاركة الطبيعية في الحياة السياسية؟
ـ من منا لا يري في تمجيد المقاومة شرفا له ولأسلافه هل له حجة مقبولة ؟
ـ هل الجمود أولي أم البحث الدائم عن الأفضل من خلال الحلول البديلة ؟
ـ اليس رئيس الجمهورية في دولة مسلمة له سلطة تقديرية واسعة ( حتي في المجال القضائي مثل التعزير … إلخ ) تخوله اتخاذ المبادرات اللازمة خدمة للمصلحة العامة ؟
اليس رئيسنا (محمد ولد عبد العزيز) من أحسن زعماء العالم العربي والإسلامي، حيث أخرج بلادنا عدة مرات من عنق الزجاجة فعمتها الحرية وتدفقت المياه وشملتها الإنارة والطرق وذكر إسم الله في كل بقعة منها وعلي امواج الفضاء آناء الليل وأطراف النهار.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى