مشعل يظهر في المغرب العربيّ لتوسيع علاقات حماس السياسيّة
بعد غياب خالد مشعل قرابة ثمانية أشهر عقب الانتخابات الداخليّة لحماس في أيّار/مايو، وتنحّيه عن قيادة حماس، ليحل محله إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي لحماس، ظهر مشعل مجدّداً، خلال زيارة رسميّة قام بها في أواخر كانون الأوّل/ديسمبر إلى موريتانيا والمغرب.
في موريتانيا، بدأت زيارة مشعل في 21 كانون الأوّل/ديسمبر، للمشاركة في مؤتمر حزب التجمّع الوطنيّ للإصلاح والتنمية “تواصل” المعارض في نواكشوط.
ثمّ أجرى لقاءات مع الأحزاب والشخصيّات الموريتانيّة، بينهم رئيس الحزب الحاكم الاتّحاد من أجل الجمهوريّة الموريتانيّ سيدي محمّد ولد محم في 23 كانون الأوّل/ديسمبر، لبحث تطورات القدس والقضية الفلسطينية.
وأعلن مشعل في 24 كانون الأوّل/ديسمبر خلال كلمة ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر العادي الثالث لحزب “تواصل” بموريتانيا أنّه جاء إليها بدعوة من حزب “تواصل” المعارض، لكنّه دخلها عبر بوّابتها الرسميّة باستضافة الرئيس واشترط موافقته على الزيارة.
في 25 كانون الأوّل/ديسمبر، التقى الرئيس الموريتانيّ محمّد ولد عبد العزيز، من أجل أن يعبّر له عن اعتزازه بالزيارة، والتفاعل الرسميّ والشعبيّ الموريتانيّ مع القضيّة الفلسطينيّة، شاكراً موقفه الشجاع وقطعه العلاقات بإسرائيل في عام 2010، ونقل مشعل للرئيس الموريتاني تحيات إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس.
قال عضو المكتب السياسيّ لحماس ورئيس مكتب العلاقات العربيّة والإسلامية فيها عزّت الرشق لـ”المونيتور” إنّ “زيارات مشعل إلى موريتانيا والمغرب، جزء من تحرّك حماس إلى الدول العربيّة والإسلاميّة والعالميّة، حيث زارت تركيا وقطر وإيران وماليزيا ولبنان والسودان وجنوب أفريقيا، وستستأنف زياراتها في الأيّام المقبلة، وقد حملت زيارة المغرب وموريتانيا دلالات أظهرت الحضور الرسميّ والشعبيّ لحماس فيهما، على الرغم من الحصار الذي تتعرّض إليه”.
وأضاف الرشق أنّ “زيارة حماس إلى المغرب وموريتانيا التي ترأس وفدها خالد مشعل حظيت باهتمام الأحزاب الحاكمة والمعارضة فيهما معاً، ممّا يدلّل على أنّ القضية الفلسطينية حاضرة بقوّة في الأوساط السياسيّة، وكان للقاء حماس بجميع الأطياف السياسيّة فيهما صدى إيجابيّاً للشخصيّات الإعلاميّة والسياسيّة هناك، ممّا يعطي دلالة لكلّ الأطراف على أنّ الحركة تسعى إلى الاستفادة من كلّ الطاقات التي تحبّ فلسطين وتعمل لها، على الرغم من اختلاف التوجّهات السياسيّة”.
فيما قال الباحث السياسيّ الموريتانيّ وأستاذ الأخلاق السياسيّة وتاريخ الأديان بجامعة حمَد بن خليفة في قطر محمّد مختار الشنقيطي لـ”المونيتور” إنّ “زيارة مشعل كانت طيّبة إلى نواكشوط، ودلّ استقباله رسميّاً وشعبيّاً على إجماع موريتانيّ حول القدس وفلسطين، من السلطة والمعارضة، بلقائه بالرئيس الموريتاني والفعاليات الحزبية الموريتانية، وربّما أدركت حماس أنّ من إيجابيّات نظام الحكم الموريتانيّ الحاليّ قطعه العلاقات مع إسرائيل، وموقفه القويّ ضدّ قرار دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل في 6 كانون الأوّل/ديسمبر”.
شهدت العلاقات الإسرائيلية الموريتانية التي بدأت عام 1995، تراجعا ملحوظا حين شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة في ديسمبر 2008-يناير 2009، حيث جمدت نواكشوط خلال أيام الحرب علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، وطالبت موظفي السفارة الإسرائيلية لديها بمغادرتها، وتم إغلاق السفارة، وإنزال العلم الإسرائيلي من فوق بنايتها، وفي مارس 2010 أعلنت موريتانيا قطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل بشكل نهائي.
وأضاف الشنقيطي أنه “على الرغم من أنّ إقامة مكتب لحماس في نواكشوط وارد لكنّه خاضع إلى الحسابات الإقليميّة، وربّما كان سيتحقّق لو أنّ نواكشوط قريبة من الدوحة، ذات العلاقات الوثيقة مع حماس، لكنّ الأزمة الخليجيّة الحاليّة، قرّبت موريتانيا والسعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة ضدّ قطر”.
قطعت موريتانيا علاقاتها بقطر يوم 7 يونيو بسبب ما ذكر بيان لوزارة الخارجية الموريتانية أنه دعم قطر للتنظيمات الإرهابية، دون أن يسميها، ونشر الفوضى بعدة بلدان عربية، مما نتج عنه تفكيك بعضها وتدمير بناها التحتية، ولم يذكر أياً من هذه الدول.
بعد مغادرة مشعل موريتانيا في 26 كانون الأوّل/ديسمبر، وصل في اليوم ذاته إلى المغرب، تلبية لدعوة من حزب العدالة والتنمية، والتقى خلال يومي زيارته برئيس الحكومة المغربيّة سعد الدين العثماني وقيادة الحزب، وكتلته البرلمانيّة، وقيادات أحزاب التقدّم والاشتراكيّة، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، الاتّحاد الاشتراكيّ، والتوحيد والإصلاح.
وشكر مشعل الملك المغربيّ محمّد السادس، مبدياً تقديره للمغرب رسميّاً وشعبيّاً وحزبيّاً لدعمه القضيّة الفلسطينيّة.
يتركز دعم المغرب للقضية الفلسطينية في ظل رئاسة الملك المغربي للجنة القدس التي أسستها منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1975، وفي 1979 أسس المغرب بيت مال القدس لجمع تبرعات مالية لدعم المقدسيين. وفي أقوى خطوة فعلية ضد قرار ترامب الخاص بالقدس، استدعت الرباط يوم 6 ديسمبر القائم بالأعمال الأميركي فيها، للإعراب عن قلقها العميق من القرار، وندد مجلس النواب المغربي يوم 12 ديسمبر بذات القرار، واعتبروه غير شرعي، وطالبوا بوقف استفزازات إسرائيل ضد الفلسطينيين.
قال مدير جريدة المساء المغربيّة عزيز العطاتري لـ”المونيتور” إنّ “أهمّيّة زيارة مشعل إلى المغرب هي في كونها تأتي على الرغم من عدم ترحيب بعض الأحزاب السياسيّة الاشتراكيّة والليبراليّة والشيوعيّة بحماس لأنّها تابعة إلى الإخوان المسلمين، لكنّه حظي باستقبال كبير من هذه الأحزاب، ممّا شكّل مفاجأة لأتباع هذه الأحزاب المغربيّة، بعدما اتّهمت حماس بضرب المسار السلميّ للقضيّة الفلسطينيّة، لكنّ ذلك لا يعني فتح مكتب لحماس في الرباط، فقد لا يكون له داعٍ حاليّاً، لأنّ حماس ترتبط بعلاقات وثيقة مع بعض الأحزاب الإسلامية المغربيّة، تنسّق معها وتتواصل، وتؤدّي عمل مكتب للحركة”.
تزامنت زيارة مشعل مع تواصل الفعاليّات المغربيّة المتضامنة مع القدس، وقد أطلع الأحزاب المغربيّة التي التقاها على تطوّرات المصالحة بين فتح وحماس، وقال إنّ المغرب كان أذكى دولة تعاملت مع استحقاق الربيع العربيّ، حين قام الملك بخطوة ذكيّة وشجاعة سمحت ببيئة ديمقراطيّة استغلّتها الأحزاب جيّداً.
وقال الباحث المغربيّ في الأحزاب الإسلاميّة يحيى عالم لـ”المونيتور” إنّه “يمكن اعتبار زيارة مشعل إلى المغرب بدعوة من رئيس الحكومة المغربيّة ومباركة الملك، رسالة سياسيّة ذات دلالات متعدّدة بالنظر إلى السياق الذي تمرّ به القضيّة الفلسطينيّة وقضيّة القدس، خصوصاً بعد قرار ترامب، بسبب المكانة التي تشغلها القدس لدى المغاربة، فضلاً عن ترؤّس عاهل المغرب للجنة القدس المنبثقة عن منظّمة المؤتمر الإسلاميّ في عام 1975”.
تتركز مهام لجنة القدس بحماية مدينة القدس، والتصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية لطمس طابعها العربي الإسلامي، وتنفيذ مشاريع مُهمة فيها بمجالات الصحة والتعليم والإسكان وشؤون المرأة والشباب والطفولة.
وأضاف عالم أن “جديد الزيارة يتمثّل في دخول أحد رموز المقاومة الفلسطينيّة إلى أرض المغرب من بوّابة الملك، ممّا قد يعني إمكان الانفتاح السياسيّ الرسميّ للمغرب على قوى وطنيّة فلسطينيّة، وأعني حماس، التي تستمدّ شرعيّتها من المقاومة للمحتلّ الإسرائيليّ، إلى جانب شرعيّتها السياسيّة الديمقراطيّة داخل فلسطين”.
قال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة النجاح الوطنيّة في الضفّة الغربيّة عبد الستّار قاسم لـ”المونيتور” إنّ “زيارة مشعل إلى المغرب وموريتانيا خطوة إيجابيّة، على الرغم من تقصير حماس بالتواصل مع المغرب العربيّ، وشكّل موضوع القدس فرصة لحماس لاستغلاله جيّداً في هذه الزيارة، فالمغرب من أكثر الدول العربيّة تعاطفاً مع الفلسطينيّين، ولعلّ لقاء مشعل بالرئيس الموريتانيّ ورئيس الحكومة المغربيّة يؤكّد أنّها زيارة رسميّة، تمّ ترتيبها مع قيادة حماس، هذه القيادة التي تقدّر خبرة مشعل الطويلة وعلاقاته السياسيّة، وحتّى لو لم يعد قائداً لحماس، فمخطئ من يظنّ أنّه جلس في بيته، لأنّه ما زال موجوداً في دائرة صنع قرارها، تستفيد منه، وتستثمر شبكة علاقاته الطويلة التي بناها في السنوات الماضية”.
أخيراً… تشكّل زيارة مشعل إلى المغرب العربيّ عهداً جديداً في علاقات حماس الخارجيّة، وظهوراً بعد غياب لمشعل ذاته، ممّا يدلّل على رغبة حماس في ترميم علاقاتها الإقليميّة والدوليّة، على الرغم من الضغوط الممارسة عليها من جهات إقليميّة ودوليّة، أملاً منها في كسر حصارها في غزة، وتوفير دعم سياسيّ وماليّ لها، على الرغم من عدم ثقتها الكاملة بتحصيل هذا الدعم من هذه الدول.