مساهمة في تحرير مناط مفهوم الولاء السياسي / الخليل ولد الطيب

01-10.jpg يقول الإمام الشافعي رحمه الله: من يظن أنه يسلم من كلام الناس مجنون، قالوا عن الله جل علاه ثالث ثلاثة وقالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساحر مجنون فما ظنك بمن هو دونهما . و استيعابا لهذه المعاني فإني أوسع صدري و أبسط ظهري للتقييم و النقد المتجاوز الحدود الملامس للشطط أحيانا اتجاه الأفكار و الآراء التي أعبر عنها من منبر الجمعية الوطنية و المنابر السياسية و الفكرية و الإعلامية الأخرى.

و كما هو معلوم و مفهوم فإني لم أكلف نفسي عناء الرد علي بعض المنابر الإعلامية الظاهرة و المستترة الذين ما فتئوا يعرضون بي وينالون من عرضي و حسبي بسبب أو بدونه فى محاولة يائسة وبائسة لتمييع مواقفي وتشويه صورتي لدى الرأي العام.
و ثباتا علي هذا الموقف فلا تهدف هذ العجالة إلي الرد علي جهة بذاته و إنما هي سعي مني إلي تحرير مفهوم الولاء السياسي تمييزا له عن النفاق السياسي تاركا بعد ذلك الحكم للرأي العام الوطني ليضع كل شخص فى خانته الصحيحة التي تناسبه. آملا أن يشكل هذا إسهاما فى فتح حوار ونقاش جاد بين النخبة الوطنية من القيادات السياسية لتعرض آراءها وتصوراتها حول بعض المفاهيم والإشكالات المطروحة ولتجيب معا على السؤال التالي:
هل فى قاموسنا السياسي شيء إسمه الولاء السياسي أم أن كل دعم ومساندة لنظام ما هو نفاق سياسي؟
الولاء لغة هو الوفاء والإخلاص والمناصرة والتأييد. واصطلاحا يعني الصدق فى القول والعمل والنيات. وهو ينقسم إلى نوعين، ولاء وطني وولاء سياسي.
فولاء الانسان لوطنه يعني إخلاصه فى خدمته، وحرصه على أمنه واستقراره وتصديه لأعدائه فى الداخل والخارج ويعني العمل على أن يظل كيانه متماسكا بالوقوف فى وجه كل محاولة لتمزيق نسيجه الاجتماعي، وهو بهذا المفهوم يكون ولاء كاملا وخالصا، ولاء وجدانيا للأرض التي ولد وترعرع عليها الإنسان وعاش ويعيش فيها، ويتجاوز الولاء الجسمي الذي تكفي الوثائق الثبوتية لتحديده.
أما الولاء السياسي فهو نمط آخر يختلف عن الولاء الوطني إذ هو ولاء لنظام سياسي ما حين تتقاسم معه مشروعه المجتمع وترضى عن سياساته وتوجهاته بحيث تكون تعبيرا عن تطلعاتك ومشاعرك ولهذا الولاء السياسي درجات وأشكال متعددة باختلاف مضامينه فمنه ولاء مزيف وشكلي لا يجوز تسميته ولاء..
ومنه ولاء مصلحي ومتغير سرعان ما يزول بزوال مسببه ولاء مؤقتْ إذ ينتهي بانتهاء الوظيفة مثلا أو بانقطاع الامتيازات والحظوات، فينقلب صاحبه، وقد يتحول إلى ناقم أو حاقد ومعارض ينضاف لقائمة المعارضين الجدد، والأمثلة كثيرة.
ومن الولاء ما هو حقيقي وصادق، لكنه نادر وهذا النوع من الولاء ما يصدق عليه مفهوم الولاء وينبثق عادة من الوعي الوطني أو من التربية السياسية التي تمنح الانسان ثقافة وروح التضحية ونكران الذات، فمن تشبع بثقافة وطنية أو بوعي وطني صادق لا بد أن يخلو فكره من الأنانية التي هي أصل كل شر حسب الماهاتماغاندي باعتبارها حبا مفرطا للذات وركوضا وراء المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة.
ومما يؤسف له أن بعضنا يخلط بين الولاء الوطني والولاء السياسي فيحرق الأخضر واليابس عندما يسقط موقفه من النظام على موقفه من الوطن، فيسيء بذلك للمجتمع وللوطن بسبب هذا الخلط الذي قد ينتج عن غياب وعي أو فهم وإدراك أو نقص فى الثقافة الوطنية التي تحصن أصحابها وتعطيهم الجرعة اللازمة التي تجعلهم دائما غيورين على بلدانهم وأوطانهم وتمنعهم من إعطاء المعلومات المشوهة لسمعة الوطن أو النظام السياسي مهما اختلفوا معه وهو نفس الخلط ونفس الخطإ الذي يجعل من كل موقف داعم للنظام تزلفا ونفاقا سياسيا..
فما هو النفاق السياسي إذن.. وما هي أسبابه ودوافعه؟
النفاق السياسي ظاهرة اجتماعية كونية خطيرة، عرفتها الإنسانية عبر العصور فى كل زمان ومكان، وهي ظاهرة تكثر حسب الدارسين فى المجتمعات المتخلفة وتلك التي تعاني من اختلالات فى منظومة القيم والأخلاق، وتقل أو تتلاشي فى المجتمعات المتطورة لعديد الأسباب التي لا يتسع المقام للتطرق لها هنا.
للنفاق السياسي دوافع وأسباب، فمن دوافعه الخوف والطمع والوصولية.
ومن أسبابه انعدام الثقة فى النفس وضعف الشخصية والشعور بالنقص والعقد، وهي عوامل مجتمعة تدفع الانسان إلى الكذب والغش والخداع وإلى السعي للتكسب بكل الطرق.
ففي الحديث الشرف أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أتمن خان.
وبذلك يكون الإنسان المنافق هو من يظهر فى أكثر من صورة ووجه يتلون حسب الموقف تقتضيه مصلحته الشخصية، وهو بهذا التعريف وبهذه الصورة يعتبر شخصا سيئا وتافها ويكون النفاق السياسي خيانة عظمى وجريمة نكراء في حق الوطن والمواطن.
من هنا يجب على الذين يتناولون مواقف الآخرين أن يتثبتوا قبل إصدار أحكامهم، فأنصحهم بتتبع سير الرجال حتى نفرق بين مدارس التزلف والنفاق وين مدرسة الصدق والوقار والتضحية ونكران الذات.
بعد هذا التوضيح حول إشكالية الولاء والنفاق السياسي أدعو كل سياسي البلد القدماء والجدد إلى اعتماد مفهوم الولاء كقيمة ثابتة فى القاموس السياسي الموريتاني ولاء لا يشترط أهله مقابلا ولا ثمنا أكثر من مصالح العباد والبلاد وأن يقبلوا لنا دعمنا وولاءنا لتوجه اعتمده نظام وطني رأينا فيه أملا للحياة وللمستقبل فالتحمنا به لا نريد جزاء ولا نشترط مكافأة.
وكيف لا ندعمه ونسانده وقد أخرج البلد من وضعية كارثية متمثلة بإفلاس اقتصادي ومالي وأخلاقي، وبعزلة إقليمية ودولية واستبداد سياسي وهدر لكرامة الإنسان إلي فضاءات أرحب فأقام البني التحتية وبني المستشفيات والجامعات وأنشأ الموانئ والمطارات، وكرم العلماء وشيد المساجد والمحاظر التي دخلت كل بيت عبر القنوات والإذاعات وطرد الصهاينة مزيلا بذلك الإجراء التاريخي غير المسبوق و وصمة العار التي ظلت عالقة على جباهنا فترة من الوقت، وأقام شبكات المياه والكهرباء،…
وفوق ذلك أقام المشاريع ذات البعد الاستراتيجي وأخرج مؤسساتنا العسكرية والأمنية التي هي صمام أمان الوطن من وضعية الترهل والتردي إلى وضعية التألق فأصبحت بحمد الله أهم مؤسسة على الصعيد الاقليمي وتسليحا وتكوينا ورجالا فبهذه الانجازات وبهذا التوجه تمكن النظام من انتزاع ولاء مستحق من عقولنا وقلوبنا ومن عقول وقلوب الشرفاء من أبناء هذا البلد.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى