نجعل كل أيامه أعيادا
كثر الحديث هذه الأيام عن الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف-وكثيرا ما يكثر-فكلما اقترب هذا الموسم يقيض الله لهذه الأمة، أمة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، من يشهر سيفه في وجوه المسلمين ليصدهم عن ذكر رسول الله وعن الاحتفال بمولد أعظم يوم ولد فيه أعظم مولود، بدعوى أن الاحتفال به بدعة قد تصل إلى حد المنكر مستدلين بحديث النهي عن الإطراء.
وفي الجانب الآخر يوجد من يعتبرون الاحتفال بهذه الذكرى قربة ويدافعون عنها بكل ماأوتوا من قوة معتبرين أنها مندوبة على الأقل عملا بالآية الكريمة”وذكرهم بأيام الله”. ويوم مولده من أعظم وأشرف أيام الله .
ومن أغرب ما صادفت هذه الأيام مقالا يشدد صاحبه على بدعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف مقدما تبريرا يتلخص في ثلاث نقاط:
١- لم يحتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكرى المولد وهو من أنزل الله عليه “اليوم أكملت لكم دينكم” الآية بل نهانا عن إطرائه بما تطري به النصارى نبيهم.
٢- لم يحتفل الخلفاء الراشدون من بعده وهم أدرى بقدره ومنزلته صلى الله عليه وسلم من كل أحد.
٣- إن أول من احتفل بهذه الذكرى هم العبيديون؛ واصفا إياهم بأنواع الفسق والفجور، نعوذ بالله.
وقبل أن نناقش كل نقطة على حدة يجدر بنا أولا ان نتساءل عن النتائج التي قد تترتب على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف- بغض النظر عن من كان وراء أول احتفال به وعن نيته- هل يترتب عليه مثلا:
أن إحياء هذه الذكرى ضروري لخلق الارتباط الروحي بهذا الرسول الكريم وغرس محبته بين أبناء المسلمين صغيرهم وكبيرهم قويهم وضعيفهم ؟
من المسلم به أن الاحتفال بحدث ما وجعل يومه عيدا ينتظره الجميع لإظهارالفرح والسرور يبعث على الابتهاج وبالتالي الراحة النفسية وهو هدف أسمى يوجب علي المسلمين حسب رأيي العمل على جعل كل أيام النبي صلى الله عليه وسلم أعيادا خصوصا يوم ميلاده، يوم بعثه إلى البشرية، يوم هجرته إلي المدينة المنورة، يوم بيعةالعقبة ويوم فتح مكة.
أم أن إحياء هذه الذكرى والاحتفتال بها تترتب عليه نتائج أخرى مثل التبذير وبعض المظاهر اللا إسلامية جعلت منه حدثا ليس له ما يبرره من الناحية الشرعية؟
إذاكان الأمر كذالك فالتبذير والاختلاط وكل مايخالف تعاليم رسول هذه الأمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ليست جائزة ولا مبررة لا في عيد المولد ولا في غيره. و هى وإن كان إثمها على مرتكبها سواء في أيام أعياد أو أيام أخر لا يعقل أن تحول بينا و الاحتفال بأعيادنا مخافة أن يقع ما قد يقع وقد لا.
علينا أن نحتفل بأعيادنا ونعمل على أن تكون خالصة لوجه الله تعالى وخالية من كل ما لا يتماشى مع تعاليم هذا الرسول الأعظم وهى تعاليم كما يعلم الجميع واضحة ناصعة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاهالك.
هذا من حيث النتائج التي يمكن أن تترتب على الاحتفال بهذا اليوم العظيم أعظم يوم في تاريخ البشرية جمعاء حسب كثير من أعداء الإسلام أما المسلمون فلا يتم إيمان أحدهم حتى يكون صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ماله و أهله ونفسه التي بين جوانحه.
تجليات إظهار هذا الحب كثيرة ومن أبسطها الفرح والسرور بيوم مقدمه كأعظم هدية قدمها الله جل وعلا للبشرية نحمده عليها.
إذا نحن مطالبون شرعابإظهار حب من نحب “من أحب أخاه فليعلمه وجوبا” أحرى أن يكون من حبه عقيدة وخدمة جنابه عبادة.
وبالعودة إلي المبررات التي قدمها صاحب المقال :
١-لاأوافق على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يحتفل بعيد ميلاده قط بل نرى أنه كان كثيراما يحتفل به إذ أن صومه يوم الإثنين عبر به عن نوع من التخليد حيث قال صلى الله عليه وسلم إنه يوم ولد فيه وهذانوع من أنواع الاحتفال ولو بإظهار الشكر لله تعالى.
كما أنه قد عق عن نفسه في يوم الإثنين وهو احتفال قام به بعد أن بعث نبيا. لذا فلا حرج في أن نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم مستدلين بهذين الاحتفالين الذين قام بهما صلى الله عليه وسلم.
وإذا سلمنا جدلا بأن هذين الحدثين لا يكفيانك للتدليل على مشروعية الاحتفال فإن عدم احتفاله بيوم ميلاده لايستدل به علي المنع والتحريم لأن تركه لفعل من الأفعال ليس دليلا على حرمة ذالك الفعل وهذه قاعدة أصولية معروفة. فلم يأكل صلى الله عليه وسلم كثيرا من الأطعمة المتوفرة في زمنه ولم يلبس كثيرا من الألبسة الموجودة آنذاك ولم يقل العلماء بأن أكلها أولبسها حرام .
٢-وبناء على أن تركه لفعل ما لايستدل به على التحريم- وهنا ننتقل لحجة الكاتب الثانية- فإن ترك الخلفاء الراشدين من بعده للاحتفال بمولده لا يستدل به على التحريم؛ وإن كان الأمر كذالك فلماذا جمعوا القرءان الكريم في مصحف واحد وقد تركه صلى الله عليه وسلم متفرقا بين صحائف عديدة؛ بالإضافة إلى إصلاحات رأوا أنها ضرورية لتأسيس الدولة الإسلامية ولم يترك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شكلا تقاس عليه لكنه لم ينهاهم عنها.
وبماأنهم فعلا خلفاؤه وهم أدرى به وبشريعته وبحاجة المسلمين إلي عدم إغلاق باب الطاعات والزيادة منها فقد اتبعوا نهجه صلى الله عليه وسلم تاركين باب الزيادة في الطاعات مفتوحا ومن أعظم الطاعات المبتدعة بعدهم عليهم رضوان الله حسب رأيي هو سن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم.
إن جل العلماء الذين تناولوا هذاالموضوع-قديما وحديثا- أجمعوا على أنه من أفضل القربات إلى الله تعالى، بل منهم من ابتدع طريقته الخاصة في الاحتفال. فنري الشيخ محمد المامي مثلا من علماء قطرنا يمدحه بقصيدة في ذكرى كل مولد، و علماؤنا الأجلاء الحالييون أمثال الشيخ عبدالله ول بيه، الشيخ محمدول سيدي يحي والشيخ اباه ول عبدالله أطال الله بقاءهم آراؤهم واضحة وجلية بهذا الخصوص وهي على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بينما ألف الشيخ محمدول أحمد مسكه أطال الله بقاءه كتابا في الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم واعتبره مندوبا شرعا. أما الشيخ محمد الحسن ول أحمدو الخديم أدام الله بقاءه فله مؤلفات كثيرة في هذا الخصوص وقد ابتدع ابنه الشيخ أبو محمد ول أحمدو الخديم- و هو خريج محظرته- منذ سنوات الاحتفال بمولده الميلادي أي في ٢٤ ابريل وهي نصرة أرجو أن تعمم علي عموم تراب الوطن.
وهنا ألايعتبر هؤلاء وغيرهم من علماء وورعاء هذه الأمة أدرى بشريعة رسول الله وأحرص مناجميعا عليهاولم يختلط عليهم معنى” اليوم أكملت لكم دينكم” مع الزيادة من الطاعات بأعمال لم يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمة ولكنه لم ينه عنها ولم ينه عنها خلفاؤه الراشدون من بعده.
إن الإطراءالمذموم المنهي عنه في الحديث الشريف: هو المدح بما ليس في الممدوح كما قال النصارى “إن الله هو المسيح ابن مريم “وقولهم”… المسيح ابن الله” والفرق واضح بينه و التعظيم والتبجيل المشروع في حق من بجله الله بقوله “وإنك لعلى خلق عظيم” وقوله” ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك….” إلى غيره من الآيات البينات وأشعار حسان وكعب وابن رواحة التي كان يمتدح بها بين يديه وفي مسجده فيكافئ عليها أكبر المكافئات.
٣-حجة صاحب المقال الأخيرة لتحريم الاحتفال بالمولد هي كون أول من احتفل به هم العبيديون وهم على ماهم عليه من الفسق حسب الكاتب.
ليكن، فهذا لا يمنع من أن نحتفل نحن بهذا العيد ما دام الاحتفال به تذكيرا بأيام الله وخدمة لجنابه صلى الله عليه وسلم التي تعد أعظم جلب لرضى الله تعلى، ولا عبرة بفسق من سنها أو ابتدعها فأعمال الفساق الحسنة حسنة.
إن العمل الواحد إذا كان فيه مايخالف الشرع وما يوافق الشرع فجزاء ما يوافق الشرع ثابت. ولنعتبر أن العبيديبن أوالفاطميين لم يقوموا به من الحسنات سوى تخليد ذكرى مولد أفضل مخلوق على الإطلاق؛ فإن ذالك قد يشفع لهم عملا بالحديث” من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة”. ففرحة أبي لهب بمولد ه صلى الله عليه وسلم يخفف عنه العذاب بها كل يوم إثنين وهو كافر لم يفرح-قطعا-تقربا إلى الله تعالى فما بالك بمن يدعون أنهم أبناء فاطمة الزهراء وأنهم يخدمون الجناب النبوي الطاهر.
خلاصة القول إن العلماء مجمعون على أن الاحتفال بهذه الذكرى مشروع أصلا، قد يكون مندوبا فيما مضى، وأظنه الآن أصبح واجبا خصوصا فى هذالزمن الرديء الذي كثرت فيه الإساءة إلى المسلمين من غيرالمسلمين بل من المسلمين أنفسهم، وكثر فيه جهل صفات هذا الرسول وسيرته العطرة. لكنه احتفال يجب أن يظل محكوما بضوابط الشرع ونية الطاعة؛ فالفرح بمقدم رسول الله صلي الله عليه وسلم يرضى الله تعالى، وإشاعة حبه صلي الله عليه وسلم بين الناس خدمة لدين الله عز وجل وتلك قمة الدعوة إلي الله تعالى.
جعلني الله وإياكم من خدام جنابه الطيب الطاهر.
أحمد ول الخطاط
adkhattat@gmail.com
آبوجا في ١١ ربيع الأول ١٤٤٠
الموافق١٩ نفمبر ٢٠١٨