كل الطرق تؤدي إلى ….
تربط العاصمة الموريتانية، نواكشوط بمدن الداخل أربعة محاور طرقية هي على التوالي حسب تاريخ بنائها:
– محور نواكشوط – روصو
– محور نواكشوط – أكجوجت
– محور نواكشوط – بتلميت فالنعمه..
– محور نواكشوط – نواذيبو…
وهذه المحاور الأربعة لم تخلُ خلال العشرية الأخيرة من بعض مظاهر استنزاف ممتلكات الدولة… لا من طرف المواطن البسيط… فهذا إذا لم يسدد فاتورة الكهرباء، مثلا، يسمى مماطلا… وإذا قُطعت عنه الكهرباء وسدد ما عليه… ثم ماطل مرة أخرى… وُصف بذات الصفة وأنزلت به العقوبة…
أما إذا عمِد إلى طريقة أخرى بحيث يوقف العداد… أو يجعله يتباطأ في تسجيل الوحدات… فيسمى متحايلا… وهذا ما يقتضيه القانون الموقع من طرف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في شهر فبراير 2019 حيث نص على إنزال عقوبة قاسية، منها السجن والتغريم….
والتهمة الموجهة إليه هنا هي تهمة التحايل… حتى بكتب عند القانونيين متحايلا…
أما إذا قام زبون شركة الكهرباء بمد أسلاك تغذية بالكهرباء مباشرة من مركز الإنتاج… دون أن يُلبس ذلك أي لبوس… أو أي لوث، كما يقول أهل الفقه، فإنه لا شك سيسمى لصا… لص أحمر أو أبيض…. أو عديم الصفة لوقاحة الصفة….
فإذا ألبس ذلك لبوس التسلط… بأنه هو رئيس الجهاز التنفيذي في الدولة، رئيس الجمهورية، فما ذا سيسمى عندئذ…؟
فهو ليس مماطلا وليس متحايلا وليس لصا بأي لون كان… وإنما هو متسلط مع سبق الإصرار… لأنه هو من وضع القانون المحرم له… وهو من اخترق ذلك القانون… بسلطة أخرى….( فوق السلطة).. فيكون المواجهة بينه مع القانون في دولة القانون، حيث فصل السلطات… وحيث سلطة القضاء تتدخل لحماية القانون وتجريم مخترق القانون….
محطات المفارقات:
قبل أن نخرج من مدينة نواكشوط في أي اتجاه كنا… نتوقف في حي النصر بتفرغ زينه… عند منزل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.. الذي نظم فيه مؤتمره الصحفي أمام مجموعة من الصحافة الوطنية.. فكان أمام الأضواء لأول مرة منذ تركه الحكم في البلاد… ولكن ما تلك الأضواء…
إنها أضواء مركز لتوليد الكهرباء غير معلن لدى الشركة، صوملك، ولمدة ثماتية أشهر كاملة بفاتورة قدرت تقديرا ب11.340.000 أوقية قديمة…( أحد عشر مليونا وثلاثمائة وأربعون ألف أوقية)…
لا تتعجبوا من هذا الرقم… فهو صغير إذا ما نظرنا إلى أرقام أخرى يصعب تقديرها…
ولكن الغريب أن هذا العمل تم على يد حامي الدستور وحامي القانون….
إنه لمقيت هذا النوع من التصرفات لدى أهل نواكشوط… فلنخرج من هذه المدينة الظالمِ أهلُها…
لنتوجه مثلا إلى روصو…
طريق روصو – بوغي؛
لن نبتعد كثيرا… و لن يكون الطريق مملا.. فنحن نمر بين مزارع الأرز وأشجار الموز والمانجو… سنرى تلك المزرعة التي تم تسييجها بأعمدة السكة الحديدية.. ( المستجلبة) من نواذيبو أو ازويرات.. قبل أن نصل الطريق الرملي الذي يعرج جنوبا إلى قرية ‘‘كير مور‘‘… وفي بلدة (امبيان) بالذات…
مزرعة ضخمة تغذيها محطة للضخ على محور ميسوخ… و مصنع لتقشير الأرز… لا بد من (كهربة) المحطة والمصنع…
مركز آخر لتوليد الكهرباء غير معلن (افتحوا صفحة سرقة الكهرباء)… وعدة الشهور 36 شهرا ليست في كتاب ‘‘صوملك‘‘وإنما في كتاب أهل المصنع.. والاستهلاك من الكهرباء:41.363.000 (واحد و أربعون مليونا وثلاثمائة وثلاثة وستون ألف أوقية قديمة)…
هذا بالنسبة لمحطة الضخ… أما المصنع فقدروا استهلاكه ب49.377.000 (تسعة وأربعون مليونا وثلاثمائة وسبعة وسبعون ألف أوقية)…
لا تجعلوا هذا في خانة المماطلة ولا في خانة التحايل… بل اجعلوه في خانة (حاميها حراميها)… لقد ندمنا على سلوك هذا الطريق… لنعود إلى المحور الطرقي الذي يتوجه من نواكشوط إلى أبي تلميت…
نقطة تفتيش ‘‘تفيريت‘‘؛
لم نتجاوز أكثر من 25 كلم على هذا الطريق… مزرعة للأشجار المثمرة لمالكها أحمدو ولد محمدْ… لا تسقى المزرعة هذه إلا بالماء… ولكن شركة المياه لم ترصد بعد استهلاكها لمدة 42 شهرا … وتغذى المزرعة بالكهرباء عن طريق مركز للتوليد الكهربائي غير معلن.. وقد استهلكت من هذه الطاقة ما يقدر ب2.520.000 (مليونان وخمسمائة وعشرون ألف أوقية)…
حسبنا من هذا الطريق…
نعود لاستراحة محارب في نواكشوط… ولكننا سنسلك طريق المقاومة ابتداء من محطة (تنويش)… مقر المنظمة غير الحكومية (هيئة الرحمة)… على طريق ”المقاومة” … فهي (تقاوم) كل من يحاول أخذ المعلومات عن مصدر التغذية بالكهرباء… عفا الله عنها.. فنحن لا نملك سلطة الولوج إلى الأماكن المحظورة.. ولم (يرحمنا) القائمون على الهيئة الذين لم يرحموا موظفي شركة الكهرباء ليؤدوا مهمتهم…
تجنبا لضوضاء المدينة نسلك طريق:
نواكشوط- أكجوجت:
تسلك طريقا متوسط الجودة فتمر في سهوب رملية وأرض منبسطة التضاريس.. لتصل إلى محمية الرئيس محمد ولد عبد العزيز: أشجار وحيوانات برية وطيور ونباتات متنوعة…
الإنارة جيدة عن طريق شركة الكهرباء.. كان هنالك عدادان.. أحدهما اختفى نهائيا.. ولكن الشاهد منهما يمكن أن يبلغ عن الغائب: 344.000.000 (ثلاثمائة و أربعة و أربعون مليون أوقية)… فقط!
محمية بنشاب ومصنع المياه المعدنية… الكهرباء هنا ب(المجان)… لا عداد ولا فاتورات منذ سنوات.. ما الخانة التي تفكرون فيها؟ مماطلة.. تحايل… تلصص.. سرقة… استنزاف…
نترك ولاية اينشيري الجميلة… وتعود أدراجنا إلى نواكشوط… وكم ذا في نواكشوط مما يعكر صفونا… بقي لنا طريق آخر لم نسلكه… إنه طريق نواذيبو… العاصمة الاقتصادية الجميلة.. حيث المنطقة الحرة.. وحيث الثروة السمكية…
– مصنع الإنتاج السمكي: ZAC N 47:
للمصنع اشتراك كهربائي منذ 20سبتمبر 2016…
وهنا عملية تحايل يصل غلافها المالي 2.308.000 (مليونان وثلاثمائة وثمانية آلاف أوقية)…
– شركة بروتينات افريقيا ش.م.
التجهيزات الكهربائية تبلغ كلفتها 48.000.000 (ثمانية و أربعون مليون أوقية).. وذلك منذ 25 يوليو 2018..
لم تسدد الشركة أي فلس لشركة الكهرباء التي لا ينبغي لها بعد هذا أن تنتظر فلسا بقدرما تنتظر الإفلاس….
ونقف في النهاية حائرين حول أي الطرق نسلكها… فلا نجد قائد دولة يستنزف خيراتها ويتحدث عن المفسدين واللصوص خلال عشريته التي نافت على العشرية ويحارب رجال القانون لأنه أراد لها ألا تكون دولة قانون… وأراد زبانيته يوما أن يستمر في ذلك النهج.. لكنهم عرفوا أخيرا أنهم قد شُبه لهم.. وأصبحوا كمن كانوا يتمنون ما أوتي قارون بعد أن خسف به وبداره الأرض.. يقولون (ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء إلى قوله ويكأنه لا يفلح الظالمون). صدق الله العظيم…