لغز الجموع العربية: لماذا يُخطئ 90% في جمع كلمة “إنسان”!!؟
تُمثِّل كلمة “إنسان” في اللغة العربية نموذجًا فريدًا للتحدي اللغوي، حيث تختبر معرفة الدارس بقواعد الصرف التي تُعدّ من أعمق أنظمة اللغة؛ ورغم بساطة السؤال عن جمع هذه الكلمة في امتحانات المرحلة الثانوية، إلا أن الإجابة الخاطئة تظلُّ شائعة بين الطلاب، ليكشف هذا السؤال عن فجوة بين الفهم السطحي للقواعد وإدراك تفاصيلها الدقيقة.
في هذا السياق، يُؤكِّد خبراء اللغة كالدكتور جودة مبروك، أن الخطأ في الجمع لا يعكس ضعفًا في الحفظ، بل قصورًا في استيعاب أنماط الجموع المُختلفة. فالكلمة تقبل جمعَين صحيحَين وفق سياقات مُتباينة:
1- أُناس: وهو جمع ينتمي إلى وزن “فُعال”، الذي يُستخدم غالبًا مع الأسماء المختومة بحروف كالنون أو السين، مثل “رجل/رِجال” أو “فَلَك/فُلاك”.
2- أناسي: وهو جمعٌ نادرٌ على وزن “فَعالِي”، يرتبط بجمع الصفات أو الدلالات المجردة، ويُظهر مرونة اللغة في التعامل مع المفاهيم الإنسانية.
تُبرز هذه الازدواجية سمةً جوهرية في العربية، وهي تعدد أوزان الجموع (“جموع التكسير”)، ما يجعلها لغةً غنيةً بالقدرة التعبيرية، لكنها تتطلَّب تمييزًا دقيقًا بين الأوزان الصرفية وأصول الكلمات. فكلمة “إنسان”، المشتقة من الجذر “أنس”، تحمل في بنيتها إمكانية اشتقاق جمعَين، كلٌّ منهما يعكس جانبًا من دلالاتها: “أُناس” للدلالة على الجماعة، و”أناسي” للتركيز على الصفة الإنسانية.
هذا التعدُّد ليس عشوائيًا، بل يُبنى على قواعدَ مُحكمةٍ تدرسها علوم الصرف، مثل تطابق الحروف الأصلية للكلمة مع وزن الجمع، وملاءمته للمعنى المقصود. لذلك، يتحوّل سؤالٌ بسيطٌ مثل جمع “إنسان” إلى مدخلٍ لفهم تعقيدات العربية، حيث تُختبر قدرة الطالب على الربط بين البنية اللغوية والدلالة، بدلًا من الاكتفاء بحفظ القوالب الجاهزة.
في النهاية، يُعيد هذا السؤال تعريف “الصعوبة” في تعلُّم اللغة: فالأمر ليس مجرد حفظ قواعد، بل فهم فلسفتها التي تجعل من العربية لغةً قادرةً على احتضان التنوع دون خروج عن أصولها.