نواذيبو: بوابة موريتانيا الذهبية بين التحديات والطموحات
على حافة العالم، حيث تلتهم الرمال الذهبية أمواج المحيط الأطلسي، تنهض نواذيبو كحلمٍ اقتصادي يتربّع على حدود الصحراء والماء.
هنا، حيث تختلط أصوات صفارات السفن بزمجرات قطارات الحديد، تُنسَج قصة مدينةٍ تحمل على أكتافها مستقبل بلدٍ بأكمله، لكن؛ هل تكفي أحلام الماضي لبناء واقعٍ مختلف؟!
تتشبث المدينة بشبه جزيرةٍ قاحلة، تبعد عن العاصمة نواكشوط مسافة 465 كيلومتراً شمالاً، وتكاد تلامس حدود المغرب عند مدينة الگويرة. وعلى الرغم من جفاف تربتها، تُعدّ عاصمةَ ولاية داخلت نواذيبو، وتُلقَّب *بـخزّان الثروات*، لما تزخر به من مناجم الحديد وموانئ الصيد التي تعجُّ بالحركة ليلَ نهار.
يُختزل سرُّ هذه القوة في القطار الأطول الذي ينقل يومياً 20 ألف طن من خام الحديد من مناجم الزويرات إلى الموانئ، فيما تتحوّل سفن الصيد في ميناءي *خليج الراحة* *والميناء المستقل* إلى خيوطٍ تربط اقتصاد موريتانيا بالعالم؛ لكن، وراء هذه الصورة المثالية، تكمن إشكالياتٌ عميقة: فالمدينة التي تستقطب 70% من صادرات البلاد، تعاني من نقصٍ حاد في البنية التحتية والخدمات الأساسية.
لم تكن نواذيبو دوماً اسماً موريتانياً؛ فقد بدأت قصتها عام 1441م كمحطةٍ برتغالية أُطلق عليها *كاب بلانكو*، قبل أن يستولي عليها الفرنسيون ويُسمّوها *بور إتين* تيمّناً بوزير مستعمراتهم وقد خلّف الاستعمار إرثاً متناقضاً: ميناءً لتصدير الأسماك ومصنعَ تعليب وحتى مطاراً كان بوابةً للطائرات المتجهة إلى أمريكا اللاتينية.
اليوم، تحاول المدينة كتابة فصلٍ جديد عبر تحويلها إلى *منطقة حرّة*، لكن الخبراء يحذّرون: “القرار جاء متسرعاً دون دراسةٍ كافية لاحتياجات المستثمرين”، ويُجمع كثيرون على أن الإعفاءات الضريبية وحدها لا تكفي دون حلّ أزمات الكهرباء والمياه.
ورغم أن رائحة الأسماك لا تفارق أجواء المدينة، إلا أن رائحةً أخرى أقل بهاءً تلوح في الأفق: انبعاثات المصانع التي حوّلت سماء نواذيبو إلى لوحةٍ من الدخان، مهدّدةً الثروة السمكية التي تعتمد عليها 90% من عائلات المدينة؛ ولا يتوقف الأمر عند التلوّث، فالمدينة التي يُفترض أنها *محرك الاقتصاد*، تحوّلت أيضاً إلى نقطة انطلاقٍ للمهاجرين غير الشرعيين نحو *جزر الكناري*.
مفارقةٌ صارخة: بوابة الثروات نفسها تُصدِّر الفقراء الباحثين عن حياةٍ أفضل!؛ وسط هذه التناقضات تبرز محاولاتٌ للخروج من المأزق؛ مجمع *بولي هاندن* الصناعي، باستثمارٍ قدره 100 مليون دولار، يُعدّ نموذجاً لتحويل المدينة من مصدِّرٍ للمواد الخام إلى مركزٍ للتصنيع. لكنني أرى أن الفساد المستشري في قطاعي المعادن والصيد يُحوِّل عائدات المدينة إلى جيوبٍ ضيقة، ما يستدعي إصلاحاتٍ جذرية في الحوكمة.
السؤال الأكبر: هل تستطيع نواذيبو أن تكون أكثر من مجرد “مستودعٍ للموارد”؟ الجواب يعتمد على قدرتها في تحويل التنوع السكاني، بما فيه من جاليات أجنبية، إلى فرصةٍ للاندماج العالمي، مع الحفاظ على هويتها المحلية؛ إنها مدينةٌ تحمل كل مقومات النجاح، لكنها تحتاج إلى إرادةٍ تكسر قيود الماضي.