“كفاءة النسب” تعرّض الموريتانيّات للعزلة

نواكشوط – العربي الجديد – يفرضُ المجتمع الموريتاني “كفاءة النسب” شرطاً لتزويج الفتيات ممن يوازيهنّ لناحية النسب القبلي. أية تمرّد يعرّض الفتاة وعائلتها لعزلة اجتماعية. هي التراتبية الاجتماعية التي تُلزم فتيات القبائل العربية الزواج ممن يجاريهن في الانتماء القبلي، ورفض أي من الذين ينتمون لقبائل أقل نسباً بحسب ترتيب “الهرم القبلي”. أيضاً، ترفض بعض القبائل تزويج بناتها إلا من أبناء عمومتهن، حفاظاً على النسب والجاه والمال.


التقليد الاجتماعي هذا يحرم كثير من الفتيات من تحقيق حلمهن بالارتباط بشريك يخترنه عن قناعة، ويحدّ من خياراتهن ويزيد من نسبة العنوسة في المجتمع. وعلى الرغم من الحملات الاعلامية والفتاوى التي أصدرها كبار العلماء، داعين العائلات إلى تجاوز هذا الشرط وعدم التضييق على الشباب، إلا أن القبائل المحافظة ترفض التخلي عنه، وتعتبره أهم شرط يجب توفره في الشاب.

تمرّد

أمام تعنّت العائلات، تجد الفتيات، بخاصة “النسيبات” اللواتي تنتمين لقمة الهرم القبلي، أنفسهن أمام وضع صعب، يدفعهن الى البحث عن شاب تتوفر فيه متطلباتهن، على غرار المستوى الثقافي والمادي، بالإضافة إلى شروط العائلة، وأهمها تكافؤ النسب. وعادة ما يعانين بسبب رفض عائلاتهن تزويجهن بسبب عدم تكافؤ النسب. بعض الفتيات تمردن على سلطة العائلة، لتظهر إلى العلن مأساة فتيات القبائل العربية التي ترفض عوائلهن تزويجهن. هؤلاء اصطدمن مع عائلاتهن والمجتمع، واعتمدن على فتاوى دينية لتبرير زواجهن من دون موافقة ولي الأمر.

وتلجأ بعض العائلات اللواتي اختارت بناتهن شاباً “غير نسيب” إلى القضاء لإبطال الزواج بدعوى “عدم تكافؤ النسب”. في غالبية القضايا، تحصل العائلات على حكم بالتفريق بين الزوجين. في السياق، تقول سعاد التي عانت بسبب زواج غير متكافئ في النسب، إن فتيات القبائل يقعن في حيرة كبيرة بين من يردنه شريكاً للعمر، وبين من تفرضه العائلة وفقاً لشروطها القاسية. تضيف “غالبية الفتيات اللواتي رفضت عائلاتهن الشاب غير النسيب يضطررن إلى القبول بزواج عائلي لإرضائهم. أخريات يرفضن الزواج، ويخترن العنوسة للضغط على العائلة للقبول بالشاب الذي أردنه”.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

عارضت سعاد عائلتها، وتزوجت من خارج محيطها القبلي، لافتة إلى أنها عانت من عواقب هذا القرار، بالإضافة إلى عزلة اجتماعية خانقة إلى أن انفصلت عنه، وعادت إلى حضن عائلتها لتتزوج من جديد من رجل من وسطها العائلي. لكنها ما زالت على قناعة بأن التوافق والانسجام أهم من شروط العائلات والقبائل.

النسب أهم

لا يفرض العرف الاجتماعي على الرجل الزواج من فتاة تنتمي إلى وسط عائلي محدد، بل يترك لهم حرية الاختيار. لا يقف في وجهه حتى لو كانت الفتاة أجنبية على اعتبار أن الرجل لا يضيره “الارتباط بامرأة أقل منه نسباً”. في السياق، يقول الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين لـ “العربي الجديد” إن “تقليد تكافؤ النسب يعود إلى قرون خلت، وكانت القبائل تحرص على تزويج بناتها ممن يوازيهنّ نسباً وجاهاً ومالاً. وظل هذا التقليد متبعاً في موريتانيا حرصاً على نقاء النسب. حتى اليوم، ما زالت بعض العائلات تفضل ابن النسب على المثقف والغني”. يضيف “جميع الفوارق تنصهر وتصبح ثانوية أمام قوة نسب العريس. على سبيل المثال، يمكن للأسرة أن ترفض شاباً غنياً أو عصامياً أو مثقفاً بسبب عدم كفاءة النسب، وتقبل عاطلاً من العمل أو أمياَ أو آخرين”.

أيضاً، يشير الباحث إلى أن العائلات عادة ما تهتم بالنسب، ويعد العنصر الأهمّ بالمقارنة مع شروط الزواج الأساسية الأخرى لتكوين أسرة سعيدة”. يضيف أن “قوة النسب كفيلة بالحفاظ على استقرار الأسرة ونقاء السلالة”. وعن تأثير شرط تكافؤ النسب، يقول إنه “عنصري يقلّص دائرة خيارات الفتاة، ويصادر قرارها وأحيانا يغتال حلمها بالارتباط بمن تحب. فتصبح حائرة بين الزواج أو الخروج عن طوع أسرتها ومواجهة عزلة اجتماعية كبيرة. كما أن الرجال الذين يتقدمون لخطبة فتاة ويواجهون بالرفض بسبب عدم كفاءة النسب، يعانون كثيراً بسبب الشعور بالدونية، وقد يتعرضون للتهديد بالقتل والحبس من قبل محيط الفتاة”.

يلفت الزين إلى ضرورة “محاربة هذا التقليد وتوعية المجتمع على ضرورة إلغاء الطبقية التي تهدد تماسك المجتمع وتقف في وجه سعادة واستقرار الأسر”، مطالباً الأئمة والشيوخ ووجهاء المجتمع “بكسر هذه القاعدة وتزويج بناتهن من دون التقيد بهذا الشرط، بهدف تشجيع الآخرين على حذو حذوهم”.

المصدر: العربي الجديد

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى