لمحة من حياة العلامة “ببها”

العلامة محمد فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل المعروف بلقبه “ببها” ووالدته خُديجة بنت محمْ بن المعلوم الفاضلية، أحد أبرز الوجوه العلمية والروحية في بلاد شنقيط في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والعقدين الأولين من القرن العشرين.

ولد ببها سنة 1244 هـ / 1828 مـ عام وفاة جده لأبيه العلامة القاضي المركزي لإمارة الترارزة : أحمد بن محمد العاقل وتوفي هو وشقيقه عبد الله، يوم عرفة من سنة 1334 هـ الموافق 1916 م، ودفنا في مقبرة الميمون حيث والدهما العلامة الشاعر محمذن بن أحمد بن العاقل وشقيقاهما العلامتان سيد الأمين و المختار أم ” التاه” علما .

تلقى ببها تكوينه العلمي والروحي في وسطه العائلي، حيث كان أبوه العلامة محمذن بن أحمد من أكبر العلماء والقضاة المنتصبين في عصره، وكان بالإضافة إلى ذالك شيخا روحيا وسيدا مطاعا ذا جاه يركن إليه الناس ابتغاء علمه ونائله وتربيته .

وإذ ابتعدنا قليلا عن الوسط العائلي لببها نجد أن ذلك العصر الذي نشأ فيه صاحب الترجمة كان بحق العصر الذهبي للإشعاع الثقافي لهذه البلاد، وكيف لا وهو عصر عاش فيه بالإضافة إلي والده العلامة محمذن بن أحمد، كلٌ من العلامة محنض بابه بن اعبيد الديماني، والعلامة محمذن فال ولد متال التندغي، والشيخ سيديا وابنه سيدي محمد (سيدنا )، والعلامة محمد ولد محمد سالم المجلسي، والشيخ محمد المامي، والعلامة أحمد فال بن محمذن فال اليعقوبي الموسوي …….

في هذا الجو نشأ ببها، فما إن مرت عقود عمره الأولى حتى أصبح مشارا إليه بالبنان، محط تسيار طلاب العلم من كل حدب و صوب، فغلب عليه لقب ” بحر العلوم” .

وتدل على مكانته العلمية آثاره في مختلف الفنون وكذلك أقدار الآخذين عليه :

1- آثاره: لقد ترك ببها مكتبة غنية بشتى فروع المعارف العربية والإسلامية والعقلية نذكر منها :

– المسائل العشر في التوحيد ( العقيدة )
– دمية المحراب في المهم من التصريف والإعراب ( القرآن )
– نظم في فواصل السور ( القرآن )
– تبيان التضاد بين مخرج الظاء والضاد ( القرآن )
– رسالة في الجيم ( القرآن )
– مختصر في النحو
– املاءات متفرقة في القرآن
– شرح لامية الأفعال لابن مالك
– نفحة الياسمين في الصلاة على أشرف المرسلين
– تأليف الصحبيات ( السيرة )
– تأليف في مساجد النبي صلي الله عليه و سلم
– نظم حوادث السنين ( الطواري )
– ترياق اللسع في الرد على المسائل التسع ( أجوبة اليعقوبيين )
– دالية الألغاز وشرحها (الفقه )
– شرح ميمية ولد بون
– أهبه المتنطق في علم المنطق ( المنطق )
– نظم الشرفاء (رب بطه)
– أنظام كثيرة في مختلف الفنون
– ديوان شعر كبير

2- الآخذون عليه :

– ابنه العلامة القاضي محمذن “اميي ” علما
– العلامة الشاعر امحمد بن أحمد يورَ وأخواه محنض ومحمذن
– العلامة سيدي ولد التاه
– العلامتان محمد سالم بن الما ومحمد بن حمين اليداليان
– محمد وبابكر ابنا عمر بن ابن عبدم الفاضليان
– خطري بن الغوث الألفغي
– العلامة محمدن بن حمدي الأبهمي
– العلامة محمد باب بن سعيد التندغي
– العلامتان المصطفى والعتيق ابنا محمذن بن المصطفي اليدوكيان.

وقد تميز ببها بمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واهتمامه بآثاره وكل مايتعلق به، حيث خصص جل ديوانه الشعري لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدحا وتوسلا، وشعره في هذا المجال سائر على السنة العامة والخاصة متبرك به عند الكبير والصغير يقول ببها:

ركاب الفكر آلمــــــها بُراها نَصيص الأبردين الى سُراها
يُنازعْنَ الأعنة جــــــــافلات زفيفَ الكُدر جد بها صــداها
إلى سر العــــواتك من سُليم تُرَجى أنْ يــــَـــــتمَ لها مُناها
وما خابت ظنون أخي ركاب إلى سر الـــــــعواتك مُنتَهاها

ويقول :

رب بطه وبــــــــــما من طــه خلــــص من در فواه واها
والرسل والأزواج والأصحاب والآل آل المصطفى الأقطاب

إلى أن يقول: بعد ما يزيد على مائة بيت:

وما من الأقطاب أيضا ينتمي إلى ذُرا بيت النبــــــــي الأكــــــــــــرم
فبالإمام العارف الربانــــــــي ذي المجد عبد القادر الجــــــــــــيلاني
وبالدسوقي الطويل البــــــاع والبدوي وأحــــــــــــمد الرفاعـــــــــي
والشاذلي سيدي أبي الحسن ذي الصيت في الآفاق و الذكر الحسن

إلى أن يقول :

وأحمد المعروف بالــــتجانــي ذي العلم والأسرار والعــــــــــرفان
حقق لنا بجاههم منك الرجـــا واجعل لنا من كل هم مــــــــــخرجا

كما تميز بحبه لكل المسلمين عامتهم وخاصتهم فقل علَمٌ يشار إليه في هذه المنطقة إلا ولببها معه إخوانيات يضيق المقام عن استيعابها. فأبياته في الشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل – التي قالها في ظروف و ملابسات خاصة – صارت من الشهرة بحيث تغني بها المتغنون:

مطلع الغرب لاح ويحك فيه سعد خير مذ لاح سعد أبيه
سعد خير ينمي إلي كل سعد زاخر اليم أريحي نبــــــيه
نال ما نال في صباه و لما تعدُ عشرٌ مضت له من سنيه
قُلْ لمن ظن أن للغوث شبها أو نظيرًا في قطرنا أرنيه

و يقول في الشيخ الكبير الشيخ أحمد بن الفالي :

علامَ ازدجارُ الطير للطيـــــــــرانِ وأحمدُ ميمونٌ و قطـــــــــب زمان
فلا تخشَ من ريبِ الحوادث إن من يكن منه لا يخشي شبا الحدثانِ
و لا تتخذْ شيخًا سواهُ مُربيًــــــــــا فما كلُ مصقول الحديدِ يَماني

و يقول في باب بن الشيخ سيديا مخاطبًا أحد تلامذته :

لازم الشيخَ بابَ و الأم لالاَ تُكْسَ نورًا و هيبةً و جلالا
لازم الغرزَ منهُ ما دمت حيًّا ســــــــتراهُ في أفقه يتلالاَ
لا يغُرنْك أن تراهُ هِـــــلالاً كلُ بدرٍ قدْ كان قبلُ هلالا

وبحكم مكانته العلمية فقد جمعت ببها مساجلات ومراسلات علمية مع أعلام زمنه، كالعلامة البراء بن بكى الفاضلي، و العلامة الشاعر محمدو بن حنبل الحسني، و العلامة حامدن بن محمذن بن محنض باب، و قد قصده اليعقوبيون بأسئلة في مختلف الفنون فأجابها في ورقات سماها : ” ترياق اللسعْ في الرد علي الأجوبة التسعْ” .

أما عن مكانته الأدبية، فإن بعض المعاصرين العارفين بشعر المنطقة، يقول إن أشعر أهل إكيدي هو العلامة: محمد فال بن محمذن (ببها ). وفي الحقيقة فإن شاعرية صاحب الترجمة يندر لها مثيل إلا أنه كرسها للمديح والتوسل، ولو أنه تناول الأغراض الشعرية الأخرى كالغزل والنسيب بنفس الدرجة التى تناولها بها غيره من الشعراء لما استطاع أحد أن يجاريه.

ببها هو الذي يقول :

حول بلشان عَرجنْ بربوع ما لماضي أيامها من رجوع
حيها حيــها وسائلْ رُبوعًا برُبـاها عن أهل تلك الربوع
إن محض الجفاء أن لاتحيا أو تُحيَّا بغير سفح الدمـــــوع

و لا يتم الكلام علي ببها – شأنه في ذلك شأن باقي أفراد أسرته – إلا ذا تُكلِّم عن علاقته بالوسط الأميري في بلاد الترارزة، فقد كان موضع احترام و تبجيل من طرف مختلف الأمراء الذين تعاقبوا علي عرش إمارة الترارزة كالأميرين: أعل و اعمر سالم ابني محمد لحبيب، و الأمير احمد سالم بن اعل، و خصوصا الأمير أحمد سالم بن ابراهيم السالم الذي كانت لببها معه مواقف و مشاهد معروفة.

و قد رثى ببها أعلاماَ من أبناء أحمد بن دامان يُعرفون في الموروث المحلي ب “شهداء اخروفة” فقال :

ما مرَّ في ما مضي من الزمان و مرْ أمرُّ طعمًا من أيام ابنِ جاجَ يَمَرْ
أيام مرَّتْ بها من عــــــــصرِنا زُمرٌ ما مثلها من بني تلك العصورِ زُمرْ

وبالجملة فإن الكلام على ببها يطول إذ إن الإتيان على جميع جوانب شخصيته أمر متعذر ولكنه بقدر ما يطول يقصر لأن إطلاق هذا اللقب له من الدلالة في آذان سامعه ما لا تؤديه سطور كثيرة .

وقد أحسن فيه سبطه العلامة الشاعر محمدن بن محمد باب بن احمد يورَ عندما يقول في نظمه لدفناء الميمون :

وببها إذا ذكرت فاسْمُهُ كاف لأنه شهيرٌ وسْمُــــــه
إن قلت عالم وقلت ماجد فسوف تبقى بعدك المحامدُ

وقد توفي ببها كما أسلفنا يوم عرفة من سنة 1334 هــ/1916 م هو وشقيقه عبد الله، وممن رثاهما العلامة باب ولد الشيخ سيديا في قطعة يقول منها:

ليس الكرامُ على الردى بحرام يَعـْتامُهمْ في الحل والإحرام
ذهب الإمام محمدٌ وقريـــــــنُه عبدُ الإله المرتضى بســـلام
مُتحليين بحَلْي كُل فضــــــــيلة مُتخليين عن الخنا والـــــذام
يرضى بهديهما الأنام ويقتفي أثريهما في الحَل والإبــــرام

ويروى أن العلامة الشاعر المصطفى بن محمذن بن المصطفى اليدوكي، التقى بمشيعى جنازتيهما وهم راجعون من الدفن فأنشدهم بديهة:

أقول لركب العاقلـــــــــــين لقيتهم ركاب عتاق العيس تخدى بهم وخدا
يمينا لنعم الســـــــــــيدان دفنـتما بمقبرة الميــــــــمون مــبرورة جدا
وعزيتهم بالمرسلين وغـــــــيرهم وأن حـــــمام المرء ينــــــزل لا بُدا
والإيجاز أولى في المراثي وغيرها من إنشاد شعر يملأ الغور والنجدا

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى