الأديب والمؤرخ الكبير المختار ولد حامدن

سمع النحو في مجلس يحظيه ولد عبد الودود، ودرس بعض الفقه في محظرة أهل محمد سالم وقد أعجبوا بنباهته وذكائه حيث ناقشوه في عدد من القضايا المعرفية فعظم في أعينهم واعتنوا به.

تولى المختار بعد عودته من المحاظر مهمة التدريس في محظرة أهله نيابة عن والده.

ثم تحول المختار بعد ذلك في سنة 1936 إلى السنغال، فاحتك ببعض المشارقة هناك لبنانيين وسوريين فيهم أدباء وشعراء ومثقفون استفاد مما لديهم من مطبوعات الصحافة العربية والدولية وقد تبلورت لديه فكرة تأليف كتاب حياة موريتانيا عندهم فبدأ يعد للأمر. ويري المختار في تلك الفترة أن سبب تأليفه للكتاب أنه بينما كان تاجرا بحانوت في مدينة كولخ السينغالية في سنته الأولى في السنغال سنة 1936 إذ قادته الأقدار ذات أمسية إلى حانوت تاجر لبناني يدعى يوسف نجيم ليشتري منه كيسا من الصابون وعندها دخل رجل شامي اسمه “أميل”، فقال له صاحب الدكان أهلا بشاعر العرب، فقال المختار لنجيم وهل يوجد شاعر العرب في غير البيضان (الموريتانيين) فرد “أميل” لعلك شاعر، فقال المختار نعم، فاستنشده “أميل” بعض شعره، فأنشده أبياتا. فقال “أميل” عندي ما هو أحسن وانشد أبياتا فرد عليه المختار هو شعر جميل ولكن قد يكون شعرك أو شعري أو شعر أي أحد آخر، ولكن تعال بنا نصف هذا الصندوق (كيس الصابون) لنر أينا أشعر وأسرع بديهة وأقوى ارتجالا وأدق وصفا، فبهت “أميل” وتساءل وما ذا عسى أن يقول الشاعر في وصف صندوق من الصابون ملقي على الأرض؟ فقال المختار: يعرفه الشاعر، فقال أميل لا يعرفه الشاعر ولا الناثر، فقال المختار أما أنا فأعرفه. فقال أميل وكيف تقول؟ فقال المختار أقول “صندوق من خشب أصفر مكعب الشكل معصوب بدباغة حمراء فيه انكسار يلوح منه صابون رديء غال عندكم ولا تسلفونه لزبنائكم”، فرد أميل لعلك ظريف.

ثم بدأت علاقة المختار مع أميل هذا ومع الجماعة الشامية، حيث دعاه أميل لزيارته ففعل مصحوبا ببعض الموريتانيين في منزل شامي يسمى “علي بيضون” فيه عدد من السوريين واللبنانيين الشيعة، فقال لهم المختار: نحن مالكيو المذهب جينديو التصوف، أشعريو العقيدة، فقالوا ما لكم في مذهب الإمام جعفر وهو حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بالسنة؟ فقال المختار سميتمونا أهل السنة ورضينا.
وأملى عليهم المختار مقالا عن البيضان الموريتانيين تم نشره لاحقا في إحدى الجرائد الشامية مرفقا بصورة من نفس المجلس الذي هم فيه، ومن ذلك الوقت بدأ المختار يفكر في تأليف الموسوعة.

بعد ذلك تحديدا وفي سنة 1943 كان المختار قد رجع إلى البلاد منتدبا وقتها ليكون أستاذا لعلوم العربية في مدينة أطار شمال موريتانيا، عقب ذلك عمل أستاذا للتاريخ في معهد أبي تلميت قبل، أن يعين سنة 1958 مستشارا ثقافيا لرئيس حكومة موريتانيا في عهد الحكم الذاتي وبعدها في نفس المنصب إبان عهد رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية عقب الاستقلال. وقد شارك المختار في صياغة أول دستور موريتاني.

وفي سنة 1967 عمل مستشارا وباحثا في التاريخ بوزارة الثقافة وكان وقتها قد وصل إلى التقاعد رسميا لكنه باشر المهمة واستمر في العمل.

موسوعة حياة موريتانيا:

راودت فكرة التعريف بموريتانيا الأستاذ المختار في دكار عندما كان تاجرا هناك حيث كان السجال الأدبي بينه وبين المثقفين من أبناء الجالية اللبنانية والسورية يشكل فضاءا أدبيا وثقافيا فاقترح عليه هؤلاء – الذين أعجبوا بمعارف شنقيطية كانوا يجهلون عنها الكثير – أن يعرف العالم العربي والإسلامي بهذا البلد إشعاعا وحضارة، ومن هناك نشأت فكرة تلك الموسوعة.

قضى المختار ولد حامدن خمسين سنة في إعداد هذه الموسوعة وقد وصلت إلى 41 جزءا كلفته الكثير من الرحلات والأسفار داخل الوطن. وفضلا عن السينغال وما يوجد فيه من أرشيف فقد استقل الطائرة مرتين إلى فرنسا وكان ملما بالفرنسية إلماما جيدا فاطلع على ما هنالك من وثائق وإرشيفات، وسافر إلى المغرب وسهلت له الجهات الرسمية في المغرب وصوله إلى الكثير من المخطوطات والأرشيف، وطبع له الملك الحسن الثاني بعض مؤلفات والده حامدن.

آثاره العلمية:

– حياة موريتانيا (موسوعة).
– عدة بحوث تاريخية لصالح المعهد الفرنسي لإفريقيا الغربية.
– أشعار غزيرة ومتنوعة الأغراض
– معجم للهجة الصنهاجية (صنهاجي، عربي، فرنسي) بحوزة المعهد الموريتاني للبحث العلمي.
– معجم للمؤلفين الشناقطة
– كتاب في البلاغة
– أنظام فقهية

التقاعد نهائيا

لما زاد على الثمانين قرر التقاعد النهائي وترك نسخة من موسوعته وأعماله التاريخية وديعة لدى المعهد الموريتاني للبحث العلمي ونسخة لدى أسرته وترك سكرتيره الخاص المرحوم المصطفى ولد الندى يتولى الإشراف عليها تحت رعاية لجنة من المسئولين والمثقفين والباحثين الوطنيين، وبمعرفة وحضور ممثل عن أسرة المؤلف.

واختار المختار أن تكون المدينة دار مهاجره الذي يقضي فيه باقي عمره، فانتقل إليها سنة 1982 حيث حظي بإقامة ممنوحة من طرف ملك المملكة العربية السعودية خالد بن عبد العزيز وبقي هناك حتى توفي في يوم 21 يونيو 1993 قاتح محرم 1414 عن نحو قرن هجري (1315ه – 1414 ه) ودفن بالبقيع الطاهر، وخلد المختار هذا القرن بقوله قبيل وفاته بقليل:

عمرت ما يدكر المدكر فيه فكيف كان هذا العمر؟
ها هو قد جاوز ملياراته ثلاثة إن تحص ثانياته
خمسون مليونا من الدقائق عصيت فيها خالقي ورازقي
تلطخت فيها ثمانمائة ألف من الساعات بالخطيئة
في نحو أربعين ألف يوم ما برئت من ريبة ولوم
ألف وخمس الألف من شهور ما سلمت من عمل محظور
فكنت في قرن من الزمان طوع الهوى والنفس والشيطان
**************
ما كأبي كنت ولا كأمي ولا أخي ومن نمى وعمي
ولا ذويهم عسى يهديني للبر ربي وصلاح الدين
كما هدى في الزمن الذي خلا ذاك الذي مائة نفس قتلا
فإنني كما مشى مشيت عن القرى التي بها عصيت
مجاورا بطيبة المنورة أطيب خلق ربه وأطهره
وليس مقنطي إسرافي على نفسي من رحمة مولاي علا

– الأستاذ الباحث سيد أعمر ولد شيخنا
– صورة نادرة من ألبوم السيد المختار ولد أبراهيم السيد

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى