من أجل “ماء” وجوهنا

من أجل “ماء” وجوهنا:

“وخلقنا من الماء كل شيء حي” الذكر الحكيم

في بلاد الظمأى هذه لا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن وقفة لسكان إحدى القرى مطالبة بتوفير الماء لهم من أقصى الشرق الموريتاني حتى أقصى الشمال..
من النطاقات الصحراوية وحتى النطاقات النهرية!!
عار على بلد يرتجي أبناؤه التقدم والتنمية والرفاه أن تستمر معاناة العطش.
عار علينا القبول بهذا الوضع، فبلدان أخرى أقل مصادر مائية بكثير حققت الإشباع في مجال المياه، وأمنت لشعوبها الأمان في مجال استغلال المياه، فكيف بنا ـ ونحن نمتلك مصادر مائية لا يستهان بها ـ نبقى ضحية عجز حكومات وأنظمة متعاقبة ؟
ومن المؤسف حقا أن يتم تصنيف هذا البلد في مقدمة البلدان الأقل أمانا من حيث إمدادات الماء، علما أنه البلد الذي يمتلك مجرى مائيا دائما طوال السنة (نهر السنغال) و4 خزانات جوفية هائلة (الترارزة، تيرس، كوركل، الحوضين) ومصدرا احتياطيا (667 كلم من الشواطئ على المحيط الأطلسي).
في فبراير 2011 صنفت مجموعة مابلكروفت البريطانية موريتانيا على أنها البلد الأقل أمانا من حيث إمدادات الماء في العالم من بين 160 دولة شملها المسح الذي قامت به، في وقت تزداد فيه الحاجة للمياه مع النمو السكاني المضطرد (3% سنويا تقريبا).
أول ما يتبادر للذهن هو السؤال: كيف؟
كيف لبلد يصل فيه طول النهر إلى 500 كلم داخل أراضيه، ويتمتع بمياه جوفية من طراز عال (خزان الترارزة الذي يشمل بحيرات: إديني، بنشاب، بولنوار..) ومحيط على طول 667 كلم أن يكون البلد الأقل أمانا في مجال المياه؟
ستكون هناك محاولات للتفسير لكنها لا يمكن أن تعطي للطبيعة دورا كبيرا، صحيح أن ثلاثة أرباع مساحة البلد صحاري قاسية، إلا أن الكثافة السكانية وتموقع السكان في النطاقات غير الصحراوية، كما أن تعداد السكان قليل إذ لا يصل 4 ملايين نسمة.
تدور التفاسير لهذه الوضعية في الغالب حول ضعف التمويلات للمشاريع المائية، وقلة الخبرات والكفاءات، وعدم وجود اللآليات والتجهيزات اللازمة لاستغلال الموارد المائية، أي أنها تفسيرات مالية وفنية.
لكن تلك التفسيرات تغفل جانبا مهما، وهو الجانب المتعلق بإرادة الحكومات والأنظمة المتعاقبة في إيجاد سبل الأمان في الموارد المائية، فالمصادر المائية متوفرة، والتمويلات يمكن أن تتوفر، وكذلك الخبرات والتجهيزات، وما لا يمكن شراؤه أو التخطيط له هو الإرادة الحقيقية في حل جذري لمشكلة المياه.
مئات القرى والمدن ترزح تحت قسوة العطش في هذه البلاد في القرن الواحد والعشرين، ليس بسبب شح المصادر المائية ولا أي ظرف طبيعي آخر، السبب يكمن في تجاهل النظام الحاكم لمثل هذه القضايا الجوهرية في حياة المواطنين.
تجاهل مثير للشفقة، فأكجوجت مثلا الذي كان يشرب من بحيرة بنشاب يحرم اليوم من المياه العذبة لبنشاب بسبب أن شركة النحاس MCM قررت عدم ضخه للمدينة لأنها قادرة فقط على توفير حاجيات استغلال المياه للتصفية فحسب!!
عمدة يزور أحد آدوابه فيعتذرون له عن ” ازْرِيكْـ” نظرا لعدم توفر مياه صالحة للشرب، فلا يستاء ولا يعلق لأن سيارته تحتوى قنينات ماء معدني، وينطلق بعد هنيهة ملؤه عقلية الحمار “نِشْرِبْ آنا ويَعْمَلْ الْحَاسي يِدَكْدَكْ”!!
يتعرض طلابنا في الخارج لمواقف مخزية عندما يفتحون عن نشرة الأخبار فإذا بوزراء ومدراء وأعيان، وجمع غفير من الناس ترقص وتهلل، والحدث هو: افتتاح حنفية مياه في قرية!!
ليس عيبا أن نكون فقراء، وأن نكون عطشى، ولكن العيب كل العيب أن لا نصون “ماء” وجوهنا.
الداخل في أزمة عطش.
المجد للشعب.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى