حزب “عادل” على مفترق طرق!

بدأ يوم الجمعة الماضي في فندق أميرة بالعاصمة نواكشوط المؤتمر الاستثنائي لحزب العهد الوطني للديمقراطية والتنمية (عادل) وسط مؤشرات عن استياء قيادة الحزب من طريقة a-71.jpgتعاطي قادة أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية مع الرسالة التي حملها رئيس الحزب يحيى ولد أحمد الوقف إلى المعارضة من رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، والتي عبر فيها هذا الأخير عن استعداده للحوار مع المعارضة دون قيد أو شرط.

وقد كان لهذا الاستقبال الفاتر لرسالة ولد عبد العزيز صداه الداخلي في أوساط المعارضة، وطفت على السطح بعض فقاعات التوتر الناجم عن ذلك، حينما نقل بعضهم عن أحمد ولد داداه قوله إن “المعارضة التقليدية” كانت أولى بأن يبلغها النظام بصورة مباشرة برغبته في الحوار معها، دون تمرير ذلك عن طريق حزب “عادل”، الأمر الذي ردت عليه قيادات في الحزب ـ والعهدة على المصدر دائما ـ بالقول إنهم أكثر تقليدية وأقدمية في معارضتهم لنظام ولد عبد العزيز من حزب تكتل القوى الديمقراطية بقيادة أحمد ولد داداه، في إشارة إلى دعم حزب التكتل لانقلاب السادس من أغسطس 2008، إلا أن مقربين من ولد داداه نفوا أن يكون أدلى بتصريح كهذا أصلا، مؤكدين أن الأمر يتعلق بتسريبات كاذبة تهدف إلى زرع بذور الشقاق بين قوى المعارضة.

وسواء كانت تلك التصريحات صادقة أو ملفقة، فإنها تعكس بجلاء مستوى اختلاف وجهات النظر بين قيادة حزب “عادل” وبقية قادة منسقية المعارضة.

a-68.jpgويتجلى ذلك أكثر في التصريحات المتناقضة في جوهرها وإن اقتربت في شكلها من الاتفاق، بما في ذلك تصريحات الرئيس السابق لمنسقية المعارضة أحمد ولد داداه الذي قال إن المعارضة ما زالت تنتظر إعلان النظام رسميا لرغبته في الحوار، وكذلك تصريحات رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير الذي أعلن رفض المعارضة للدخول في أي حوار قد يؤدي إلا إكمال ولد عبد العزيز لمأموريته الرئاسية، وتصريحات أخرى لقيادات في المعارضة تشترط الانطلاق من اتفاق دكار كقاعدة لأي حوار مرتقب بين المعارضة والسلطة، في حين يقول ولد أحمد الوقف في خطاب افتتاح المؤتمر الاستثنائي لحزب “عادل” إنهم يحيون “المبادرة الأخيرة الهادفة إلى ترقية الحوار فيما بين السلطة والمعارضة، ونثمّن بشكل خاص مضمون الرسالة الموجهة إلى منسقية المعارضة بواسطة حزب “عادل” بوصفه عضوا فاعلا في هذه المنسقية”، ولا يكتفي ولد أحمد الوقف هنا بالوقوف عند قاعدة “ما على الرسول إلا البلاغ”، بل يمضي إلى اعتبار حزبه رسولا ومرسلا إليه في آن واحد، انطلاقا من أنه جزء من منسقية المعارضة المعنية بالدعوة، وليس مجرد رسول نقل رسالة واستمع للرد عليها، ويؤكد ولد أحمد الوقف أكثر من ذلك أن حزبه ملتزم بالعمل الجاد والمخلص من أجل إعطاء هذا الحوار كل فرص النجاح، فأي مقارنة تلك التي تجد تطابقا بين هذا التثمين والتعهد بالحرص على نجاح المبادرة، وبين حديث ولد داداه في مهرجان المعارضة الأخير الذي قال فيه إن ولد عبد العزيز لا يريد الحوار مع أحد، لأنه وصل إلى السلطة بالقوة ويسعى للحفاظ عليها بالقوة، وأن عليه أن يعلن رسميا عن رغبته في الحوار مع المعارضة إذا كان جادا في ذلك، وهو ما يعني ببساطة أن المعارضة لا تكتفي بإرسال تلك الدعوة مع حزب “عادل”.

إن أي حديث عن اتفاق في وجهات النظر بين هذه التصريحات يمكن اعتباره مجرد تلمس لنقاط اتفاق باهتة، بحثا عن تشبث بما يجمع، في انتظار أن تنضج الأمور لما يفرق، ويعلن عن وضع حد لعلاقة لم تعمر طويلا بمقاييس الزمن السياسي النضالي بين الطرفين، فهل ـ فعلا ـ اقتربت ساعة الفراق، وهل جاءت دعوة الحوار كأذان بالطلاق، أم أن الحقيقة فيما يقوله قياديون في الطرفين، من أن ما يجمعهما اليوم ما يزال أكثر مما يفرقهما، وأن قصة الفراق هي مجرد أحلام يتمناها النظام ويتطلع إليها.

وداخليا على مستوى حزب “عادل” يرى بعض المراقبين أن البرودة التي استقبل بها قادة أحزاب المعارضة رسالة ولد عبد العزيز التي نقلها إليهم ولد أحمد الوقف، كان لها ظلها داخل أوساط حزب “عادل” نفسه، حيث ما تزال قيادات وأجنحة في هذا الحزب تنظر بعين الخصومة السياسية إلى ولد عبد العزيز، ولا ترى فيما يقدمه مبررا لتجاوز خلافها معه، وفي هذا السياق تمكن قراءة الانهيار السريع للتحالف الذي قام بين حزب “عادل” من جهة، وحزبي “البديل” و”تجمع الشعب الموريتاني” من جهة أخرى، وانسحاب نائب رئيس الحزب بيجل ولد حميد، كأحد تجليات هذا الخلاف المطمور منذ فترة، إذ من غير المستبعد تحليليا أن يكون رحيل بيجل ولد حميد وحلفاءه الجدد عن الحزب جاء استباقا لخطوة قد تنقل الحزب من مشرق المعارضة والتوثب لها والنضال في صفوفها، إلى مغربها ونهاية رحلة معها قادت إليها ظروف لم يكن a-69.jpgأبسطها فقدان الحزب لمركزه كحزب حاكم، ليصبح بفعل قوة الانقلاب العسكري حزبا معارضا يتساقط برلمانيوه وقادته رطبا جنيا بين يدي قادة الانقلاب ومؤيديهم، فتحول من حزب اكتسح البرلمان ذات يو،م إلى حزب يعد فريقه البرلماني حاليا على أصابع اليد الواحدة.

وفي هذا السياق تتحدث تسريبات إعلامية عن لقاءات غير معلنة تمت بين بعض قادة الحزب ومحمد ولد عبد العزيز، مضى على بعضها أشهر عديدة، ويرى مراقبون للساحة السياسية أن الرسالة التي نقلها ولد أحمد الوقف إلى المعارضة ربما جاءت كحلقة من حلقات مسلسل أنتجته تلك اللقاءات، وبدأ برسالة حوار كانت هي نفسها أحوج إلى أن يتحاور حولها المعارضون قبل أن يتفقوا على الاستجابة لها، وهنا تحدثت التسريبات الآنفة الذكر عن لقاءات غير معلنة جمعت ولد أحمد الوقف، والنائب في الجمعية الوطنية العزة بنت همام، والوزيرين السابقين يحيى ولد سيد المصطف وفاطمة بنت خطري.. وآخرين، برئيس الجمهورية، وهي لقاءات لم تكن حسب ما تسرب من معلومات لقاءات مشاحنة وخصام، بقدر ما كانت لقاءات لبحث نقاط التلاقي وتجاوز الماضي.

هذه اللقاءات ـ إن صح خبرها ـ قد تكون في الحزب أطراف لم تشارك فيها، وربما لا ترضى عنها، وإن كانت حتى الآن لم تعلن ذلك صراحة، بيد أن التحضير للمؤتمر الاستثنائي وما واكبه من إرهاصات وتأجيل للموعد، لم تخل كلها من إشارات لذلك، وهنا يجري الحديث عن جانحين a-70.jpgفي الحزب أحدهما بقيادة رئيس الحزب يحيى ولد أحمد الوقف، وبمعية الشخصيات التي قيل إنها التقت ولد عبد العزيز، ويمكن القول إن هذا الجناح يميل إلى “الحمائمية” أكثر في إطار نشاطه المعارض، ويتأرجح هذا الميل بين “المنطقة الوسطى” التي يرابط فيها حاليا حزب “تواصل” وهي المعارضة الناصحة، وغير الناطحة التي تقر بشرعية انتخاب ولد عبد العزيز كرئيس للجمهورية في الثامن عشر من يوليو الماضي، لكنها تتمسك بموقفها كمعارضة دستورية لنظامه، وهنا لا يمكن أن نغفل عن الوضوح البين لفقرة وردت على لسان يحيى ولد أحمد الوقف في خطابه يوم الجمعة الماضي، حين قال بالحرف الواحد ” وقد قررنا بعد النتائج المفاجئة لانتخابات18 يوليو 2009 تغليب متطلبات المصلحة الوطنية العليا والاعتراف بالمؤسسات التي أسفرت عنها الانتخابات ثم مواصلة النضال الديمقراطي السلمي ضمن إطار الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية”، فهل يتناسب الاعتراف بالمؤسسات التي أسفرت عنها تلك الانتخابات وفي مقدمتها مؤسسة رئاسة الجمهورية، والحكومة، مع خطاب قادة منسقية المعارضة الآخرين القائلين بتزوير الانتخابات وعدم شرعيتها، والرافضين الاعتراف بولد عبد العزيز كرئيس للجمهورية، إنه موقف أقرب إلى موقف حزب “تواصل” الذي أعلن عنه عقب تلك الانتخابات مباشرة، وبالتالي فهو خطوة نحو “المنطقة الوسطى”، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه خطوة لها ما بعدها، أم أنها ستشكل الخيار الحالي للحزب إلى أن يجد جديد، دون أن يغيب عن الأذهان حضور قيادات في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، جاءت خصيصا لتمثيل الحزب “الحاكم حاليا” الناشئ على أنقاض الطبعة الأولى من حزب “عادل”، في حفل افتتاح المؤتمر الاستثنائي للحزب “الحاكم سابقا”.

ومقابل هذا التوجه يجري الحديث عن تيار آخر داخل الحزب يمكن أن يوصف بالصقور يفضل البقاء في صفوف منسقية المعارضة والتمسك بخطابها الحالي، ومن بين قادة هذا الجناح ـ حسب التسريبات الأولية ـ نائب رئيس الحزب أحمد ولد سيدي باب، ووزير الداخلية السابق الداه ولد عبد الجليل وآخرين، ما زالوا يرون أن موقف المعارضة الناطحة أسلم وأقوم، وأنه “لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار”، وأن أي تراجع عن خطاب منسقية المعارضة الحالي هو ارتماء غير مبرر في أحضان نظام ولد عبد العزيز، وهنا نسجل حادثة وقعت قبل افتتاح المؤتمر الاستثنائي لها دلالتها وذلك حينما كلف مسؤول الإعلام في الحزب إدومو ولد محمد الأمين المحسوب على “جناح الصقور”، بكتابة الخطاب الذي سيلقيه رئيس الحزب يحيى ولد أحمد الوقف في افتتاح المؤتمر، لكن هذا الأخير ما إن تسلم نص الخطاب من مسؤوله الإعلامي قبل افتتاح المؤتمر بدقائق، حتى طفق بقلمه شاطبا على فقرات كثيرة ومضيفا لفقرات أخرى، ويعتقد أنه في مقدمة ما أضافه ولد أحمد الوقف الفقرة المتعلقة بتثمين الحزب لدعوة ولد عبد العزيز قادة المعارضة للحوار، وهو تثمين كان من الوضوح والجلاء بحيث لا تخفى منه ملامح موقف أقل ما يقال عنه إنه أقل راديكالية وحدة من خطاب بقية قادة المعارضة.

فهل ينجح ولد أحمد الوقف وتيار “الحمائم” في أخذ زمام “عادل” إلى المنطقة الوسطى، تمهيدا للشروع في رحلة الشتاء، بعد أن أزفت رحلة الصيف في العلاقة المتوترة مع النظام على نهايتها، أم أن الحزب سيقفز مباشرة لتدخل العلاقة مع النظام في ربيع جديد من التفاهم والتناغم، أم أن ما يحصل مجرد سحابة صيف عابرة، والكلمة الأخيرة ستكون لصالح “الصقور”، ولا جديد في موقف الحزب حتى الآن تحت شمس هذا البلد الذي لا تقل سخونة جدله السياسي اليوم عن سخونة قائظة حرارة أيامه الملتهبة.

م.م. أبو المعالي
وكالة نواكشوط للأنباء

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى