قرعت العصا لذي الحلم

قرع “البوعزيزي” – بحرقه لنفسه جهارا نهارا في تونس الخضراء احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بها – العصا في وجه كل ذي حلم من الأنظمة العربية بشكل عام والمغاربية بشكل خاص، مرسلا بذلك رسالة واضحة، لا لبس فيها، إلى كل الحكام العرب، مكتوب فيها بخط جميل وأحرف من “لهب”، “لا استبداد ولا استعباد بعد اليوم، ولكنه عبق الحرية والعيش الكريم”.

  • ثورة الجياع

عصا “البوعزيز” انضافت إليها في الآونة الأخيرة عصي أخريات من دول عربية عدة، تلوح في مجملها بـ”الثورة” ضد الطغاة المستبدين، فاتحة بذلك الطريق أمام 86 مليون مواطن مغاربي يعانون من ويلات تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتأزم تلك السياسية، بل ويسامون – من طرف حكامهم – سوء العذاب وأقسى أصناف الاستعباد و تتسم العلاقة بينهم وبين حكامهم بالاحتقار والتجاهل والتهميش.. لمواصلة الثورة حتى يسقط آخر دكتاتور مغاربي وعربي في المنطقة.. فما يحصل الآن من حرق للأجساد وتصد لبطش الطغاة المستبدين ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن “قيامة” ثورة “الجياع” قائمة لا ريب فيها، وأن الشعوب المغلوبة “ستعبث” بمن في القصور.

كما تعتبر هذه الأساليب الجديدة في الاحتجاج والثورة ضد تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حتى… قرعا “للعصا” في وجه الطغاة المستبدين، وعلى هؤلاء الطغاة أن يعوا الرسالة جيدا، وأن يعملوا بمقتضاها قبل أن تحيق بهم الكارثة(كارثة غضب الشعوب)، فالناظر اليوم للوضع العام الذي تعيش هذه الشعوب على وقعه سيجد نفسه يردد – وإن بدون وعي منه – قول الشاعر:

أرى خلل الرماد وميض نار *** ويوشك أن يكون لها ضرام

  • مطالب كبيرة

مطالب الشعوب هذه المرة “كبيرة” للغاية، فقد تجاوزت حد المطالبة تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بل و إعادة النظر في علاقة الحكام بالمحكومين في هذه الرقعة الضيقة بأهلها، لتصل حد المطالبة بإسقاط الأنظمة الدكتاتورية واستئصال شأفة إيديولوجيا الاستبداد، والتي أحسن الحكام بالأمس امتطائها لقهر شعوبهم وتحسن الأخيرة اليوم مجابهتها وطرد سدنتها، بعد أن أسقطت أحد نجومها الكبار من عرش تونس.

فمن تونس أثبتت الشعوب اليوم أن مطالبها – وإن كبرت – يمكن أن تتحقق وأن قدرتها – مهما خارت – تبقى قادرة على دحر الطغاة – مهما عمروا طويلا – وعلى أن توجعهم ضربا و تطردهم صاغرين.

فالشجاعة التي ظهر بها الشعب التونسي وهو يواجه الموت في سبيل الحياة تؤكد صدق المقولة القائلة إن “الشعوب تنام ولكن لا تموت” مضيفة إليها أن فلول الأنظمة المستبدة، ومن حالفها من القوى الغربية لن تظل عائقا أمام الشعوب من أن تنعم بالحرية والكرامة.

  • تغيير حقيقي

اليوم وبعد نحو شهر من الثورة الشعبية في تونس الخضراء، والتي كانت كافية لإسقاط أحد أكبر أقطاب الاستبداد السياسي المتحكم في رقاب الشعوب العربية، آن للشعب التونسي الأبي وصانع الثورة في المنكب المغاربي -على الأقل- أن يتنفس الصعداء وأن يعيش و غيره من الشعوب المغاربية والعربية أجواء الحرية والكرامة بعيدا عن أنظمة الذل والاستبداد وزمرتها الفاسدة، ولن يكون ذلك إلا إذا أحسنت الشعوب الثائرة التعامل مع مرحلة ما بعد الثروة، حيث “لحظة التمسك بالأهداف النبيلة التي ثارت الشعوب من أجلها” كما قال الشنقيطي.
فعلى هذه الشعوب بعد أن واجهت الموت المحقق في سبيل الحياة، أن تحسن كذلك مواجهة لصوص الثورة، وأن تدرك خطرهم، وأن لا تسمح لهم بتحقيق مطامعهم الخبيثة، ويكون ذلك برسمها لأهداف نبيلة جامعة، وأن تكون هذه الأهداف واضحة وواقعية وأن يتوحد الكل – من سياسيين ونقابين وإعلاميين وهيئات مجتمع مدني وأطر ومثقفين – خلف هذه الأهداف حتى تتحقق على أرض الواقع.

فيجب على الشعوب التي توحدت من أجل الثورة أن تواصل وحدتها – بعد الثورة – حتى تحدث تغييرا حقيقيا، تغيير في البطانة السيئة، و في القوانين، وتغيير في العقليات والأساليب، كل ذلك من أجل بناء دولة الديمقراطية، دولة المؤسسات والحريات العامة، دولة العدالة والمساواة، دولة التنمية والازدهار، دولة تنعدم فيها كل أساليب وممارسات الفساد والمحسوبية وينعم أهلها بالعيش الكريم.

أخيرا أقول رحمك الله يا “بوعزيزي”، فقد وضعت القاطرة على السكة، وأقدت الشمعة في الظلام العربي الدامس، والشعوب – بإذن الله – ستواصل الطريق من أجل أن تضيء الشمعة كل أرجاء الوطن العربي مبددة ظلام الظلم والقهر والطغيان والاستبداد الذي خيم طويلا على أرض المعمورة وأن له أن يزول.

بقلم: الشيخ داداه ولد آباه
Cheikhdadah85@gmail.com

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى