بين موريتانيا وإيران

موريتانيا ليست إيران، وانتخابات الرئاسة فيها كانت مطلوبة لتجاوز الأزمة، فيما فجرت رئاسيات إيران الأزمة التي ما زالت تداعياتها تتناسل. والراجح أنه بسبب تباين المواقع والأدوار والاستحقاقات الاقليمية والدولية يختلف مسار التجربتين، أقله أن المعارضة في موريتانيا لا تتوق الى أكثر من تطبيع يفرض الإذعان لصيغة ديموقراطية على مقاس بلد المليون شاعر، بينما معارضو الرئيس أحمد نجاد في إيران يسعون لخلخلة نظام المليون فقيه.
التشابه في الاسم بين الجمهوريتين الاسلاميتين في موريتانيا وإيران لا يلغي أنهما واقعتان تحت السيطرة. الملالي في قم وطهران والعسكر في نواكشوط ونواذيبو. غير أن الوصفة الديموقراطية التي تبلورت لإنهاء الأزمة السياسية في موريتانيا في ضوء اتفاق داكار والرعاية الدولية المهتمة بعدم تكرار اغتصاب السلطة من الانقلابيين، توقفت في الحال الايرانية أمام مفترق الطريق، فقد ساعد الانشغال الاقليمي والدولي بالأوضاع في موريتانيا في دفع الشركاء المتنافسين الى خيار يحد من الأضرار. فيما أن الاهتمام الدولي بما يحدث في إيران كرّس الأخطار.

أبعد من مقارنة لا تكاد تستقيم إلا في المظاهر التي تعكس التململ إزاء نتائج لم توافق حسابات كل الفرقاء. إن الحل الديموقراطي لأزمات بعض الأنظمة يبقى مستساغاً الى حد ما، حتى وإن كانت التجربة عرجاء وغير مكتملة. فلو أن مناهضي نظام الجنرال محمد ولد عبدالعزيز لم ينزلوا الى الشارع ولم يتآلفوا في جبهة سياسية معارضة لما كان النزوع الى تنظيم انتخابات رئاسية بالمواصفات التي جرت، ولو أن منافسي الرئيس أحمدي نجاد لم يستنجدوا بمناصريهم للطعن في نتائج الانتخابات لما ارتدت التطورات الداخلية في إيران الأبعاد التي انطبعت بها. فثمة إصرار على أن ما كان يتم الاذعان له في السابق بمبررات وحدة الصف ومواجهة الضغوط الخارجية لم يعد مقبولاً، وهذا في حد ذاته تطور لافت يعكس تنامي الوعي ودرجات الرهان على التغيير.

تختلف أنواع الضغوط التي تعرضت لها موريتانيا وإيران بقدر الفارق بين تجربتي البلدين وحجمهما ومواقعهما وأدوارهما، فالعقوبات الدولية التي فرضت على موريتانيا بعد انقلاب آب (اغسطس) 2008 كانت محدودة في زمانها وآلياتها وإكراهاتها ونجمت عن الخروج عن الشرعية الديموقراطية تلافياً لأن يحذو الانقلابيون والمتمردون في بلدان أخرى المسعى نفسه. والحال ان العقوبات ضد إيران ذات خلفيات تطاول نزعة النظام لامتلاك ترسانة نووية وبروز المزيد من الأطماع في محيطه الاقليمي. ما يعني أن استخدام سيف العقوبات كان بقدر الجنوح الى ممارسات خارج التوافقات الدولية التي لا تبدو مرجعيتها ومبرراتها واحدة في التعاطي وكل الأنظمة والأزمات. غير أنها أثمرت تحولات لا يمكن إسقاطها في معادلات الصراعات الداخلية والاقليمية.

المفارقة في إدارة بعض تفاصيل ردود الأفعال أن الجنرال ولد عبدالعزيز أدرك أن في إمكانه الإفادة من ثغرات النظام السابق، أقربها أنه سارع الى تعليق السفارة الاسرائيلية في نواكشوط بتزامن مع تصعيد الغضب العربي إزاء هفوات التطبيع، فيما أن الرئيس أحمدي نجاد لم يفلح في احتواء غضب المرجعية الدينية حيال التصريحات الصادرة عن نائبه الأول رحيم مشائي حول الشعب اليهودي.

ودلالات ذلك لا تكمن في خطأ التوقيت فحسب، وانما في هرمية القرار والخيار. فالأمر لا يعدو بمثابة فتح ثغرة لتسريب غضب ليست كينونته واحدة.

أليست تجربتا موريتانيا وإيران ترمزان الى شيء واحد على رغم كل الاختلافات؟

* نقلا عن “الحياة” اللندنية

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى