من الشام إلى واشنطن

الحديث عن الاعلام كالحديث عن الخليقة … هو أمرٌ يسيسر لمن استيسرهُ وهو أمرٌ عسر لمن استعسرهُ… لكن المهم في الأمر أن الحديث عن الاعلام ليسَ مستحيلاً ولكن هو ممكن حين ترتبط النتيجة بالسبب والهدف من الخطة .

يقولونَ إنه عصر الاعلام ونقول لهم إنه عصر العلم… ونفرٌ ثالث يقول : إنه عصر الهندسة الوراثية… ولا أحد يستطيع التحكيم بين فريقٍ وفريق لأن الاعلام هو كل شيء… هو المعلومة وهو العلمية وهو المنطق وهو الايصال… اذاً الاعلام لا يستثني شيئاً واذا كان المبدعُ العربيُ مخلوقاً مبتكراً فإن عليه وهو يبتكر نصوصه أن يبتكرَ وسائط إيصال النصوص إلى قلوب الناس وعقولهم بحيث يظنُ الظان أن هذا النص المبتكر مهمٌ ومبهجٌ وجميل…الابتدائية التي درستُ فيها طفلاً وصبياً اسمها الملك الناصر تقعُ على سفح جبلِ قاسيون المطل على دمشق الشام في منطقة تسمى الصالحية… كنت أنظر في وجه معلمي منبهراً فهو عندي النافذة التي أطل منها على العالم وكان نزار الأسود وهو أول معلمٍ في حياتي أعجب به… ولأكتشف في الأخير أن اعجابي به كان غفلةً كان هذا الرجل الذاكرة ينوء بأعباء لم نكن نلتفت إليها وقتها مثل أعباء العائلة والوطن وإكمال الدراسة وتربية جيل من الأطفال كل ذلك أدركته بعد أن أعطوني الشهادة الابتدائية والغريب أنني مازلتُ وسأظل أحن إلى وجه نزار الأسود وهموم نزار الأسود يوم كانت الدنيا بسيطةٌ مثلَ ينبوعٍ دمشقيٍ صاف والغريب أنني كلما دخلتُ مرحلةً دراسية أو معرفية وتخرجت منها أتذكر معلمي وبالرغبة الكبيرة للبكاء فهو معلمٌ بملامحِ أب ووطنٌ بملامحِ مواطن.

ولا أدري حقيقةً كم مضى من الوقت بين أول درسٍ ابتدائي تلقيته من معلمي نزار الاسود وأخر درسٍ أكاديمي تلقيتهُ من أستاذي الدكتور منتصر القدسي ولكن الذي أعرفهُ كما أعرف نفسي أن المبدع أو المثقف لا يمكن له أن يتواصل مع الجمهور بمعزل عن الاعلام وإذا كنت أنا كاتب هذه الحروف قد دخلتُ التجربة فإن دخولي ليس معناه أنني فطمتُ من المرحلة الممتدة بين المعلم نزار الأسود وبين الأكاديمي منتصر القدسي فكلما تعمقتُ في التجربة كلما شعرتُ انني بحاجة إلى زمن وعمر اضافيين كي أصل إلى المستوى اللائق من التجربة وكم رددتُ في داخلي مقولة شيخ النحويين الكسائي الكوفي التي كان يرددها (يموت الكسائي وفي نفسهِ شيئٌ من حتى) فإذا كان الكسائي العظيم يموت وهو غير واثق أنه اتقن النحو بل أتقن (حتى) فكيف لأحدٍ منا أن يدعي العلمَ بما لا تستطعه الأوائل فكلما تعمقَ الفنان في التجربة تعمقَ احساسه الفادح بالحاجة إلى المزيد وهناك أمور لم يتحدث عنها الاعلام بشكلٍ منفرد ولكنها جائت بسياقٍ مختلط مثلاً :

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

أنا الفقير الى الله كونت لي جمهوراً على بساطته في سورية يؤشر همومي الحياتية والثقافية معاً وكان يمكن أن أستمرَ ويستمرُ معي جمهوري ولكنَ قدراً كبيراً حلَ على دمشق أو بمعنى أخر حل على زكي إبراهيم الحمصي فوجد نفسهُ بعد هذه التجربة خارجَ حدودِ الوطن محاصراً بمئات المواطنين عزاب و متزوجين وإذا كنت في بلدي الشام أبحثُ عن النص الجميل والوجهُ الجميل والجمهور الجميل في حالةٍ من الطمأنية فإنني وأنا خارج حدود الوطن صرتُ أبحث عن اللقمة النظيفة والكلمةِ الصادقة والموطن الآمن ولا أدري كم ضيعتُ من عمري وتجربتي بينَ الدقائق التي أحاطت صرختي الأولى وأنا أواجه الحياة وصرختي الثانية وأنا أغادر بلدي ثم جاءَ زمنٌ أخر زمنٌ وجدتني فيه عربياً يتستكع في الولايات المتحدة الأمريكية وفماً انتقلَ همهُ من البحث عن النص إلى البحث عن لقمةِ العيش ومن البحثِ عن الجمهور المتعاطف المتضامن إلى الجمهور الذي يبحثُ مثلي عن لقمةِ العيش وفرصةِ الاقامة وما إلى ذلك.

والسؤال هل خرجتُ أنا كاتب هذه الحروف عن النص وعن العنوان ام مازلتُ واضحاً بينهما ؟

قلتُ في أولِ هذه المقالة أن الاعلام هو كل شيئ ولذلك فأنا مازلتُ داخلَ النص كيفَ لفنانٍ قادمٍ من الشام أنتقلَ همهُ من النص المسرحي أو الفني إلى السكن الواقعي ؟

كيفَ لمثلي أن تستقرَ روحهُ وهو يحلُ في أمريكا حيث المدن الاعلامية الكبيرة مثل مدينة هوليود عملاقة المسرح والسينما والتلفزيون ومثل ناشفيل اللوحة التشكيلية والنوادي الليلة والموسيقى الصداحة ومثل سيدر بوينت مدنٌ مخصصة للمرح البريئ العائلي والطفولي ومثل لاس فيجاس المسرح الليلي والخامة البشرية وعروض الأزياء والأجساد والأموال والقمار …..الخ

فمثلي لا يستطيع ان يعدد المدن المخصصة بإستجذاب الجمهور فكيف لي أن أحدد أعتقد أنني أحتاج إلى سنواتٍ أضافية كي أزور معالم وتركات اناس قدموا للحياة الكثير والكثير مثل مدينة هنري فورد و عزبة ارنيست همني غواي ومدينة والت دزني اذاً أحتاجُ من الاعلام شيئاً من صبره ويحتاج مني الاعلام شيئاً من عمري وفي كلا الحالتين لا استطيع التواصل مع جمهوري الجديد بغيرهما.

انتهت الحلقة الأولى وقريباً تجيءُ الحقلةُ الثانية.

زكي إبراهيم الحمصي

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى