الخارطة السياسية 1 نواذيبو

في موريتانيا، في أقصى الشمال الغربي للبلاد، تقع العاصمة الاقتصادية نواذيبو، كالسيف في البحر، شريط بين بحرين، أحدهما هادئ ممتد من كانسادو إلى كابانو، والآخر شديد الهيجان، بحر لكويرة.
وكالة صحفي للأنباء تجري تحقيقا ميدانيا للوقوف على أحوال الناس، والاقتصاد، الصيد، المعادن، المنطقة الحرة والإسكان.
نسأل عن أحوال الناس كيف يعيشون ومن أين جاءوا ؟ وكيف يمارسون السياسة ؟ نسأل عن معالم المدينة، ماضيها وحاضرها. أين هي المنطقة الحرة من العاصمة الاقتصادية ؟ وأين المدينة منهما ؟
نحاول رسم الخارطة السياسية للمدينة، كيف تتشكل المجموعات والتحالفات في الاستحقاقات الانتخابية والمواسم في هذه “القرية الكبيرة”.

  • 1 – قرية أم مدينة ؟

سمعت أحد الباحثين الأنتروبولوجيين يقول إثر زيارته لها 2006 :

– هذه ليست مدينة.
– كيف ؟ – فيها جميع سلبيات المدينة، ولا أي من إيجابياتها.
– ماذا تقصد بسلبيات المدينة وإيجابياتها ؟
– سلبيات المدينة هي الاكتظاظ، والتلوث، وانعدام الأمن، يتحملها السكان من أجل النفاذ إلى الصحة، والتعليم، والمعلومات، والكتب، والجرائد، وكذا النشاطات الثقافية والرياضية … وتلك أمور غائبة في نواذيبو. إنها ليست مدينة، إنها مجرد “قرية كبيرة” Gros village.

نهاية شهر مايو 2015، وبالتحديد مساء الأحد 24 على طريق كانسادو، تراءت لنا عربات القطار الطويل عائدا إلى ازويرات، قاطرتان تجران عددا هائلا من العربات الفارغة وأخرى مسطحة تحمل سيارات يبدو أنها قادمة من أوروبا، ترتج الأرض بقرع الحديد على الحديد، مشهد مهيب.
قال لي مرافقي “هذه السيارات تنقل إلى ازويرات، ومن ازويرات إلى الصحراء، يرافقها دائما عنصر من الجمارك إلى الحدود الشمالية، حتى لا تباع في موريتانيا”.
voitures.jpg
المناخ معتدل، مع زيادة طفيفة في هبوب الرياح الرطبة، وأحيانا تكون قوية، لكنها نادرا ما تكون مشبعة بالأتربة.

  • 2 – كانصادو

كانصادو هي مدينة اسنيم – الشركة الوطنية للصناعة والمناجم – الصغيرة، وتختلف الحياة فيها عن الحياة في باقي أحياء المدينة، سكانها عمال الشركة، منازلها متشابهة تماما مع اختلاف تابع للرتبة في الشركة.
منزل المدير العام، قصر ملكي مطل على المحيط، كانوا يريدون أن يصنعوا له جنة في الدنيا.
معاونوه الكبار لديهم منازل أنيقة، ثم الأطر، يقال لهم الكوادر مرتبون من سى 1 إلى سى 6 ثم المتريز كذلك، ثم العمال البسطاء.
تفرض هذه التراتبية المهنية الصارمة نمطا اجتماعيا متلازما معها، ينظر الموظفون الكبار إلى من هم دونهم في الرتبة بشيء من الازدراء، يرون أنهم أدنى قدرا منهم، ولا يخالطونهم إلا إذا كان في المكان الوحيد الذي يستوي فيه القوي والضعيف (المسجد).
في كانصادو جميع الأمور تدار من قبل الشركة؛ الأمن، الصحة، الماء، الكهرباء، الاتصالات، النظافة والصرف الصحي، خاضعة كلها لقرارات إدارية تأخذها الشركة بمفردها، وتتولى تنفيذها بنفسها.

مدينة اسنيم هذه مدينة هادئة، بل ميتة، تصميمها غربي، لا أظن الدولة الموريتانية الحديثة أضافت لها شيئا يذكر بعد شركة ميفرما الفرنسية التي غادرت بعد التأميم في مطلع السبعينيات. غادرت لكنها تركت أثرا بالغا في المعمار، في العقول، في اللغة.
أسماء الأحياء باللغة الفرنسية : سيتى افرانص، سيتى نوفيل، سيتى أفريك، سيتى كالرتو..
وداخل المنازل : كاراج، صالوه، كوزين، الدوش، لافابو، آرموار، تابي، ريشوه، كوراه، الربينة، فوحدها غرفة النوم فرضت النساء القادمات في الغالب من الداخل لها اسما حسانيا خالصا : “بيت اركاد”. ظاهرة الأسماء الفرنسية داخل المنازل ليست خاصة بكانصادو ولا نواذيبو، وإنما هي ظاهرة منتشرة في عموم البلاد.
أما اسم المدينة كانصادو فهو اسم اسباني. واضح أن المدينة كانت على نقطة التماس بين مستعمرتين.
إن كانت ظاهرة الأسماء الفرنسية ظاهرة عامة منتشرة في جميع أرجاء الوطن، لكنها في كانصادو أقوى، إضافة إلى التأثير الإسباني.
هناك منشأة علمية حديثة شيئا ما، بنيت في التسعينيات، كانت مقرا للمعهد العالي لعلوم البحار، وصارت بعد ذلك مقرا للمركز الوطني لأبحاث المحيطات.

“كينما” متجر كبير في كانصادو، يرتاده الناس للتسوق، كان تابعا للشركة وبيع لرجل أعمال من أهل المدينة، محفوظ.
هناك مستشفي قيد البناء.
شركة اسنيم دولة، وكانصادو عاصمتها.

  • 3 – القلعة الزرقاء

في الجانب الشرقي من طريق كانصادو قلعة قديمة يقال لها “تور بلوه”، يوحي اسمها أنها كانت يوما ما زرقاء. وجدنا قربها رجلا يبيع الحليب، لديه قطيع من الإبل، وخلفه سفينة تحترق، رأينا الدخان المنبعث منها ورأيناها تشتعل، قيل إنها احترقت في الميناء بسبب تماس كهربائي، وتم سحبها إلى هنا، وتركت لشأنها. أعادت للأذهان حادثة احتراق السفينة الروسية قرب جزر الكناري، والبقع الزيتية في شواطئ نواكشوط .
هذه القلعة بنيت في عهد الاستعمار، كانت ثكنة عسكرية، وهي من أقدم معالم المدينة، وأصبحت الآن مهجورة وخربة، لا يزورها زائر.

  • 4 – خليج النجمة
    aweitar_2.jpg
    أول ما يعجبك وأنت داخل إلى المدينة من جهة الشرق هو هذا الظهور المفاجئ للبحر، وغالبا ما تصاحبه برودة رطبة عند منعرج أويتال، مقابل المناخ الحار والجاف طوال الطريق الصحراوي الطويل الممتد على طول 460 كلم من نواكشوط عبرآكشار، آكنيتير، آزفال، تيجريت، تازيازت.
    هذه البرودة العذبة يعشقها المسافرون في السيارات غير المكيفة، تنسيهم مشقة السفر أيام القيظ.
    هذا الهواء الرطب هو هواء المنطقة التي جعلت منها الحكومة منطقة حرة.
  • 5 – المنطقة الحرة

كان السكان يتطلعون منذ أمد بعيد إلى أن تصبح مدينتهم منطقة حرة، كانوا يظنون أن الحرية تعني حرية التنقل، وحرية التجارة الجالبة للرخاء ورغد العيش.
طالب بها اشبيه ولد الشيخ ماء العينين من خلال برنامج حزبه، وبذل جهدا كبيرا في إقناع الدوائر الحكومية بفضائلها، وقد ذهب إلى أبعد من ذلك وطرح فكرة أخرى تلامس رغبة دفينة لدى المنحدرين من الولايات الشمالية الغنية بالموارد المعدنية والسمكية وذات الكثافة السكانية الضعيفة. لا مركزية التسيير بين الولايات أو اعتماد سياسة الكونفدراليات.
وربما هي دعوة إلى الانفصال إو إلى إعادة النظر في الأسس التي بنيت عليها الجمهورية الإسلامية الموريتانية بشكل يأخذ الخصوصية الاقتصادية والثقافية للمجتمع بعين الاعتبار.
وكان المرحوم أحمد باب ولد أحمد مسكة قد دعى في حياته إلى اعتماد سياسة أكثرة إنصافا في توزيع الثروة بين ولايات الوطن بتوجيه نسبة محددة ومعروفة من عائدات تلك الثروة إلى سكان المناطق التي تصدر منها.

المنطقة الحرة الآن، بعد أن أصبحت واقعا معيشا على الأرض، وبدأ العمل ببعض مقتضياتها، جاءت مخيبة للآمال.

المنطقة الحرة الآن، بعد أن أصبحت واقعا معيشا على الأرض، وبدأ العمل ببعض مقتضياتها، جاءت مخيبة للآمال.
خيبت آمال السكان من حيث الحرية، فقد أضافت قيودا جديدة، على تلك التي تفرضها السلطات القديمة : سلطة اسنيم، وسلطة البلدية، وسلطة المندوبية البحرية، وسلطة الوالي، والحاكم، والدرك، والشرطة، والجمارك، وأمن الطرق، بالإضافة إلى السلطات التي يمارسها جيران كالمغرب والبوليزاريو – بشكل غير معلن – على السكان، عبر وكلاء محليين على خلفية النزاع في الصحراء، إذ تنازلت موريتانيا عن الجزء الجنوبي منها ثمنا للسلام مع الطرفين.
وبقيت لكويرة شوكة مغروزة في خاصرة المدينة، هي التي كانت تصلح لتكون منطقة حرة نظرا لموقعها المتميز، لكن الأمر يتطلب تفاهمات مع أطراف عدة، ومن المستبعد أن تكون تلك التفاهمات متاحة في الأفق القريب.
لا يبدو مشروع المنطقة الحرة مشروعا جادا في الوقت الراهن، أو على الأقل في المدى المتوسط أو القريب، ما لم يحظ بدعم ومساعدة الجيران، وهنالك مصاعب أخرى متعلقة بالتعارض القائم بين سيادة الدولة ومصالح السكان المحليين، مع النظم القانونية التي يتطلبها خلق الظروف الجالبة للاستثمار الأجنبي الذي يعول عليه في النهوض الاقتصادي المنشود. تلك القوانين التي قد تتعارض أيضا مع أخلاق المجتمع المسلم.
مفهوم الجيران هنا مفهوم واسع، يضم فرنسا في المقام الأول، ثم إسبانيا، ثم المغرب، ثم الجزائر، ثم البوليزاريو أو الجمهورية العربية الصحراوية، فجميعهم أطراف بشكل مباشر أو غير مباشر في نزاع الصحراء الغربية الذي يلقي بظلاله دائما على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمدينة.
كما أن اتفاقيات الصيد طويلة الأمد الموقعة مع الصين والاتحاد الأوربي تزيد الوضع تعقيدا، فهما قوتان عظميان لديهما من وسائل النفوذ على البر والبحر ما يجعل من الصعب تجاهلهما في مشروع بحجم “المنطقة الحرة”.
الصين قادرة وحدها على بناء جميع منشآت المنطقة الحرة وبنيتها التحتية في لمح البصر.
أما المنطقة الحرة في الوقت الراهن، فلا أحد يفهمها، الناس يطلقون عليها اسما يعبر عن الاستياء والحزن : “المنطقة المرة”.
 لم نجد لها فائدة، حرمت علينا جلب المواد المستعملة من إسبانيا، وفرضت قيودا على خروج التجارة إلى المناطق المجاورة، وحولت مدينتنا إلى سجن كبير، وما زلنا نعاني من ارتفاع الأسعار والبطالة.
الرسوم التي تفرضا المنطقة الحرة على النظافة، والمعمار، والتجارة، والنقل، والسكن أصبحت قوة طاردة للسكان، خاصة للفقراء منهم، وجالبة لغيرهم من الأغنياء والأجانب.
السلطات تشجع النزوح إلى مراكز حضرية جديدة كالشامي وبولنوار، وفرت فيها الماء والكهرباء، لكن انعدام النشاط الاقتصادي الدائم لا يساعد على ذلك، .
لا ندري هل ينوي النظام السياسي في النهاية طرد السكان المحليين من مدينة نواذيبو، وجلب سكان جدد، ليست لديهم مطالبات في الأرض، ويقبلون الانخراط بسهولة في مشروع اقتصادي بحت، لا يقيم وزنا كبيرا لثقافة المجتمع، وتاريخه. مواطنون غرباء لا يتألمون كثيرا إذا تعرضت الأرض والبحر للبطش من قبل الإمبراطوريات الاقتصادية الكبيرة، يقولون لأنفسهم “خذ خيرها ولا تجعلها وطنا”، ولا يقبلون الانخراط في أي عمل سياسي أو جمعوي يهدف إلى الصمود أمام نهب الموارد أو تدمير البنية الثقافية للمجتمع.
رأينا شركة أهل غده (أم تى سى) قد أنهت بناء الطريق الشاطئي الكورنيش، قرب الشاطئ المعروف بكابانو، ورأينا سلطة المنطقة أزالت جميع الأكواخ بعد معركة شاقة مع الملاك الذين أغلبهم من السكان الأصليين.
فكرة الكورنيش والفنادق الجميلة على شاطئ البحر، حلم آخر لدى السكان منذ أمد بعيد، ولا ريب أن الشروع في تحقيقه قد يجلب شيئا من الحلاوة إلى المنطقة التي يجمعون الآن على مرارتها.
وجدنا محاسن أخرى للمنطقة الحرة أصبحت ملموسة على أرض الواقع. مستلزمات البناء كالإسمنت والحديد أصبحت أرخص، والمدينة صارت أنظف ..
رأينا البنية التحتية للمدينة تعززت وتمددت أحياؤها شمالا إلى جهة “الترحيل”.

  • 6 – الترحيل

قالت الحكومة إنها قضت على الأحياء العشوائية والكزرة نهائيا، وذلك ما تم إنجازه بالفعل بعد معركة طويلة وشاقة انتصرت فيها الإرادة والتصميم على التردد، والتذبذب، والفشل.
حدثت بالطبع تجاوزات كبيرة خلال تلك العملية، منها مصادرة الأراضي، وتدمير منازل فخمة قديمة، أصحابها لديهم جميع سندات الملكية. ومنها أن الإدارة منحت الكثير من القطع الأرضية كتعويض للمتضررين استفاد منها غيرهم.
لكن الأهم هو أن المشروع ساهم بشكل ملحوظ في مكافحة الفقر لدى الطبقات الهشة، فأغلب الأسر الفقيرة حصلت على قطع أرضية ذات قيمة عقارية عالية، باعت بعضها وحصلت بذلك على رأس مال مكنها من تمويل مشاريع صغيرة خاصة كدكاكين وسيارات أجرة يعمل فيها الأبناء الذين كانوا يعانون من البطالة والتسيب.
صاحب العربة أصبحت لديه سيارة أجرة، وبائعة الخضار أصبحت لديها مسمكة، وقد تحول الكثير من الأجراء في أحياء الترحيل إلى أصحاب دكاكين صغيرة وورشات.

  • 7 – خزائن الأرض

الرؤساء دائما ينظرون إلى المدينة على أنها مصدر للرزق وأن فيها خزائن الأرض والبحر من حديد وسمك، ولا يولون عليها إلا أبناء عمومتهم.
ولى ولد داداه عليها عبد الله ولد الشيخ في عهد ميفرما، ودخل آنذاك في صراع شديد مع الشركة، وقال فيها حينها كلمته الشهيره “دولة في الدولة”، وبعده محمد ولد سيدي عالي ثم عبد الله ولد اباه.
أول قرار يتخذه ولد الطايع غداة الانقلاب هو تعيين محمد السالك ولد هيين مديرا للشركة الوطنية للصناعة والمناجم، خلفا لبابه ولد أحمد يوره المقرب من سلفه ولد هيدالة.
أما الرئيسان أعل ولد محمد فال ومحمد ولد عبد العزيز، فقد وليا مقربين يحظون بثقتهما على غالبية الوظائف الحساسة في الولاية؛ الولاية، البلدية، إدارة الجمارك، الميناء، المندوبية البحرية.. وحدها المنطقة الحرة أصبحت محسوبة على السكان الأصليين.
كل نظام جاء يجلب معه طبقة جديدة من رجال الأعمال يتولون تسيير الموارد البحرية بالتنسيق مع الإدارة. منهم من يرحل مع النظام الذي أتى به، ومنهم من يتأقلم مع الظروف الجديدة ويبقى.
نجد الإمبراطورية الاقتصادية التي أسسها عباس بوغربال ما زالت قائمة وقوية، أما موريس بنزا ومحمد ولد الجيلاني فقد تراجع أداؤهما كثيرا بعد ولد الطايع، وكذلك أهل انويكظ وأهل عبد الله.
كما تأثر النشاط الاقتصادي لميلود ولد لكحل كثيرا من التوتر المفترض بين ولد بوعماتو وولد عبد العزيز، خاصة بعد توطن ولد بوعماتو للمغرب.
أما النجاشي فقد كان من أباطرة الاقتصاد في المدينة فقد انتقل إلى كيفة بشكل نهائي.

  • 8 – أزمة الولاء

السكان الأصليون يعانون من أزمة الولاء، أو على الأصح من تهمة الولاء المتعدد.
كانوا قبل الاستعمار يعيشون في مجتمع قبلي عربي مسلم، لا يعرف سلطة مركزية.
كان لهم ولاء للأرض وللقبيلة، فجاء الفرنسيون والأسبان فتقاسموا الأرض والسكان وفق مخطط استعماري لا يأخذ في الحسبان أن الناس هنا لا يعرفون الحياة في الأماكن الضيقة، وطنهم صهوات الخيل وظهور العيس، لا يمكثون طويلا في مكان واحد، أرضهم هي هذه الصحراء التي لا أمير فيها ولا سلطان، يسيمون فيها حيث شاءوا ومتى.

اتبع الفرنسيون نهجا ماركسيا لرسم سياسة الاحتلال، قالوا إن قدرة الشعوب على المقاومة تابعة لوسيلة العيش. المجتمع الزراعي لا يصمد طويلا أمام التفوق العسكري، فبدأوا بضفة نهر السنغال والواحات في تكانت وآدرار، حيث لم تصمد المقاومة أمام الحملة العسكرية التي قادها كورو في مطلع القرن الماضي.
أما الثروة الحيوانية فأصحابها أقدر على الحركة فقدرتهم على الصمود أكبر، لكنها متفاوتة وفقا لماشيتهم؛ ملاك الأبقار والأغنام فريسة سهلة للمحتل، بينما صمد ملاك الإبل في الصحراء سنين طويلة قبل أن يخضعوا للسلطة الجديدة، وقد دفع المستعمر ثمنا باهظا لذلك الخضوع.
أما إسبانيا فقد اتبعت نهجا رأسماليا لرسم سياسة الاستعمار، قالوا إن قدرة الشعوب على المقاومة لا تصمد طويلا أمام التفوق المالي، واستخدموا المال، وفروا المواد الغذائية للفقراء، ووهبوا الهدايا والامتيازات الكبيرة للأغنياء، ولم يفرضوا ضرائب تذكر على دخول المواشي فأصبح الجزء الذي احتلوه من الصحراء ملاذا لملاك الإبل من الضريبة التي تفرضها فرنسا في الجانب الموريتاني.
فرنسا تريد من السكان أن يكون ولاؤهم لها وليس لإسبانيا، وكذلك الإسبان، فرنسا وإسبانيا كلتاهما تسعى إلى فرض قيود على خروج المواشي من حدودها كي لا تخسر فرنسا الضريبة، ولا تخسر إسبانيا ولاء السكان، تأخذ السمك والفوسفات وتمضي بسلام.
حاول الفرنسيون إنشاء مراكز حضرية جديدة في الجزء الذي احتلوه من الصحراء، وعلى الشواطئ المحاذية له.
1940 نواذيبو أو بور أتيان مركز صغير لا يتجاوز سكانه 400 نسمة جلهم صيادون.
وصل هذا العدد إلى ألفي نسمة في سنة 1943، أي خلال ثلاث سنوات.
حافظ السكان الأصليون على علاقاتهم مع الكيانات السياسية والعسكرية المسيطرة على الأرض، كل حسب قناعته أو مصلحته، فأصبحت العلاقات متداخلة ومتشابكة إلى درجة تجعلها مستعصية على الفهم.
تجد الأسر التي لديها ارتباطات وثيقة في إسبانيا وبعض أفرادها لديهم مصالح في المغرب أو البوليزاريو. وهنالك أسر انتقلت بكاملها إلى المدن الصحراوية في المغرب هروبا من الظروف الصعبة وغلاء العيش في نواذيبو.
السلطات الموريتانية تنظر دائما بعين الريبة إلى السكان الأصليين، وهي غير راضية عن أي علاقة يربطها هؤلاء مع الكيانات المجاورة، معتبرة تلك العلاقات مشبوهة.
أما السكان الأصليون فيعتبرون أن ولاءهم للأرض باعتبارها ملكا لهم ورثوه عن الأجداد، وأنهم مرغمون على التعامل مع أي سلطة سيطرت على الأرض، سواء كانت تلك السلطة اسمها فرنسا أو إسبانيا أو الجزائر أو المملكة المغربية أو البوليزاريو أو الجمهورية العربية الصحراوية أو موريتانيا أو المنطقة الحرة، أو الشركة الوطنية للصناعة والمعادن، فهم غير معنيبن بتلك العقود الاجتماعية الجديدة والمتغيرة، ولا يفهمونها.
كما أن الصين والاتحاد الأوروبي، بدأتا تبسطان نفوذهما على البحر واليابسة بموجب اتفاقيات الصيد طويلة الأمد، وهنالك وجود دائم للبحرية المغربية قبالة لكويرة.

  • 9 – السكان الأصليون

السكان الأصليون وفق الوثائق التاريخية ينتمون في الغالب إلى قبائل أولاد دليم، أهل باركلل، اركيبات، أهل بوحبيني، لعروسيين، أولاد بسباع، أولاد تيدرارين، أولاد عبد الواحد، تكنه، وأولاد اللب، القرع. مع العلم أن وأولاد اللب والقرع هم في الأصل من بطون أولاد دليم.
جميعم يعانون ولو بشكل متفاوت من “تهمة الولاء المتعدد” من قبل الكيانات السياسية المسيطرة على الأرض.
عانى محمد خونة ولد هيدالة كثيرا من تهمة الولاء المتعدد تلك، خلال مساره في الجيش، وخلال السنوات الثلاث التي حكم فيه البلاد. قال في مذكراته إن رتبته في الجيش حبست زمنا طويلا أيام حرب الصحراء وعانى من التهميش بسبب انتمائه لقبيلة لعروسيين، وهي قبيلة زوايا حملة السلاح، وتلك خاصية ينفردون بها في الشمال، قال فيهم النقيب الفرنسي فينساه 1860 إنهم “زوايا يحملون السلاح، لا يهاجمون أحدا ويدافعون عن أنفسهم ببسالة”.
كما أن أحمدو ولد عبد الله تعرض لمضايقات أيضا – حسب ولد هيدالة – بسبب انتمائه الأصلي لقبيلة أولاد دليم. ولا ندري هل كان المرحوم اسويدات ولد وداد ضحية لما يشبه المؤامرة آنذاك حين أرسل إلى عين بنتيلي في مهمة عسكرية مستحيلة.
ويجد العديد من الضباط المنحدرين من تلك المجموعات مصاعب في الحصول على الوظائف السامية والرتب العليا في الجيش.
من هذه المجموعات من سلم من تهمة الولاء في الجانب الموريتاني مثل أولاد بسباع وأولاد اللب، فتقلدوا وظائف سامية في الجيش وفي الدوائر العليا للسلطة.
ومنهم من سلم منها في الجانب المغربي والصحراوي ولم يسلم منها في الجانب الموريتاني كأولاد دليم. تقلد العديد من الضباط منهم وظائف سامية في الجيش المغربي وفي حركة البوليزاريو.
سألنا عن السبب، فوجدنا تفسيرات تأخذ الخصوصية التاريخية لكل مجموعة على حده بعين الاعتبار، منها في المقال الأول أن المجموعتين أولاد بسباع وأولاد اللب استوطنتا أكجوجت عاصمة ولاية إينشيري التي ليست منطقة حدودية، ومنها أن الدولة الحديثة ورثت غداة الاستقلال تقاليد الحكم من الإدارة الفرنسية التي تصنف المجموعات إلى صديق أوعدو، وتعاملها وفقا لذلك التصنيف، قبل أن يظهر تصنيف آخر هو المعارضة والموالاة يتم على أساسه توزيع الامتيازات والوظائف السامية في الدولة، وما زال ذلك التقليد متبعا حتى الآن.
القبائل التي نظمت المقاومة المسلحة وقادتها، ضد فرنسا كأولاد دليم وأهل الشيخ ماء العينين، بقيت مسجلة زمنا طويلا في قائمة الأعداء، وورثتها فرنسا توصية لحلفائها في النظام الجديد.
المقاتلون الذين نفذوا معركة أم التونسي على سبيل المثال، جلهم من أولاد دليم ومعظم الشهداء منهم.
وعندما دخلت السلطات الجديدة بعد ذلك في صراع مع المغرب بعيد الاستقلال، ظهرت تصنيفات من قبيل “عميل للمغرب”، واستخدم النظام ذلك المفهوم ضد أولاد بسباع وتكنه في بداية حكم ولد داداه، ما حملهم إلى النزوح جنوبا إلى السنغال، لا إلى المغرب الذي يتهمون بالولاء له. ولذلك عانى الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز قليلا من تهمة الولاء تلك في بداية حكمه، ترعرع في سان لوي، ودرس في الكلية العسكرية بمكناس، لكن تعسُّر التواصل مع نظام الملك في المغرب، والسلاسة الحاصلة مع الجانب الصحراوي في تسيير شؤون الحدود الشمالية، أسقطت عنه – نهائيا – تهمة الولاء للمغرب.
وفي حرب الصحراء صنفت قبائل اركيبات،أولاد دايم، لعروسيين وأهل باركلل، في قائمة الأعداء الموالين للجبهة، جبهة البوليزاريو، وتعرضت في الجانب الموريتاني لمضايقات وصلت في بعض الأحيان إلى درجة التنكيل، لكنها بقيت أقل بشاعة من المضايقات التي تعرض لها سكان الضفة خلال الأحداث مع السنغال، وتلك التي تعرض لها الأزواديون من قبل القوات المالية في الحرب على القاعدة.
فتهمة الولاء المتعدد ليست خاصة بسكان الشمال، وإنما هي مسألة عامة يعاني منها جميع سكان المناطق الحدودية. نجدها في الجنوب مع السنغال وفي الشرق مع دولة مالي وحركة تحرير أزواد وحتى مع القاعدة أو داعش، لكنها دائما تكون أكثر حدة في المناطق التي تشهد نزاعا مسلحا أو توترا مع الجيران.
أما جبهة البوليزاريو التي تأسست وفق نهج اشتراكي، فقد بذلت مجهودا كبيرا في محاربة القبيلة، وحاولت محو الفوارق الاجتماعية بين أفرادها، لكن الصورة التي بقيت راسخة في الأذهان، هي أن القبيلة المسيطرة – كما وكيفا – على الحركة هي قبيلة ارقيبات.
وقد عانت القبائل الصحراوية التي نزحت إلى الجانب الموريتاني أو المغربي هي الأخرى لدى الجبهة من تهمة الولاء المتعدد، وضعت عليهم علامات استفهام، منهم من دخل السجن ثم أطلق سراحه وترك لشأنه لا يشارك في القيادة. ومنهم من قضى تحت التعذيب أو اختفى في ظروف غامضة. ولا ندري هل كانت الحركة مخترقة في تلك الآونة من قبل الأمن الموريتاني أو المغربي، أيام الأزمة التي عرفت 1988 باسم “الشبكة”.
وقد وقع العديد من الذين بايعوا المملكة المغربية ضحية – بتهمة الولاء – لتجاوزات أمنية مؤلمة، وصفت بعد ذلك – في المغرب – بأنها “أخطاء الماضي”.
تجد أسرة بعض أفرادها يخضعون للتعذيب في تيندوف – بتهمة الولاء – ، في حين يعذب إخوتهم في السجون المغربية، بتهمة التخابر لصالح الجبهة.

  • 10 – السكان الحاليون

السكان الحاليون للمدينة أغلبهم وافدون من باقي ولايات الوطن، منهم من توطن أسلافه المدينة وصار من أهلها، ومنهم من يجعل منها مكان عمله فحسب، ويغادرها عند انتهاء النشاط الاقتصادي الذي جاء من أجله، ولا يترك فيها ارتباطات اجتماعية تذكر.
ذلك هو الحال على سبيل المثال بالنسبة لمجموعة أولاد بولحية التي أصبحت مختصة في تجارة المواشي في المدينة وهي المسيطرة على السوق لكنها لا تمارس السياسة.
هذا طبعا بالإضافة إلى الأجانب كالأفارقة والآسويين الذين يتزايد عددهم مع اتفاقات الصيد وفوز الشركات الصينية بالعديد من المناقصات في مجال البناء.
أما السكان الأصليون فمنهم من انتقل إلى نواكشوط من أجل الدراسة الجامعية غير المتاحة في المدينة، أو إلى المغرب للاستفادة من الامتيازات الممنوحة لسكان الصحراء الأصليين في إطار سياسة “الوطن غفور رحيم”. هذا بالنسبة للطبقة المتوسطة والفقيرة، والأثرياء يفضلون العيش في إسبانيا أو في تفرغ زينة بنواكشوط أو الرباط والدار البيضاء في المغرب.

  • 11 – الخارطة السياسية للمدينة

ينقسم سكان مدينة نواذيبو الحاليون في كل موسم سياسي كالانتخابات أو استقبال الرؤساء أو تنظيم التظاهرات المخلدة لأعياد الاستقلال إلى مجموعات وكتل سياسية تحمل أسماء ظرفية ومتغيرة تعبر عن حجم المجموعة ولونها وجهتها وتوجهها السياسي. يلعب رجال الأعمال والموظفون الكبار دورا حاسما في تحديد مسار الانتخابات، ينزلون إلى الساحة، يتفقدون الزبناء، يسألون عن القبائل والجهات والأعراق، يدرسون الخارطة السياسية للمدينة.
هؤلاء يرجون الحصول على امتيازات وفرص جديدة للاستثمار، وأولئك يتطلعون إلى الوظائف الكبيرة مكافأة من النظام الحاكم على بذلهم من أجل تثبيت دعائم حكمه.
الأحزاب السياسية هي الإطار الرسمي لممارسة السياسة بمنطق الوطن، غير أن الواقع يفرض عليها التعامل في السياسة بمنطق آخر، منطق مدان هو منطق المجتمع. منطق العرق، منطق الجهة، ومنطق القبيلة.
فالقبيلة في موريتانيا كشرب الخمر في بغداد أيام هارون الرشيد. كلما اجتمع اثنان شربا، وإذا كانوا ثلاثة، عابوا شاربها.
الحزب الحاكم والأحزاب الموالية للنظام هي المستفيد الأكبر من المواقف ذات الطابع القبلي والجهوي وحتى العرقي، وغالبا ما تواجه قيادات تلك الأحزاب مصاعب جمة في تحديد زعماء المجموعات وممثليهم، وتحدث تغييرات على الساحة السياسية مباشرة بعد الإعلان عن تلك الاختيارات.
أما أحزاب المعارضة فقدرتها على المناورة أقل، وتعول دائما على الهزات الارتدادية لقرارات الحزب الحاكم في اختيار مرشحيه للحصول على انضمامات جديدة وتحالفات مع المجموعات المستاءة لتقوية صفوفها، وتراها تعمل جاهدة لكسب ود المجموعات المهمشة، أو تلك القليلة التمثيل، في الدوائر العليا للسلطة أو في المناصب الانتخابية، وتستقبلهم بصدر رحب.
الحزب الوحيد الذي لديه قاعدة ثابتة ومنضبطة هو حزب الإسلاميين “تواصل”، وغالبا ما يلتزم مناضلوه بخيارات حزبهم، ولو كانت متعارضة مع مواقف أسرهم أو مجموعاتهم القبلية.
العامل الجهوي محدد أساسي للخارطة السياسية للمدينة، في جميع الاستحقاقات الانتخابية، خارطة ثلاثية الأبعاد وفق الجهات : الجنوب، الشمال، الشرق.
تأسس مكتب اترارزة في عهد ولد الطايع، وبقي متماسكا إلى عهد قريب كإطار ينتظم فيه الأطر ورجال الأعمال المنحدرون من الجنوب (أهل القبلة)، ويعبرون من خلاله عن دعمهم ومساندتهم للنظام الحاكم.
ينوب عباس بوغربال عن مقاطعة روصو عاصمة الولاية، وينوب محمد ولد الجيلاني عن مقاطعة واد الناقة، وعابدين ولد التقي عن كرمسين، ويكون التنافس دائما على زعامة التكتل بين أطر مقاطعتي بوتلميت والمذرذرة.
أما أهل الشرق فيتوزعون على عدد كبير من المبادرات التي تحمل أسماء وقرى ذات الدلالة الجهوية أو القبلية كقرو بالنسبة لتجكانت و لعيون بالنسبة لأولاد الناصر أو لقلال، لكنهم لا ينصهرون أبدا في أطار موحد.
وتتشكل جماعة أهل الساحل من أطر ورجال أعمال أولاد دليم، أهل باركلل، والقرع، وتكنه.
تتعدد الزعامات داخل هذه المجموعات وتنصهر كل مجموعة على حدة أحيانا في تيار موحد بقيادة أحد رموزها التقليدين. القرع بزعامة أهل مكناس، أولاد دليم بزعامة محمد ولد سويلم، ويعود الأمر بالنسبة لأهل باركلل إلى الشيخ ولد حمدي.
هنالك فرق في المواسم السياسية بين الانتخابات مع استقبالات الرؤساء والاحتفالات المخلدة لأعياد الاستقلال. يشرف الوالي بشكل مباشر على استقبال الرئيس وتنظيم الاحتفالات الرسمية بالتنسيق مع الوجهاء التقليدين ورجال الأعمال والأطر في إطار غير سياسي، بينما تشرف الهيئة المستقلة للانتخابات بالتنسيق مع الإدارة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني على تسيير الحملات الانتخابية في إطار سياسي بحت.
مجموعة القرع هي أول من توطن المدينة، وكان الفرنسيون قد فرضوا إتاوة للشيخ ولد مكناس على كل قارب يرسو في الميناء الذي يحمل أسمه “صالت أهل مكناس”، وهم من أكثر المجموعات المحلية تجانسا وانسجاما في موقف سياسي موحد بزعامة أهل مكناس، ويجري التنسيق مع المجموعة من خلال أطر وفاعلين أمثال : أحمد ولد الصديق ورجيبة بنت الدوكي.
تتميز مجموعة أولاد دليم بميل أفرادها لممارسة السياسة، وهي من أكبر المجموعات قدرة على المناورة السياسية. رجال الأعمال والموظفون الكبار يمارسون السياسة في المدينة من خلال العديد من الأقطاب والتكتلات، لا نقول إنها تنصهر جميعها خلال المواسم السياسية في إطار موحد بقيادة محمد ولد اسويلم، لكنه هو الشخصية المحورية الأكثر تمثيلا للمجموعة لدى السلطات الإدارية والسياسية. كما أنك لا تجد الأقطاب والتكتلات المختلفة داخل المجموعة سائرة بزعامة رمز بعينه غير أنها تسير في الغالب وفق نهج متعدد يمتص الخلافات والتجاذبات من خلال الاجتماعات والاتصالات بين الأفراد يشارك فيها الجميع. الموظفون الكبار ورجال الأعمال الذين يمارسون السياسة مدركون لهذه الوضعية ويأخذونها بعين الاعتبار في كل موسم سياسي.
وقد لمست لدى الذين قابلتهم من أطر المجموعة عزوفا عن ممارسة السياسية في الوقت الراهن، قال لي محمد ولد اسويلم بحضرة اشريف ولد الغيلاني إن السياسة في نوذيبو فقدت كثيرا من قيمتها، ولم تعد تدخل في اهتماماته، فالأمور تغيرت كثيرا، وأصبح الاهتمام بالأمور الشخصية أولى لديه من الشأن السياسي.
رشحت المجموعة محمد ولد عيه من خلال الحزب الحاكم في قائمة البرلمان في الاستحقاقات الأخيرة، ويتقلد بعض أطرها وظائف سامية.
فرغم أن أطر ورجال أعمال أهل باركلل مجمعون على زعامة الشيخ ولد حمدي وتمثيله لهم لدى الدوائر العليا للسلطة، فإنك تجد العديد من الأقطاب والتجمعات المتمايزة لديها توجهات مختلفة داخل المجموعة ذات التشكيلة الاجتماعية الأكثر تعقيدا واستعصاء على الفهم في المنطقة.
يتزعم رجلا الأعمال: باركلل ولد نور الدين والنامي ولد أحمد يعقوب الجماعة التي تطلق على نفسها “مجموعة الشيخ ولد حمدي”. وهنالك قطبان آخران أحدهما يتزعمه محمد المامي ولد سيد آمين ويتزعم الأخر محمد ولد عبد الرحمان. كلهم رجال أعمال يعملون في مجال الصيد.
تضم مجموعة الشيخ ولد حمدي التي لديها امتداد في نواكشوط وإينشيري أطرا وموظفين كبارا من بينهم محمد عبد الله ولد البخاري السفير الموريتاني في ساحل العاج، والشيخ ولد بده المدير السابق لشركة الألبان، وعثمان ولد الداه إطار في شركة الكهرباء، ومحمد المامي ولد أحمد بزيد وهو إطار في شركة اسنيم، يدير زاوية الشيخ محمد المامي، كانت المجموعة تطالب الحزب الحاكم بترشيحه لعضوية البرلمان في الانتخابات الأخيرة.
يعمل محمد المامي ولد سيد امين بالتنسيق مع الوجيه محمد ولد آده، والسفير السابق الخضر ولد محمد مولود، وأحمدو ولد اماده المدير المالي لشركة توزيع الأسماك، ولديه تحالفات سياسية مع فاعلين من خارج المجموعة من بينهم محمد ولد باري عمدة بولنوار.
أما محمد ولد عبد الرحمان الذي يعمل بالتنسيق مع الشيخ ولد عبد الله باركلل، فلديه امتدادات في القرى الشاطئية ومدينة الشامي، لكنه لا يظهر رغبة كبيرة في ممارسة السياسة بشكل علني مباشر.
كما أن عبد العزيز ولد المامون يمارس نشاطه السياسي في الغالب من خلال قطب خاص به يحمل اسمه.

  • 12 – القاسم ولد بلال

يفرض القاسم ولد بلال – المنحدر من قبيلة تكنة – نفسه دائما كلاعب سياسي وازن في رسم خارطة المدينة، لا يمارس السياسة وفق أجندة قبلية بحته، بل يعمل وفق نهج مرتبط بتاريخه النضالي في حركة “الكادحين” ذات التوجه اليساري، ولديه مناصرون وحلفاء من جميع فئات المجتمع، لكنه يعاني أيضا كغيره من تهمة الولاء لغير الوطن. لديه مواقف علنية في البرلمان، داعمة للجمهورية العربية الصحراوية، وجميع المتعاطفين معها يصوتون له في الانتخابات.

  • 13 – فكرة الانفصال

لا يبدو – في الوهلة الأولى – الحديث عن فكرة الانفصال في موريتانيا حديثا جادا، لأنه ببساطة أمر غير مطروح في الوقت الراهن. فقد بلغ العقد الاجتماعي الذي اسمه موريتانيا الآن أشده بعد نصف قرن من الاستقلال، جرى تخليده هنا في مدينة نواذيبو بعرض عسكري كبير يظهر قوة الدولة وهيبتها.
لكننا شاهدنا في الآونة الأخيرة عقودا اجتماعية انفرطت وكانت أصلب عودا. رأينا العراق، رأينا سوريا، رأينا ليبيا واليمن.
ورأينا السودان أصبح سودانين لأسباب ربما تكون عرقية أو دينية، لكن العامل الحاسم هو الخلاف حول تقاسم الثروة.
وفي موريتانيا تتركز الثروة الحيوانية في الشرق في ولايات لعصابة والحوضين، وتتركز الثروة الزراعية في الجنوب في ضفة النهر في ولايات اترارة ولبراكنة وكوركل وكيديماغا، أما الثروة السمكية والمعدنية، فلا وجود لها إلا في الشمال، في ولايات إينشيري، وتيرس وداخلت نواذيبو. لا نقول إن ولايتي آدرار وتكانت ولايتين زراعيتين رغم تركز واحات النخيل، لانعدام مصدر دائم للماء.
يفرض هذا الوضع على الإدارة التعامل مع السكان بشكل يأخذ الخصوصية الاقتصادية لكل جهة بعين الاعتبار. القانون الموريتاني قانون واحد، ولكن لا يمكن تطبيقه في كل مكان.
المدونة المعدنية لا تعني شيئا بالنسبة لسكان أرض ليست فيها معادن، ونوابهم في البرلمان قد لا يتألمون كثيرا – لدى سن القوانين والمصادقة على الاتفاقيات – للأضرار البيئية الناجمة عن استغلالها من قطع الأشجار، ونبش القبور، وعبث بمجاري المياه، والاستغلال المفرط للثروة السمكية إن كانوا لا يعرفون البحر، يغلبون المصلحة الجالبة للاستثمار ويصادقون عليها بحماس، يرون فيها المصلحة الوطنية، وينظرون بعين السخط للمعارضين لها من المتضررين، ويلحقون بهم تهمة المعارضة للنظام، أو عدم الوطنية أو الولاء المتعدد.
كما أن الملكية المشاعة للأرض لا تعني شيئا للسكان الذين أرضهم ليست فيها مزارع، ونوابهم لا يأبهون بمصير المتضررين من مصادرة الأراضي الزراعية بحجة استصلاحها لصالح المشاريع الكبيرة. ملاك الأراضي الزراعية يطردون منها دائمة بحجة أن الأرض للدولة، ويأخذها غيرهم من المتنفذين، ثم يبيعها لهم بالأقساط بعد فشل المشروع، وكل هذا الحيف، يحدث دائما بالاستناد إلى القانون، قانون الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
الحديث عن الإنصاف في توزيع الثروة، وملاءمة قوانين الجمهورية مع الخصوصية الاقتصادية والثقافية لكل من جهات الوطن الواحد، حديث جدي، وإن شئت سميتها دعوة انفصالية، وإن شئت نظام لا مركزية في التسيير.

سيد احمد ولد مولود
نواذيبو أكتوبر 2016

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى