المدرسة القطرية .. العبرة بالكيف لا بالكم
يوما وراء يوم تقدم لنا المدرسة القطرية دروسا فى كيفية بناء الدول وفى المواقف المشرفة وكذا فى التعامل مع المنظومة الدولية ….
فقد أثبتت قطر أن العبرة ليست بكثرة عدد السكان ولا بكبر المساحة وإنما بقوة الإرادة والبصيرة والوقوف مع الحق والاقدام فى ذلك والجرأة فى اتخاذ القرار ,وضبط الجبهة الداخلية ونتطرق بشيء من العجالة على بعض تلك الدروس فالوقت لا يكفى لذكرها كاملة :
فى الشأن الداخلي : شهدت قطر نهضة حضارية وعمرانية خصوصا مع تولى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني سدة الحكم فى البلاد , فخلال سنوات لا تتجاوز العشر سنين انتشرت الجامعات فى قطر وانتشرت الندوات الفكرية والثقافية وانتشر التعليم وشرعت القوانين وشكلت اللجان لحفظ حقوق الإنسان وتحررت المرأة بقيادة الشيخ موزة تحررا يحافظ على الهوية والضوابط العربية والاسلامية وشهدت البلاد نهضة عمرانية كبيرة مكنتها من استضافة الألعاب الآسيوية 2006 بامتياز أشاد به كل من تابع تلك الالعاب.
تلك النهضة العمرانية جعلت أحد الاعلاميين الليبين البارزين يقول انه بكى حزنا على حال وطنه بعد ماشاهد هذه النهضة العمرانية التى شهدتها قطر خلال سنوات محدودة بينما بلاده وبلاد عربية أخرى عندها موارد نفطية هائلة من عشرات السنين ومع ذلك لم تشهد ربع هذه النهضة , وفتحت وسائل الاعلام أمام المواطن القطري ليعبر فيها عن آرائه وهمومه وفى اليوم الموالي يستدعى المسؤول عن ذلك ليرد على تساؤولات وشكاوى المواطنين فى استجابة سريعة لتلك الشكاوى وان شئت فتابع برنامج ” صباح الخبر ياقطر” الذى يتابع على الوسائل الاعلام الرسمية او تابع احدى الصحف القطرية.
قدم هذا الانجاز درسا فى كيفية تقوية الجبهة الداخلية وتلاحم القيادة والشعب مما يسهل التوجه إلى لعب دور فى الجبهة الخارجية.
وفى الشأن العربي وفى مقدمته أم القضايا قضية فلسطين قدمت قطر كل أشكال الدعم المتاحة للمقاومة وللشعب الفلسطيني , فقطرهي من استضافت رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب اسماعيل هنية حين ضاقت عليه الأرض بما رحبت وحاصره الاشقاء العرب قبل غيرهم وقدمت له أشكال الدعم السياسي والمالي فوقفت قطر الى جانب خيار الشعب وتبرعت بأموال كبيرة وأوقفت ريع أبراج بالدوحة لصالح الشعب الفلسطيني واقامت حملات تبرع لصالحه وحين ضربت مدرسة الفاخورة التابعة للأونروا أطلقت قطر قناة فضائية بنفس الاسم خصصت لدعم أطفال فلسطين , وحين تأجل مؤتمر اللجنة العالمية لمكافحة العدوان والتى تضم أشهر وأكبر علماء الأمة – وكان مؤتمرها حول العدوان على العراق – حين تأجل – اذا – للسنة الثانية على التوالي لأنه لم يجد دولة تسضيفه رحبت به قطر وقدمت له كل التسهيلات , وحين حدث العدوان على العراق وبدأت تصفية رموز نظام الشهيد صدام حسين – ممن لم تتلطخ ايديهم بدماء العراقيين – وعائلاتهم فتحت لهم قطر أذرعها فى مشهد انساني عظيم , وكذلك فعلت قطر مع الشعب الصومالي والشعب السوادني ولعبت دورا كبيرا كوسيط فى الأزمة اليمنية فى ما يعرف بملف الحوثيين وكذلك فى ملف الصحراء الغربية , وفى كل ذلك تنفق قطر أموالا طائلة لا تريد منها الا مصلحة تلك الشعوب العربية ولولا ذلك لما تدخلت فمالذى تجنيه قطر من انفاق اموالها فى السودان او الصومال او غيرهم ؟
وفى الشأن الموريتاني حدث ولا حرج, فقطر تسضيف المآت من الموريتانيين ومع أن الجالية الموريتانية بقطر اقل ما يقال عنها أنها مميزة ثقافة ووعيا وسلوكا وتقدم خدمات جليلة لموريتانيا ولقطر فإن قطر أيضا تعاملها معاملة خاصة تكريما للشعب الموريتاني الذى يحظى باحترام وتقدير خاصين من الشعب والحكومة القطريين , وقد أقامت قطر مشاريع عدة فى موريتانيا وتدخلات المؤسسة القطرية الموريتانية للعون الاجتماعي مشهودة وكذا تدخلات مؤسسة قطر الخيرية وغيرها من المؤسسات ومنها مستشفى الشيخ حمد بأبى تلميت والذى أصرت قطر على اكمال بنائه حتى بعد ما تم الاحتيال على تمويله الأول فقدمت تمويلا جديدا ,,, وحين سؤل سمو الشيخ حمد بعد أحد الانقلابات فى موريتانيا عن العلاقات الموريتانية القطرية هل ستشهد فتورا قال : ” علاقتنا هي علاقات اخوية بين الشعبين ولا يؤثر فيها مجيئ او ذهاب نظام معين ” , وظلت العلاقات الموريتانية القطرية مميزة دائما ,
قطر اليوم تقف مواقف جد مشرفة وجريئة جدا فى الدفاع عن حقوق الإنسان والوقوف إلى جانب الشعوب العربية فى حقها فى الديمقراطية والحرية ونذكر منها هنا على سبيل المثال الموقف الشجاع والمشرف والانساني لقطر بوقوفها الى جانب الشعب الليبي ضد المجازر التى يرتكبها ضده هذا المعتوه الذى يحكمه منذ اربعين سنة فلولا التدخل القطري لأبيد مآت الآلاف من الشعب الليبي ممن قالوا للقذافي : ” كفنا منك” ” لا نريدك ” والجميع يذكر ان مرتزقة القذافي كانوا على بعد خمسين كلمترا من بنغازي ولو دخلوها لكانت كارثة انسانية بشهادة الكل – طبعا من غير مرتزقة القذافي فى الداخل الوخارج – وهو تدخل حال دون تلك الكارثة.
قطر قدمت للعرب وللانسانية جمعاء انجازا عظيما فى سنوات محدودة لم يستطع غيرها تقديمه فى عشرات السنين , هذا الانجاز هو هذا النجم الساطع والشمعة المضيئة التى تضيء للانسانية وتكشف عورات الظلمة والتى حركت المياه الراكدة وكانت بمثابة الكتيبة المتقدمة للدفاع عن القضايا العربية والاسلامية بل والانسانية بشكل عام ألا وهو قناة الجزيرة .
بطبيعة الحال , كانت للظلمة التى عرتهم الجزيرة ومرتزقتهم من أشباه السياسيين ومتطفلى الاعلام ردة فعل على ذلك وبدأت صيحاتهم لكن قافلة الجزيرة وقطر بشكل عام تسير ولا تأبه لنبح تلك الكلاب .
وعلى المستوى العالمي قدمت قطر درسا بليغا وهو أن من يريد أن يحترمه الغير يجب أن يحترم نفسه , يجب ان يثق بنفسه وبقدراته , ولذلك كان تعاملها مع الدول تعاملا يأخذ مبدأ الندية مهما كان عظم تلك الدولة , لا شك أن هذا الأمر جذب لها نقمة من لايريدون ان يكون لهم منافس ولا يريدون أن يسمع غير صوتهم .
كما لا يمكننا أن ننسى دوررها الرائد فى العمل الانساني فى كارثة تسونامي وكذا دورها فى اغاثة المنكوبين فى زلزال باكستان .
تميز قادة قطر ببراعتهم فى استخدام لغة العصر – الفاظا ومعاني – وخصوصا للدفاع عن القضايا العربية والاسلامية , واستطاعت قطر بذلك ان تلعب دورا هاما فى الشؤون السياسية حيث وصفت احدى الصحف الآمريكية مؤخرا قطر ب”أنها لا عب أساسي فى الشرق الأوسط يتكلم بلسان العرب ويبلغ وجهة نظر الشارع العربي ” .
وفى المجال الرياضي حققت قطر أكبر انجاز عربي بفوزها باستضافة مونديال 2022 كأول دولة عربية أو شرق أوسطية تستضيف هذا الحدث الهام بعد منافسة أكبر دولة فى العالم .
قطر تثبت لنا – اذا- أن العبرة ليست بكبر المساحة ولا كثرة السكان ولا حتى بكثرة الموارد الاقتصادية وانما بقوة الارادة و الجرأة فى المواقف والوضوح فى الرؤية وقبل هذا وذاك فى الوقوف مع الحق .
التجربة القطرية هي بحق تجربة تحتاج الدراسة والاستفادة منها تجربة يقول لنا لسان حالها القاعدة الشهيرة أن العبرة بالكيف لا بالكم .
دامت قطر رائدة فى التحرر , رائدة فى الدفاع عن القضايا العربية والاسلامية و رائدة فى العمل الانساني ورائدة فى العمل السياسي ونموذجا يحتى لمن أراد الاقتداء بالنماذج الناجحة .
محمد عالي الهاشمي كاتب موريتاني
elhachimmi@yahoo.fr