بين الطبيب والسياسي
الوعكة الصحية التي مررت بها الأيام القليلة الماضية، والاختلاط الدائم مع الأطباء خلالها وكثرة التواصل والاتصال معهم، وحدوث بعض الحوادث، جعلني أفكر كثيرا فيما يحدث في دولنا، وأوجه الشبه بين الطب والسياسة .
بلداننا مريضة، وتعاني من الكثير من الأمراض، منها أمراض اقتصادية، وأمراض اجتماعية ودبلوماسية وأمراض في التعليم، أمراض في التوظيف ، وأمراض في التنمية، نعاني من أمراض الفساد والمحسوبية وكبت الحريات ، منها أمراض مزمنة ومنها أمراض طارئة، وهي بحاجة إلى عدد كبير من الأطباء لعلاجها .
بلداننا بحاجة لقادة حقيقيين يقومون بعلاج هذه الأمراض ونقل الأمة من حالة المرض الذي تعاني منه إلى حالة الصحة .
ما هي مواصفات الطبيب ؟ كيف يجب أن تكون أخلاقه ؟ وكيف تكون علاقته مع المريض ؟
ووجدت آن الإجابة هذان السؤالان هما المفتاح لكل سياسي،
لنتكلم أولا عن مواصفات الطبيب، وهي سهلة جدا، إذ يجب أن يكون على مستوى كافي من العلم والخبرة في مجاله وفي تخصصه . وهذه من السهل وجودها .
ولكن السؤال التالي هو الأهم، كيف يجب أن تكون أخلاقة ؟ هذه هي مصيبتنا في أطبائنا ومصيبتنا في سياسيينا، فالطبيب الذي يهمه أولا أن يحقق اكبر المنافع لنفسه على حساب المريض . الطبيب الذي لا يفكر بالمريض إلا حصالة نقود يجب أن يكسرها لكي يستخرج الذي بداخلها، ولا مانع عنده معاناة المريض اكثر أو أطول مادام قد ربط شرايين المريض بحسابه المالي ، لا يمكن ان يوثق به لعلاج مريض، أليس هذه حالة الكثير من أطبائنا ؟ أليست هذه هي حالة معظم سياسيينا ؟ أليست هي حالة معظم قادتنا ؟
ثم لنعد للتساؤل عن كيف تكون علاقة الطبيب بالمريض . المريض والطبيب علاقتهما علاقة إنسانية أولا، فإذا انتفت الطبيعة الإنسانية من العلاقة فماذا بقي ؟ بقيت علاقة بائع خدمة ومشتري لها وقد نقبل بهذا . فالمشترى دائما هو الأقوى، وليس البائع وخصوصا في الأسواق الغير محتكرة وهنا يصبح الطبيب هو الحلقة الأضعف في العلاقة .
ولنطبق هذا على علاقة السياسي بشعبه، فإذا لم يؤمن السياسي بأنه ابن من أبناء المجتمع ويربط نفسه به إنسانيا واجتماعيا فلقد خسر خسارة كبيرة قبل حتى أن يبدأ، فإذا انتفت إنسانية العلاقة فان على السياسي أن يعلم انه يتحرك من خلال مجتمع وداخله، فإذا انقطع الاتصال، فليس من الصعب على المجتمع تغييره حتى وإن دفع المجتمع ضريبة الدم والجهد والمال، ولكنه سيغير القيادة، كما يغير المريض الطبيب الذي لا يثق به .
لنعد مرة أخرى إلى مقارنات المريض بالطبيب . في أطبائنا من لا يحس المريض بالأمان معهم، بسبب أقوالهم وبسبب تصرفاتهم وأسلوبهم في المعاملة، وأولى حقوق المريض في العالم، أن يحس بالأمان مع الطبيب الذي يعالجه، فلا فائدة في علاقة ليست مبنية على الاحترام المتبادل والأمان، ومتى ساد بينهما الشك، فمن الأفضل أن يتنحى الطبيب وأن يترك المجال لطبيب آخر يتولى العلاج، وإذا أصر الطبيب على مواصلة عملة المشكوك فيه أصلا، فسوف يثور المريض . وسيغير ليس الطبيب فقط بل وسيغير كامل المستشفى .
ثم هنالك الشفافية، الشفافية هي أساس العلاقة بين المريض والطبيب، يجب أن يشعر المريض ويثق انه ليس هنالك ما يخفى عليه في حالته، وان الطبيب يطلعه على كامل تصرفاته معه، ويعلم الهدف من أي تحليل أو اختبار، يعلمه ويثق به، فإذا انعدمت هذه الثقة وهذه الشفافية، فالعلاقة مكتوب عليها الفشل، وهي نفس العلاقة بين السياسي والقائد مع أمته، فكم نرى من تأثير سيئ لانعدام الشفافية بين السياسي وشعبه، فبانعدامها، لا يمكن للمريض أن يستفيد من علم وخبرة الطبيب، ولن تستفيد الأمة من خبرات وقدرات وخطط القائد أو السياسي .
أليست هذه حالتنا مع سياسينا وقادتنا، معظم الشعوب لا تشعر بالأمان مع سياسيوها، ومع قادتها، أليس من الواجب أن يتغير هؤلاء الساسة وتتغير طرق العمل قبل أن يقوم المريض بتغيير كامل المستشفى ويغير الشعب كامل النظام ؟
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان
http://salehalsulaiman.blogspot.com/2011/12/blog-post_19.html