“الْدَّرْجَ ألْمنْ”… انتخابات 2009
محمد ولد أبــات ولد الشيخ
6110123 – 2281491
Batta122000@yahoo.fr
أوضحت إتفاقية دكار، التي تمت رعايتها من طرف الرئيس السنغالي والمجتمع الدولي، مدى قوة وقدرة ممثلي الجنرال على التفاوض، وتوظيف عناصر القوة والضغط، للحصول على نصيب معقول من الاتفاق، و تقديم حد أقل من التنازلات. وذلك رغم الضغوط الدولية الكبيرة، وتحقق ذلك بفضل الدعم الكبير لهم كمفاوضين ممثلين لتيار يضم السواد الأعظم من الموريتانيين، بأغلبية برلمانية ساحقة، تعززها المبادرات الشعبية والأحزاب السياسية، في مقابل مجموعة محدودة جدا من الفاعلين السياسيين منغلقة على ذواتها، إذا ما استثنينا التكتل وجماعة مسعود والتي لا يجمعها ولاء، ولا يمكن لها أن تستمر بنفس درجة الاتفاق، هذا فضلا عن ضعف المفاوض الآخر من حيث محدودية التأييد الشعبي، وقلة الممثلين في البرلمان، والمنتخبين المحليين. وهذا العنصر هو الذي يفترض أن يكون قاعدة المحاصصة السليمة والمعقولة.
كان ذلك بشكل عام، أما إذا ما دخلنا في التفاصيل فهناك الكثير من الأخطاء.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يلاحظ المراقب أن أغلب الوافدين المبايعين للجنرال، لا يخرجون من عنده بنفس الحماس الذي يدخلون به. طبعا بالإضافة إلى محاربته المعلنة على الناخبين الكبار، أعني رموز الفساد، والذين لا تزال قيمهم سائدة في المجتمع.
فكل ناخب يحاول أن يحصل على امتيازات مقابل تعبيره عن صوته، ولا يقبل بالوعود، لأنه يشك في نفسه، فضلا عن غيره، مما يجعل تلك الرموز مؤثرة في النتائج، من خلال قيمها، وحاسمة جدا، إذا ما استخدمت وسائلها.
أيضا هشاشة العلاقة بين الشعب والجنرال، إذ يعتمد على إنجازات لمدة أشهر، معروف مقدما أنها جزء من الدعاية، وأما ولاؤها فليس له عمق، إذا ما اعتبرنا المسؤولية المباشرة في كثير مما حدث منذ 3 أغشت 2005، بما فيها الدعم الصارخ للرئيس المخلوع، ثم الانقلاب عليه، على الأقل يمكن اعتبار ذلك تجربة مفيدة، في طريقة الوصول للسلطة، وهزم المرشح القوي أحمد ولد داداه، بل واعترافه بالنتائج، وتسليمه بالأمر الواقع، وإن كان هذه المرة أضعف ناصرا وأقل عددا، فعلى الرغم من تهافت الناس عليه في المرة الماضية، ونظافة ماضيه السياسي، فإنه هذه المرة عرف الكثير من الحيرة والتردد، في المواقف، مما لون ذلك الماضي، فضلا عن إحجام، إن لم أقل تطاير الناس عنه، مما يجعله الأقل حظا، في الحصول على مؤيدين له في الشوط الثاني من الجبهة، خصوصا إذا ما تذكرنا سبب تربع مسعود على رئاسة البرلمان، وهو ما يفسر بدوره ترشح مسعود، لأنه ربما يريد أن يلعب نفس الدور، وخصوصا بعد فقده لكثير من شعبيته، لصالح أحمد في الشوط الثاني من الانتخابات الأخيرة، وفقد جزء آخر لصالح الجنرال. وشعبيته – أي مسعود – أصلا لا تمثل قبل التراجع الحاصل فيها إلا القليل جدا، نظرا للسيرة والخطاب، فضلا عن القضية، فهو لم يستطع حتى إقناع الإسلاميين بدعم ترشحه، على الرغم من التنسيق القوي بينهم في الفترة الأخيرة، بل اكتفى بكونه مرشحا للجبهة، التي فقدت ثقلها بترشح جميل، والذي بدوره لم يستطع إقناع مسعود، وفضل كل منهما إظهار شعبيته في الشوط الأول، على أمل لعب دور تفاوضي، على طريقة مسعود في الشوط الثاني، إذا كان هناك شوط ثان أصلا، على الرغم من محاولتهم تلطيف اختلافهم، حتى لا يقعوا في مجابهة، وخصوصا باعتمادهم على نفس الطبقة من المجتمع، والتي قد يجدون فيها آذانا صاغية لخطابهم، ومهما يكن فإنهم يعلنون توحيد جهودهم لإسقاط الجنرال، ولو تطلب ذلك التعاون مع الشيطان، ولكن ليس قبل الشوط الثاني، وبمقابل مضمون، كل حسب نتيجته ونسبته. ومن المعروف أن أسغير يدخل عليهما في الخط ذاته، ولاشك سيضعف النتيجة، إن لم يكتسح أغلبيتها على الأقل حسب حساباته هو.
غير بعيد يغازل صار السلطة، من وجهة نظر أخرى، وبمعطيات جديدة، هدفها هو تحقيق نسبة معينة، لشريحة معينة، لن تتجاوز نتائجها عددها المحدود، بعد أن يأخذ كل مرشح نصيبه منها، وإن كان النصيب الأكبر للسيد كان، والذي يراهن عليه.
أما أعل ولد محمد فال، ابن عم الجنرال، فترشحه يمكن تفهمه، على الرغم من التشويش الذي يسببه، إذ ولأول مرة، يعتقد أنه الوحيد القادر على هزيمة الجنرال، وأنه بذلك سيحصل على دعم المعارضة، والجبهة، بعد أن يحقق نتيجة في الشوط الأول ترشحه للشوط الثاني، هذا طبعا فضلا عن تحويل مشاكله مع الجنرال إلى قضية سياسية.
على كل حال فإن جميع المرشحين ما عدى الجنرال، يعتمدون في حساباتهم على الشوط الثاني، ويعززون فرضيتهم، بتشتت الناخبين، ومسيرات ولد الطايع التي تجوب العاصمة، وترشح هيين، وولد عبد الله، ومحاولة ولد الواقف إعاقة الإجماع الوطني، بعد خروجه من السجن، معتمدا على قدرته في التأثير على سيد ولد الشيخ عبد الله.
من المعروف لدى النخبة، أن جميع المرشحين يلعبون في الوقت بدل الضائع، ولذلك قرر قطب الجنرال التنازل عن كل شيء، وفتح جميع الفرص، لإثارة الجمهور، وضمان استمتاعه، فالمعركة الداخلية حسمت قبل 6 أغشت بزمن، واليوم لم تعد هناك معركة خارجية، مهما حاول البعض المناورة، والنتيجة لا تمكن معادلتها، فضلا عن التغلب عليها، فالمرشح محمد ولد عبد العزيز صوتت له الجبهة والمعارضة، قبل مناصريه، في داكار، إذ لم يعد انقلابيا، ولا مغتصبا للسلطة، بل أظهر الكثير من القدرة على التفاوض والمناورة، إذ تم الاعتراف به، داخليا، وخارجيا، واستطاع استغلال الضغوط المسلطة عليه لمحاربة مناوئيه، ليثبت للجميع أنه جنرال بجدارة، ومع مرتبة الشرف، ووسامه، إذ لم يستخدم أية أسلحة محظورة، في النيل من خصوم لا يتورعون عن الاعتداء عليه، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، وإذا كان (بوريس أفيان) قد قال بأن “أنظف العسكريين هو أقذر المدنيين” فإن الواقع يقول اليوم أن “أقذر العسكريين هو أنظف المدنيين”.
ربما تخطئ حسابات المرشحين جميعا، حينها سيتجاوزهم المرشح ولد عبد العزيز في الشـوط الأول، وبنسبة 61% على الأقل، وعند تقسيم النسبة الباقية بينهم، ربما يحظون بالترتيب التالي، كل حسب ما يحصل عليه.
ضمن نسبة مشاركة ستكون هي الأكبر من نوعها في موريتانيا، على مر جميع الانتخابات السابقة، وطبعا لن تكون تلك النتائج بالمحاصصة، كالحكومة أو اللجنة المستقلة، بل ستكون معتمدة على المد الجهوي، والقبلي، والخطابي، والوسائل، والحمية، حمية الانتخابات، والتاريخ، والمهد، واللحد، في نسب متقاربة عموما وضئيلة.
أحمد ولد داداه بنسبة 11 %
جميل منصور بنسبة 03%
مسعود ولد بلخير بنسبة 03%
صار إبراهيما بنسبة 02%
كان حامدو بنسبة 06%
أعل ولد محمد فال بنسبة 10%
أسغير ولد أمبارك بنسبة 01%
هذا في أحسن الاحتمالات بعد الوقوف على تفاعلات الساحة والحراك الوطني، فهم شركاء في الثلث، وطبعا تزيد نسبة الجنرال إذا ما حدثت انسحابات أو عدم ترشح أحدهم.
أما الأماني فهي تضليل، وجزء من الدعاية، ولكن يبقى أحمد و أعل أهم المنافسين، فأيهما سيصبح زعيم المعارضة الديمقراطية، ربما يكون للجبهة دور في ذلك، الله أعلم.
وعلى كل حال، فكل هذه المعطيات لا تفسد للود قضية، فالأمر الواقع واقع لا محالة.
www.souhoufi.com