محمد جميل منصور: “المجلس العسكري ينتمي إلى مرحلة انقلابية وينبغي أن يذهب معها”
jeudi 18 juin 2009
محمد جميل منصور رئيس حزب التجمع من أجل الإصلاح والتنمية (تواصل) ومرشحه لرئاسيات 2009 شخصية سياسية معروفة ومتميزة، أثار قرار ترشيحه للرئاسيات القادمة كثيرا من اللغط من طرف مناوئيه وخصومه، وأثير حوله الكثير من الشائعات، كل يؤولها حسب مبتغاه.
هذا إضافة إلى أن توجه التيار الإسلامي بعد اتفاق دكار، وعلاقته بالجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية -التي يقودها حاليا- بعد ترشيحها لرئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بولخير، كان مثار جدل هو الآخر..
كل تلك مجرد علامات استفهام من بين علامات أخرى تطرح بإلحاح في ساحتنا السياسية التي لم تتحدد معالمها السياسية بعد، رغم إعلان الكثير من السياسيين عن مواقفهم من اقتراع 18 يوليو 2009.
ل هذه المواضيع وغيرها تناولها هذا الحوار الذي نعترف أن شواغل الرجل حالت دون تعميقه أكثر، ورغم ذلك -ومهما اختلفنا أو اتفقنا- يبقى الحوار مع جميل حوارا مهما كان حجمه ومقداره.
نقلا عن أسبوعية “المستقبل الموريتاني”
سؤال : هل لكم أن تحدثونا عن دواعي ترشحكم للرئاسة الذي فاجأ البعض إن لم يكن فاجأكم أنت ايضا؟
جواب : بخصوص هذا الترشح -الذي أود أن أسميه ترشيحا لا ترشحا- هو أن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) في إطار أعلى مؤسساته بعد المؤتمر -وهي المجلس الوطني- وبعد تحليل لوضع الحزب ووضع البلد في الاستحقاقات القادمة، قدر أن هذه الفرصة الانتخابية التي تدخلها البلاد بعد الحل التوافقي الذي وقع في دكار، تسمح له أن يتقدم للموريتانيين برؤيته لحل مشكلاتهم. وقدر المجلس الوطني أن رئيس الحزب يمكن أن يعبر عن هذه الرؤية من خلال برنامجه الانتخابي وحملته الانتخابية.
صحيح أن أي حزب يهدف أصحابه إلى أن يحققوا الهدف المطلوب، وصحيح أن أي حزب سياسي يتأسس من أجل الوصول إلى السلطة، قد يكون ذلك الوصول سريعا وقد يتطلب بعض الوقت؛ لكنه هدف مشروع لأي حزب سياسي.
فالتجمع الوطني من أجل الإصلاح والتنمية (تواصل) في هذه الاستحقاقات -خلافا لما عرف عنه- يريد أن يقدم رؤيته وبديله للناس، فيعرف جوابه على اقتراحه، ويقترح عليهم شخصا وينتظر جواب الموريتانيين، وعلى ضوء جواب الموريتانيين وطبيعته ونسبته ونوعه، سيقوم بتقويم نفسه وأدائه.. وبالتأكيد سيأخذ هذا الجواب بعين الاعتبار في الجوانب الاجتهادية من رؤيته، وفي مواقفه المستقبلية وفي التعامل مع الاستحقاقات الانتخابية.
قد يكون هذا الترشيح مفاجئا للبعض؛ بل قد يكون مفاجئا لبعض أفراد الحزب.. لكنه كان من ضمن خيارات تم بحثها بشيء غير قليل من النقاش، وتم عرضها على بعض القطاعات المهمة في قواعد الحزب. وبالتالي رأى الحزب بناء على هذا التحليل وبناء على هذا التشاور أن هذا الخيار هو الأكثر تعبيرا عن إرادة أعضاء التجمع الوطني للإصلاح والتنمية رجالا ونساء.
سؤال : البعض من خصومكم -وحتى أصدقائكم- يرون أن ترشح الحزب يراد منه رفع الحرج تجنبا لدعم مرشح الجبهة والتهيئة لدعم مرشح آخر في الشوط الثاني، فما حقيقة ذلك؟
جواب : حين يأسر السياسي نفسه فيما يتردد من شائعات سيجد صعوبة كبيرة في التعاطي مع الرأي العام.. المهم عندنا أن نقول ما نحن مقتنعون به وأن نمارس ما قررناه.. أن ينصفنا البعض ولا ينصفنا البعض الآخر.. أن يتعامل معنا البعض بظاهر ما نقول ونفعل، وأن يبحث الآخر عن تأويلات وتفسيرات.. هذه أمور قد نهتم بها ولكننا لا نهتم بها كثيرا.
أما نحن فلا يوجد لدينا أي حرج من أي مرشح؛ وبالمناسبة نحن آخر حزب اتخذ قراره بشأن الرئاسيات القادمة. وكنا أيضا -بشهادة الآخرين المنصفين- رأينا أن غالبية أحزاب الجبهة ترى في السيد رئيس الجمعية الوطنية المرشح المناسب للرئاسيات وخيار الحزب غير هذا؛ وبالتالي كان لنا خيار آخر، والأمر لا يعدو ذلك ولا ينبغي أن نبحث له عن تفسيرات.
لو كنا مقتنعين بدعم مرشح آخر لفعلنا؛ فهذه لم تكن المرة الأولى التي نشارك فيها في الرئاسيات، وليست أول مرة نساند مرشحين لم يكن منتظرا منا أن نساندهم من طرف البعض؛ وخصوصا من طرف بعض من تشير إليهم.
نحن نقدر تقديرا عاليا المرشح الذي دعمته غالبية أحزاب الجبهة فاستحق أن يكون مرشح الجبهة، ونعتقد أنه من أهم مرشحي الرئاسيات الحالية؛ لكن حزبنا ارتأى رأيا آخر هو أن يرشح من بينه، ويعتبر أن معركة الرئاسيات القادمة ينبغي أن تكون معركة رؤية وبرنامج.. والإقدام على البرنامج والرؤية يختلف عن الإقدام على معارك التحالفات من أجل أهداف محددة؛ قد نتفق في هذه ونتباين في تلك.. وبالتالي فإن ترشحنا ليس نفيا لحرج ولا غطاء لغيره.
سؤال : سنظل في الشائعات، وأظن أنها مهمة لتردوا عليها؛ يقال إن الجبهة رشحتكم ورفضتم، فما حقيقة ذلك؟
جواب : هذا غير صحيح، وهو شرف لنا لو كان قد وقع؛ لكننا كنا صريحين مع زملائنا، حينما سألنا أحدهم : لماذا لا تتقدمون بمرشحكم من أجل أن يكون مرشحا للجبهة؟ وأجبنا بصراحة لم يتعودها السياسيون كثيرا وبلا مراوغة، أننا وجدنا من غير اللياقة أن نرشح مرشحا لأحزاب عبرت عن رأيها في المرشح الذي تريده.. لن يكون ذلك لائقا؛ لا مع المرشح الذي أعلن عنه ومكانته ودوره ومنزلته، وليس لائقا مع الأحزاب التي عبرت عن موقفها؛ وبالتالي اكتفينا بأن المرشح مرشحنا وأننا اتخذنا هذا القرار بناء على جملة من الاعتبارات شرحناها لزملائنا في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية.
سؤال : ربما يتوق الجميع ممن عرفوكم عضوا فاعلا في الجبهة ورئيسها الدوري لمعرفة علاقتكم بالجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية حاليا؟
جواب : ما زلت الرئيس الدوري للجبهة إلى أن تنتهي مأموريتي التي قد تنتهي في يومين حسب المقررات التنظيمية للجبهة ورئاستها التي تستمر شهرا، بعد ذلك سأكون عضوا في مجلسها الرئاسي، وعلاقتنا بها علاقة سالكة على هذا المستوى.
سؤال : يستغرب الكثيرون إعلانكم للترشح للرئاسيات في الجبهة رغم الغموض الذي ما زال يطبع الوضع السياسي في البلد وما يعترض الاتفاق من عراقيل مع ضيق الوقت الذي يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية، فما تفسيركم لذلك؟
جواب : نحن في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية كنا من الأطراف التي ساهمت في اتفاق داكار واعتقدنا أن هذا الاتفاق ينبغي أن يكون بداية لمرحلة جديدة؛ صحيح أنه لم يكن مرضيا بالكامل وكانت عليه ملاحظات وتحفظات ووقع في أجواء فيها بعض الإكراهات.. لكننا رأينا أن المصلحة الوطنية ومستقبل الاستقرار في البلد ومستقبل الديمقراطية -ولو مع بعض الرتوش التي فرضتها أجواء المفاوضات- أهم من غيره؛ وقد أقدمنا على الاتفاق وأعربنا عن ارتياحنا له، وسجلنا للأطراف التي ساهمت في صناعته موقفها الايجابي المساهم في الخروج به.
لدينا تحفظات كبيرة على التعثرات في تنفيذ هذا الاتفاق، ونعتقد أنها غير مناسبة؛ سواء بالنظر للوقت المتبقي للرئاسيات، أم الأمل الذي خلقه الاتفاق في أذهان الموريتانيين.. وبالتالي لا تنبغي إعادة الإحباط إليهم.
المهم أن الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية تعتبر أننا بعد اتفاق دكار دخلنا أجواء جديدة تترتب عليها انتخابات، ومن الطبيعي لمن ناضل من أجل إفشال الانقلاب واستعادة الجو الانتخابي والديمقراطي أن يكون جاهزا ومتحمسا للمشاركة في الاستحقاقات التي ستكون.
نحن فاعلون سياسيون، والفاعلون السياسيون والأحزاب السياسية مهمتها المشاركة في الانتخابات إذا توفر الحد الأدنى المعقول والمقبول من شروط الشفافية ونزاهة هذه الانتخابات.
سؤال : نحن الآن أمام عقبة حل المجلس الأعلى للدولة؛ فهل ترون أن بالإمكان تجاوزها خلال يوم أو يومين، أم لا بد لها من وقت رغم أن المهلة الانتخابية لا تسمح بذلك؟
جواب : لا ينبغي -في الحقيقة- أن يشكل عقبة؛ فمجلس ينتمي إلى مرحلة انقلابية ينبغي أن يذهب معها. الأمر بسيط جدا ولا ينبغي أن نتشبث بأمر لا يمكن أن يقنع أحدا..
هذا المجلس مؤسسة من مؤسسات المرحلة الانقلابية؛ نحن عملنا عملا توافقيا قلنا إننا سنعود فيه إلى الحياة الدستورية والحياة الشرعية.. إذن علينا أن نتجاوز هذا الإشكال؛ لكن ذلك لا يعني ذلك أي مس أو أي نيل من المؤسسة العسكرية، وبالتالي فهي مصونة المكانة والاحترام؛ وإنما الأمر متعلق بحالة انقلابية ينبغي أن نتجاوزها إلى حالة دستورية.
سؤال : هل لديكم أمل في تجاوزها سريعا؟
جواب : الأمل موجود، وأعتقد أن ذوي النوايا الحسنة يبذلون جهودا طيبة في هذا المجال، وأعتقد أن الأيام أو الساعات القادمة قد تشهد انفراجا إن شاء الله.
سؤال : عندما ننظر إلى الخريطة السياسية نجد من ضمن مكوناتها ضابطين قاد كل منهما انقلابا عسكريا؛ هذا إلى جانب قوى سياسية ناضل أصحابها من أجل تكريس الديمقراطية، فلمن منهما ستكون الغلبة؟
جواب : الذي أعرفه أن القوى الديمقراطية في البلد؛ والتي ناضلت من أجل استعادة الديمقراطية.. ينبغي أن تترجم هذا النضال في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. أنا لا أريد أن تكون هناك مواجهة لازمة بين المدنيين والعسكريين.. ليس الأمر كذلك.
صحيح أننا كنا في القوى الديمقراطية نرى أن مشاركة العسكريين في الانتخابات وفتح الباب أمامهم ليسا واردين؛ لكن أجواء الاتفاق كانت تقتضي تنازلات مؤلمة، وأعتقد أن من هذه التنازلات السكوت أو التغاضي عن هذه المسألة، نرجو -رغم أن المؤشرات والقرائن لا تشجع على ذلك- أن تكون الاستقالات من الجيش استقالات فعلا.
لكن الشعب الموريتاني والقوى السياسية يعرفون من يستطيع أن يكون ممثلا حقيقيا للتوجه الديمقراطي، من يمكن أن يكون في ظله تطور ديمقراطي.. وعليه ينبغي أن يكون ذلك موجها لتصويت الشعب وتوجهه وإرادته في الانتخابات القادمة التي يصعب التكهن بطبيعتها والتنافس فيها وبطبيعة الحال نتائجها.
سؤال : يبدو أن الإسلاميين أصبحوا رقما صعبا، بحيث أصبح الجميع يغازلهم.. حتى أن أحد المرشحين أثنى عليهم وعلى نضالهم من أجل الديمقراطية، فهل وضعتم حسابا لذلك؟
جواب : الذي يأسر نفسه في الماضي لا يستطيع أن يعيش حاضره ولا يستطيع أن يكون وعيه للمستقبل وعيا سليما، صحيح أننا نعتقد أن هناك مواقف وتصورات -بل ممارسات مارسها البعض- مناقضة لثوابت الديمقراطية، ومناقضة لثوابت من نوع آخر؛ لكن -من جهة أخرى- كلما تغير موقف وعبر عن توجه جديد.. إذا لم تكذب هذا التوجه وهذا التصحيح قرائن ومؤشرات في الأفعال؛ نعتقد أنه تطور في المواقف يجب أن يسجل باهتمام.
نحن الآن نغازَل كما نغازِل.. لأننا مهتمون باستحقاق رئاسي منافسون فيه؛ وعليه أعتقد أن هذا الغزل في هذه المرحلة من الانتخابات نتيجته لا تنتظر عمليا.
أما بعد الشوط الأول فذلك حديث آخر يتأسس على منطلقاتنا في القوى الديمقراطية الفاعلة، وعلى قراءتنا للمشهد السياسي من ناحية ثانية. وأعتقد أن دور العواطف في تلك المرحلة قد لا يكون كبيرا.
سؤال : من تغازلون حاليا، وما هو خطابكم الذي تتوجهون به للرأي العام حتى يتسنى له أن يغازلكم؟
جواب : نغازل موريتانيا والموريتانيين جميعا، ونود تماما أن نوصل خطابنا للموريتانيين وأن يفهم الموريتانيون أن هناك محاولة لتقديم تصور وحلول تخرج على بعض القواعد التقليدية التي تعودتها الساحة.
بالتأكيد حوارنا مفتوح مع الجميع، من استطعنا أن نقنعه بتوجهنا، من قربناه أكثر، من صححنا صورة عنده، من أقمنا معه علاقة إيجابية؛ ولو اختلفنا في التصور مع من اختلفنا معه، وينتقد بعضنا بعضا.. لكن في مسؤولية واحترام.
نغازل الجميع ونود أن تصل رسالتنا للجميع، ونريد أن نقنع الجميع وأن يقتنع الجميع أن التجمع الوطني للإصلاح والتنمية -من خلال رؤيته ومرشحه- يتقدم للموريتانيين برؤية موريتانية تتأسس بالتأكيد على خياراته الفكرية؛ لكنه خيار وطني مفتوح وليس مغلقا؛ لا على المستوى الإيديولوجي ولا على المستوى البش