شكرا للرئيس واد

من السهل معرفة سبب هذاالاعتراف بالجميل , بعيد التوقيع على الاتفاق الذى وضع حدا للآزمة الموريتانية والذى لم يكن ليرى النور لولا الجهود المضنية التى بذلها الرئيس السينغالى. ومما يزيد من قيمة هذا الانجاز, شدة تعقيد الأوضاع فى بلادنا , والذى تعبر عنه السطور التالية التى كتبت قبل بداية مفاوضات داكار الماراتونية

تبدأ غدا فى داكار مبارات غريبة و حيوية بالنسبة لموريتانيا بين فرقتين تضم احداهما اللاعبين الموريتانيين من مختلف الطوائف والمصممين على التمادى فى خصاماتهم اللامتناهية , وفى الطرف الآخر فرقة دولية متنوعة الى أقصى حد لكنها موحدة رغم ذلك حول ارادة قوية هدفها ارغام الموريتانيين على … الفوز وكسب الرهان. الا أن اللاغبين الموريتانيين لا يمكن أن ينتصروا الا معا بينما يعنقد كل واحد منهم أنه لن يفوز الا اذا فشل جاره , حتى ان بعضهم ربما يصل به الأمر الى تمنى الفشل لنفسه اذا كان ذلك هو السبيل الوحيد لفشل خصمه. و رغم ذاك , فقد حصل بعض التقدم بفضل الوساطتين الليبية والسينغالية قبل أن تتوحدا تحت اشراف الزعيمين الشهيرين القائد معمر القذافى وعميد الرؤساء الأفارقة عبدالله واد المدعومين من طرف المجتمع الدولى ممثلا بفريق الاتصال الذى يضم بالخصوص الاتحاد الاقريقى والاتحاد الأوروبى و الأمم المتحدة والجامعة العربية والمؤتمر الاسلامى الخ…

كانت هذه بداية مقال أردت نشره لتنبيه الجميع على خطورة وضع كان الكثير يفضل تجاهله , وعلى أن بلادنا تحتاج قبل كل شييء الى قسط من الهدوء والتعايش السلمى ان لم يكن الوئام , والكف عن تبذير طاقاتها المحدودة فى منافسة مضنية لكسب عطف مجتمع دولى نحاول اقحامه فى خصومات لا يرغب فى التورط فيها. ثم عدلت عن نشر اى شيء قبل نهاية مفاوضات دكار, خوفا من التأثيرعليها سلبا عكس ما هو المراد… ففى ذلك الوضع الذى كانت فيه المواقف متصلبة والأفكار متأججة كانت كل كلمة يمكن أن تفسر تفسيرات مغرضة لاتساعد على ما هو مطلوب . لذلك اكتفيت بما أمكن من محاولة الاقناع والتأثير المباشرعلى الأوساط المعنية… وبالدعاء بالتوفيق للجميع الى ما يرضى الله ويخدم مصلحة عباده.

وبعد الحمد لله على ما من علينا به من نعمة وعافية , لا شك أن هناك واجب الاعتراف بالجميل للذين ساعدونا فى هذه الظروف الحرجة , أمثال عبد الله واد وغيره وفى مقدمتهم طبعا القائد معمر القذافى الذى اثار تدخله ضجة اعلامية ضخمة وجدلا خارجىا و داخلىا حرك القضية بعد ما طال ركودها. كمانذكر أيضا و زير الخارجية السينغالى الشيخ التجانى غاديو ومعالى الوزير عالى التريكى و ممثلى القائد القذافى الآخرين مثل نافع المدنى و المدنى الأزهرى, ومنهم رمضان العمامرة مسؤول لجنة السلم والأمن الافريقية الذى لعب دورا ممتازا, وكذلك أحمد بن حلى نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية , وسعيد جنة ممثل أمين عام الأمم المتحدة و ممثلوأطراف دولية أخرى مثل منظمة المؤتمرالاسلامى ومنظمة
الافرنكوفونية… كما يجب أن لا ننسى السفراء الأجانب الذين لعبوا فى بعض الأحيان دورا أساسيا لانقاذ الموقف.
وفعلا فان المجتمع الدولى قلما اعطى نزاعا مشابها أهتماما بهذاالحجم. رغم ذلك , لم يكن النجاح مضمونا لأن الهدف لم يكن فرض حل جاهز مسبقا على الجميع, بل اقناع الجهات المتخاصمة بقبول حل هم الذين يضعونه, بالتعاون مع الوسطاء فقرة فقرة , ولو كان بالطبع لا يرضى أى فريق مع قناعة الجميع بأنه هو وحده…الممكن.
الوساطة فن دقيق صعب المنال , يتطلب من صاحبه التحلى بعدد من الخصال قل أن تجتمع فى انسان واحد , منها مستوى عالى من الصبر ومن الثقة بالنفس مع التواضع الحقيقى وهدوء الأعصاب أمام النقد ولو جائرا …وبالطبع خصال أخرى عادية مثل الذكاء والحيوية و الجرأة ….ولا غنى مع كل هذا عن ما شاء الله من التوفيق
كان اذا لا بد من كل هذه الشروط ليستطيع الوسيط الرئيسى التعامل مع جدلية المفاوضين وتنسيق مواقف جهات المجتمع الدولى المختلفة , حتى تتغلب الارادة الحسنة المشتركة على تناقض المصالح المتعددة.

من التحديات الدقيقة التى يظهر أن الرئيس واد نجح فيها , ازدواجية رعاية الوساطة بينه و بين صديقه القائد معمر القذافى الذى لا يمكن ان تكون وساطته الأولى قد فشلت , وها هى بحمد الله قد نجحت.
هذا ولا شك أن احدى أهم خصال رجال الدولة التى يوصف بها الرئيس واد و هى حسن اختيار مساعديه , قد لعبت هنا دورا أساسيا لما أبداه وزير خارجيته الشيخ التجانى غاديو من براعة نادرة فى تسييرهذه المفاوضات المستعصية , حتى أنه أصبح من الممكن وصفه بتاليران الافريقى وربما بعمرو بن العاص الحديث.

تساءل البعض… لما ذا كل هذا التفاني فى خدمة موريتانيا , فى محاولة حل مشاكل موريتانيا…وفعلا وصل الأمر أحيانا الى حد يثير الاستغراب , عندما أصبح واضحا للجميع أنه لم يبق هناك أي أمل فى نجاح الوساطة , ورغم ذلك لم يعترف واد بالواقع واستمر فى محاولاته حتى ساعده الحظ. أما الأسباب والدوافع والخلفيات … فمن المعلوم سلفا أن الدول لا تهتم الا بما لها فيه مصلحة , مباشرة أم غير مباشرة , ظاهرة أم خفية. لكن ليست المصالح متناقضة بالضرورة ولا الخلفيات والنوايا بالضرورة سيئة. من البديهي مثلا أن هناك مصالح كثيرة مشتركة بين الجارتين وأن الكثير من مواطني كل من البلدين يعمل عند الآخر, فاستقرار الأوضاع فى كليهما وسلامة اقتصاده يهم جاره …ولآ شك أن للرئيس واد فى الأمر مآرب أخرى تفيده هو لكنها لا تضرنا نحن , فقد زادته هذه الوساطة الناجحة بشكل مثير ونادر وزنا ضخما على المستوى الدولي وينعكس ذلك بعض الشيئ على المستوى الوطني, بحيث لا يكون من الغريب أن نسمع عن قريب الحديث عن ترشيح الرئيس السنغالي من بعض الجهات الدولية لاحدى الجائزات الكبرى. ولم لا وقد سبق له أن قام بوساطات اخرى أو ساهم فيها قبل هذا النجاح الأكبر فى بلادنا. شكرا له على كل حال وهنيئا له اذا كللت جهوده بما يستحقه من تكريم.

يبقى على الموريتانيين استخلاص الدروس واستغلال طاقاتهم الذاتية للخروج من المآزق التى يخلقونها لأنفسهم , فما كل المصلحين أصدقاء نزيهون ذوو مصالح مشتركة معنا ولا بخلو العالم من قوى مختلفة الحجم ومتعددة الأطماع.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى