زواج المتعة السياسي

شاءت الأقدار أن أعايش الشأن السياسي الوطني منذ ثلاثة عقود، كنت شاهدا على أهم التقلبات السياسية التي صاحبت هذه المرحلة الحاسمة.

من تاريخ هذا البلد..أتذكر يوم وقع انقلاب 10 يوليو و 12/12 و 03 أغشت و 06 أغشت. كما كنت شاهدا على بداية الإرهاصات الأولى للتجربة الديمقراطية في منتصف الثمانينات، قبل أن تهب رياح التغيير عقب سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة؛ وأتذكر كذلك قمة لابولLa beaule الشهيرة التي ألزمت فيها فرنسا مستعمراتها القديمة باتباع نهج جديد في الحكم.

.
في الواحد والعشرين يوليو 1991 دخلت موريتانيا مرحلة الجمهورية الثانية بالمصادقة على دستور جديد يكرس التعددية السياسية، لتدخل بعد ذلك التجربة الديمقراطية في مرحلة جديدة؛ تميزت هذه المرحلة بتجاذب سياسي شديد بدأ عندما أعلن المرشح للرئاسية 1992 السيد أحمد ولد داداه عدم اعترافه بنتائج الاقتراع ومقاطعته للإنتخابات البرلمانية اللاحقة احتجاجا على ما أسماه التزوير الصارخ للإنتخابات الرئاسية.

لقد ترسخ في ذهني طيلة العقد الأخير من القرن العشرين أن السيد أحمد ولد داده لم يألو أي جهد لمواجهة نظام ولد الطايع؛ إذ دخل الرجل السجن وأُذِل وأُهين بشكل مستمر وممنْهج، كما ضويِق أنصاره وحوصروا سياسيا ووظيفيا، لكن الرجل بقي صامدا ومصمما على مصارعة هذا النظام الفاسد الذي بناه ولد الطايع مع رفاقه واستخدموه أسوأ استخدام عبر اتفاق غير معلن لكن منطقه يقضي بأن يكونوا دعما له حتى يبقى رئيسا أطول فترة ممكنة على أن يسمح لهم بنهب المال العام وممارسة الفساد الاداري والمالي والأخلاقي باسم السلطة وبوسائلها.

حاز السيد أحمد ولد داداه وبجدارة لقب المعارض التاريخي لنظام ولد الطايع وشارك في احتضان الأحزاب والتيارات والشخصيات المتصارعة مع هذا النظام، فقدم الدعم لفرسان التغيير والإسلاميين المطاردين من قبل نظام ولد الطايع، بدا الرجل وكأنه يحمل أمل التغيير ويعمل من أجل ذلك بكل تفان وتضحية حتى سقط هذا النظام صبيحة الثالث من أغشت 2005.

ودارت الأيام، فنُظّمت انتخابات رئاسية جديدة في العام 2007 اعترف عقبها السيد أحمد ولد داداه هذه المرة بفوز منافسه السيد سيدي ولد الشيخ عبد الله. ساءت العلاقة بين الجنرال المتنفذ والرئيس المستورد وأطاح كل منهما باللآخر صبيحة السادس أغشت من العام 2008. اعترف ولد داداه بتحرك الجيش باعتباره تصحيحا قبل أن أن يتراجع ويصفه بأنه انقلابا لا تصحيحا، بدا الرجل مرتبك الموقف وتردد بين المباركة والمعارضة للنظام الجديد، قبل أن تتحرك المجموعة الدولية وتفرض على الأطراف المتصارعة توقيع اتفاق داكار الشهير الذي ينص على تنظيم انتخابات رئاسية جديدة في الثامن عشر من يوليو المقبل

.
وكما كان متوقعا أعلن أحمد ولد داداه ترشه لهذا الاستحقاق، وتشاء الأقدار أن يجتمع حوله رموز النظام الطائعي!!. لقد تصورت ربما خطأً أن نظام ولد الطايع قد ولى عهده وإلى الأبد، لكن سرعان ما صدمت بهذا التشكل السياسي الغريب بين المعارض التاريخي لنظام ولد الطايع مع من نظّر ونفذ وجسد ودافع عن هذا النظام الذي جابهه الرجل ونعته بكل الصفات والنعوت السيئة والمشينة، فهل يحق لنا هنا أن نتساءل عن مغزى هذا التلاقي السياسي؟

فهل يجوز أن يكون أحمد قد أخطأ – بغير عمد- في اختيار حلفائه؟ وهو أمر مستبعد لوضوح دور هؤلاء الحلفاء في توطيد نظام ولد الطايع وطول تجربة الرجل في صراعه مع هذا النظام. أم أن ” تماسيح السياسة ” الذين نظروا لحكم ولد الطايع واستخدموه أسوأ استخدام استطاعوا أن يخدعوا هذا الرجل رغم حنكته السياسية ومعرفته بخفايا اللعبة السياسية في الساحة الوطنية التي عرفها منذ زمن طويل؟

وأخيرا هل من المحتمل أن يكون المعارض التاريخي تنازل عن مشروعه المجتمعي وقرر أن ينحاز للمشروع الذي صارعه طيلة هذه الفترة؟ فهل من المعقول أن يترجل هذا الفارس بعد كل هذه المسيرة النضالية الشاقة ويلجأ إلى أعداء الأمس أصدقاء اليوم حتى يضع أخيرا قدمه على عتبة القصر الرمادي؟ وهل يعقل أن ينحصر حلم هذا الرجل في هذه المسألة فقط؟ حتى لو أدى ذلك إلى استنساخ نظام ولد الطايع بعد أ ن تصورنا زواله إلى غير رجعه.

أنا اليوم في حيرة لا أحسد عليها، فهلا تفضلتم – قراءنا الكرام- بما قد ينير لنا الطريق؟
محمد الأمين ولد صدفي- مهتم بالشأن السياسي.

المصدر : “أخبار موريتانيا”

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى