الوزيرة “الشاعرة” والشاعر السياسي

حين كتبت الوزيرة خديجة حمدي مقالها الجميل “لماذا تُمغربها يا شاعري الكريم”، كانت تكتب باسم كل الصحراويين، ومنهم رفاق للشاعر “كدحوا” معه “ليالي الدرك” القاسية، خلال واحدة من أكثر مراحل موريتانيا تعقيدا، واكثرها خصوبة في انجاب رجال أدركو أن التزامهم القومي بتحرير فلسطين، يبدأ من تحرير جوارهم الاقليمي ونصرة شعب “توأم”، لأن مصطلح “شقيق” لا تفي بالغرض، حين الحديث عن وشائج القربى بين الشعبين الموريتاني والصحراوي.

كانت الوزيرة، في مقالها، تصدر عن وجدان نازف بسبب سقطة الشاعر المدوية، فسرعان ما بدأت أسراب الجمل الدامية تنبعث عفويا من كل أركان المقال، في تناسق عاصف يُزاوج بنجاح كبير بين قوة الحجة المقنعة وأريج العاطفة المكلومة، منتهية الى ترك الانطباع لدى جميع القراء، بما فيهم قراء من المشرق العربي، بأن “جواد الشاعر قد كبا”، ويالها من كبوة.

وكيما يقف جواد “أحمد ولد عبد القادر” على رجليه من جديد، شامخا كعهدنا به، علما بارزا من أعلام الشعر الكادح، المكافح، الناظم لأنات المظلومين أينما كانوا..، كان الشاعر مطالبا، بل مدينا للصحراويين باعتذار.

وصل “الاعتذار” سريعا، وليته لم يصل. على الاقل كنا سننتظر، نمني النفس الى حين، باعتذار قد يأتي، يوما ما، موزونا في “قصيدة ثورية” عصماء، تُسدّدُ دين الشاعر مع كفاح الشعب الصحراوي، وتفي الثكالى والأرامل من بني جلدته حقهن في أبيات لأحمد ولد عبد القادر، يتغنّين بها ويبعثنها مع نسائم الصحراء بردا على قبور أحبائهن المنتشرة في كل حنايا الصحراء الغربية، وتحت أقبية المخابئ السرية المغربية، شاهدا على قساوة “ظلم ذوي القربى”.

وصل “العذر” لنتأكد، أن قدرنا، في هذا الموضوع، هو أن نتجاوز الصدمة ونطوي الصفحة، لكن ليس قبل قراءة الفاتحة ترحما على الشاعر “احمد ولد عبد القادر”، الذي انسحب من “خندقه” الشعري، معلنا ميلاد رجل لا عهد لنا به؛ “أحمد ولد عبد القادر” السياسي، المقيد بحسابات التوازنات والمُطالب بارضاء الجميع من خلال ازعاج نفسه. “الحياد”، “المعضلة”، “حلا سياسيا توافقيا”…، وكأني بالشاعر، في غفلة من الجميع، قد أضحى ناطقا رسميا باسم وزارة خارجية “جزر القمر”.

رحم الله محمود درويش، الذي ادرك أن الشاعر بداخله أكبر من أن تسعه أروقة السياسة، وأنه خُلق من طينة لا يمكن اختزالها في “جدول أعمال” أو “محضر اجتماع”.

أخيرا، وبعد أن يفرغ القارئ، أي قارئ، من قراءة المقالين، سوف يُواجَه بحقيقة ناصعة وهي أن الوزيرة “شاعرة” بارعة، وأن الشاعر “سياسي” بارع هو الآخر…لكن، بين الشعر والسياسة ما بين الايمان والالحاد.

المصدر أحداث نواكشوط

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى