النيابة ترد بقوة على انتقادات نقيب المحامين للعدالة
ردت النيابة العامة مساء الجمعة على نقيب المحامين الموريتانيين ببيان شديد اللهجة، قالت فيه إن ما ورد في التقرير الفصلي ألأخير لنقيب المحامين من تجاوزات في العمل القضائي، “ما هي إلا تلفيقات ومزايدات لا أساس لها من الصحة”. وكان نقيب المحامين قد نشر تقريرا حول وضعية العدالة لشهري يونيو واغسطس انتقد فيه العدالة الموريتانية منذرا بـ “ظهور أساليب غير مسبوقة في إطار عمل جهاز القضاء في البلاد”.
وهذا نص بيان النيابة مرفوقا بتقرير نقيب الهيئة الوطنية للمحامين :
“اصدر نقيب الهيئة الوطنية للمحامين ما اسماه تقريره الفصلي المؤرخ ب 10/08/2009 والذي تحدث فيه عن مجموعة من الأكاذيب والدعايات المغرضة ادعى وهما أنها معوقات وممارسات مشينة تضر بصورة قضائنا الوطني حسب تعبيره.
وبناء على ذلك فإن النيابة العامة تود أن توضح للرأي العام الوطني والدولي كما عودته أن هذه الافتراءات التي وردت في ما سمي ( تقريرا) ما هي إلا تلفيقات ومزايدات لا أساس لها من الصحة ، وكان حريا بصاحبها وهو أحد أعوان القضاء أن يتثبت مما يكتب قبل نشره إن كانت لديه بقية من المهنية والأخلاق .
فالنيابة العامة وعلى العكس مما أورده الكاتب هي الساهر الأول على التطبيق السليم والصارم للقانون وهي الضامن الأول لسلامة الإجراءات ، وهي جزء من مؤسستنا القضائية فما أورده الكاتب من محاولة دق أسفين للتفريق بين مختلف تشكيلات الهيئة القضائية لا يعدو أن يكون محاولة يائسة للنيل من مؤسستنا القضائية ، ولا أدل علي ذلك مما يقوم به المعني من الإشادة ببعض تشكيلات المحاكم وتسميتها ، والإساءة لبعضها الأخر مع تسميته ، فهذا يعكس نيته السيئة في إحداث شرخ في هيئتنا القضائية الواحدة ورغبة في بناء علاقة مع القضاء تقوم علي أساس الزبونية .
وتؤكد لكم النيابة العامة أن ذلك لن يكون بفضل الروح المهنية العالية لمختلف الهيئات القضائية – نيابة ومحاكم- .
أما معلوماته المغلوطة التي أوردها فلا أدل على عدم صحتها من ما ذكر بأن الغرفة الجزائية الاستئنافية بنواكشوط معطلة لعدم برمجة ملفاتها من طرف النيابة العامة فهذا زيف وكذب يفنده كون المحكمة كانت في جلسة علنية صباح اليوم (الخميس) للنظر والبت في مجموعة من الملفات المنشورة أمامها وجلساتها متواصلة ومستمرة حسب الجدول الوارد في الأمر المحدد سلفا لتلك الجلسات الصادر عن رئيس هذه المحكمة بداية العام القضائي الحالي.
وعن ما أسماه إشاعة الحبس التحكمى في المحاكم فهذا ليس أدق من سابقه فالمثال الوحيد الذي ذكر الكاتب مدعيا أنه نموذج حي هو المتهم حنفي ولد الدهاه.
فالواقع أنه تمت متابعته بإجراءات سليمة وأحيل إلى المحكمة المختصة وتمت محاكمته وارتأت المحكمة وضع ملفه في التأمل وهذا إجراء عادي وهو الآن في عهدة هذه المحكمة .
أما كون بطاقة الإيداع الصادرة ضده منتهية الصلاحية من 26/07/2009 .
فهذا غير صحيح لأن المتهم أحيل إلى المحكمة قبل انتهاء مدة صلاحية البطاقة وعندما يحال المتهم إلى المحكمة ويكون في عهدتها تكون هي صاحبة القرار في إطلاق سراحه من عدمه حسب النصوص القانونية .
أما حالة الوفاة التي ذكر الكاتب فإنها كانت وفاة طبيعية عولج صاحبها بصورة مستمرة وكان تحت رقابة طبية كافية، أما الحالة الثانية التي ذكر أنها كانت غامضة فلا وجود لها إلا في ذهن الكاتب .
إن ظاهرة الرشوة والمحسوبية والتدخلات التي ذكر الكاتب والتي لم يقم عليها دليل تبقي في ظل ذلك معدومة – ولا أدل على ذلك من ما افتاته على المجلس الأعلى للقضاء الذي لم ينعقد في الفترة التي تحدث عنها – وهي رغم ذلك ممارسات مقيتة ما فتئت السلطات القضائية تحاربها وخاصة النيابة العامة ، تلك المحاربة التي أدت إلي نمو الضمير المهني لدي الطاقم العامل في الحقل القضائي وذلك أصبح مشاهدا يوميا من طرف المتتبعين للعمل القضائي والذين لديهم نوع من الحياد والمصداقية أكثر، ويتحمل الكاتب المسؤولية القانونية الكاملة في حالة توصل النيابة العامة إلي أي شكاية ضده.
النيابة العامة
وفي ما يلي ملخص تقرير الهيئة الوطنية للمحامين :
تقرير نقيب الهيئة الوطنية للمحامين عن حالة العدالة
يونيو – أغسطس 2009
أولا وقبل كل شيء أعرب عن أملي في إحداث قطيعة نهائية مع بعض الممارسات المشينة التي أضرت مؤخرا بالصورة التي نرجوا أن تكون عليها عدالتنا الموقرة.
ويظهر ذلك من خلال الحبس التحكمي الذي أصبح ظاهرة مميزة لنظامنا القضائي، وآخر أمثلته حالة الصحفي حنفي ولد الدهاه، والذي يوجد حاليا في حالة حبس تحكمي أي أنه خاضع لإجراء غير قانوني منذ 26 يوليو، مما يعني أنه موقوف خارج المساطر القضائية الشرعية.
ذلك أن أمر الإيداع الذي أدخل بموجبه السجن انتهت صلاحيته منذ 26-07-2009.
وتثير وضعية سجن دار النعيم لدينا قلقا كبيرا ومتزايدا بوفاة السجين سيدي ولد صمب يوم 06- أغسطس 2009، مع وفاة سجين آخر في ظروف غامضة.
لقد سجلنا ظهور أساليب غير مسبوقة في إطار عمل جهاز القضاء في بلادنا، فقد أصبحت المصاريف القضائية تستعمل وسيلة للضغط على القضاة إن لم نقل محاولة رشوتهم، وهكذا فقد حرمت بعض التشكيلات والمحاكم من المصاريف القضائية بعد أن كانت تستفيد منها ومرد ذلك غالبا هو سوء الفهم أو رفض مجاراة النيابة العامة في طلباتها، ويتعلق الأمر:
– الغرفة الجزائية بمحكمة الاستئناف
– غرفة الاتهام
– الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا
والثابت أن مرد هذه التصرفات مرتبط بإطلاق سراح أشخاص كانوا سجناء.
لقد أصبحت تبرئة أي متهم أو الحكم عليه بعقوبة غير نافذة أو منحه حرية مؤقتة من الأمور التي تنطوي على مخاطر كبيرة، ذلك هو الوجه القمعي الجديد لعدالتنا، والذي بمقتضاه يتعين على قناعة القاضي أن تتماشى كليا مع طلبات النيابة العامة.
ومن الملاحظ تهميش دور الغرفة الجزائية بمحكمة الاستئناف ويظهر ذلك من خلال عدم برمجة الملفات التي تتحكم فيها النيابة العامة وتتم بعنايتها وحدها في مسعى الهدف منه معاقبة هذه الغرفة وكأن قطع الأرزاق لا يكفي.
وقد لاحظنا مقاطعة النيابة العامة لجلسة الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا التي ترأسها رئيس المحكمة العليا رغم أنها أخطرت مسبقا بتاريخ الجلسة انسجاما مع النصوص القانونية.
ومن الطبيعي رفض مثل هذه التصرفات الغير مقبولة في دولة القانون.
إن الأثر العملي لمبدأ دولة القانون يتطلب وجود هيئات قضائية مستقلة مخولة بالنظر في النزاعات بين مختلف أشخاص القانون بتطبيق مبدأ المشروعية المترتب على هرمية النظام القانونين، وكذا مبدأ المساواة الذي يمنع المعاملة غير المتكافئة لأشخاص القانون.
إن نظاما بهذه المواصفات يتطلب وجود فصل للسلطات وعدالة مستقلة. فالعدالة بوصفها جزءا من مهام الدولة يبقى استقلالها اتجاه السلطتين التشريعية والتنفيذية، الضمانة الوحيدة لحيادها في تطبيق مقتضيات القانون.
وفعلا فإن حالة العدالة في بلادنا بعيدة من أن توصف بالجيدة فهي بدورها لا تخلوا من الرشوة ونقص التكوين.
فالكثير من المحاكم تصدر أحكاما غير مؤسسة بل، ومشينة أحيانا، والغرفة التجارية بمحكمة الاستئناف في نواكشوط مثال حي على ذلك، ولا يعني هذا عدم وجود محاكم أخرى تقوم بعمل جيد يلاحظه جميع المراقبين بل، هي موجودة ونضرب لذلك مثلا بالغرفة المدنية والاجتماعية الأولى بالمحكمة العليا.
وعلى العموم يتعين إيجاد حلول سريعة لمشاكل قطاع العدالة، وهي مشاكل متنوع، وأن لا تقتصر تلك الحلول فقط على الأشخاص والنصوص، وكما جرت العادة بل، يجب أن تمس أيضا الإجراءات والممارسات، ومثالها الملفات التي لا تنتهي أبدا، والأحكام التي لا تنفذ.
وتعتبر الوساطة والتدخلات من أبرز معوقات عمل قطاع العدالة، وكذا غياب المساعدات القضائية شرط ولوج المتقاضين للعدالة، ثم إن ترقية القضاة على مستوى المجلس الأعلى للقضاء تتم غالبا على أساس المحسوبية دون اعتبار لمعيار الاستحقاق.
إن الحل يجب أن يكون شاملا وجذريا في إطار مقاربة واضحة وهادفة تأخذ في الحسبان تفادي الإجراءات التحكمية في جميع صورها وأشكلها، وخاصة الحبس التحكمي الذي أصبح عادة متجذرة في ممارسات النيابة العامة وبمباركة من وزارة العدل، ذلك أن الإجراءات التحكمية أكثر ضررا وخطورة من الرشوة ونقص التكوين.
ولبلورة عناصر حل لهذا الخلل البنيوي، وتجاوز النقص الملاحظ على المستويين البشري والمادي، فإن الهيئة الوطنية للمحامين تعتزم:
1) إطلاق حملة محاربة الرشوة في قطاع العدالة خلال الأسابيع المقبلة؛
2) اتخاذ الإجراءات الكفيلة لتطبيق نظام المساعدة القضائية وجعلها أمرا واقعا بوصفها شرطا لتحقيق عدالة اجتماعية؛
3) تنظيم بعثة دائمة لمراقبة السجون لا تقتصر فقط على مراقبة ظروف النزلاء ولكن تطلع أكثر من ذلك على كيفية معالجة ملفاتهم وتحريكها مع العلم أن فترة الحبس الاحتياطي تمدد في بعض الأحيان؛
4) توصي الهيئة بضرورة تنظيم أيام وطنية حول قطاع العدالة، وذلك من أجل بلورة حلول جذرية على المدى القصير، والتوسط، والطويل سبيلا إلى تحسين أداء عدالتنا في ظل احترام القانون والنظم القضائية.
نواكشوط بتاريخ: 10 أغسطس 2009
النقيــــــــــب/ أحمد سالم ولد بوحبيني