وتقف سيارات الحكومة…
يخيل إلى رئيس الجمهورية وصحبه أن موريتانيا بحاجة إلي مزيد من الخطط الاستعجالية والقرارات الارتجالية و أن القضاء على الفساد يتأتى بمجرد ضغطة زر أو تشاور بين وزراء أو فكرة خطرت ببال قائد مولع بمؤازرة الضعفاء بالخطابات…
يخيل إلى هذا الجمع الغفير من حمائم القصر ورواده أن تطوير موريتانيا الوطن يتأتى بصرامة زائدة في بعض المواقف وتجاهل ـ عن قصد أو عن غيره ـ لقضايا أخرى تمس مستقبل الوطن وتسهم في ترسيخ قيم الجمهورية والنهوض بمستوى الوطنية للرقي بالمواطنين إلى مستوى يجعلهم يتذكرون وطنهم في حياتهم اليومية…
إلا أن المواطن العادي ، والذي عانى ويعاني من ظروف قاسية ذات صلة بوجوده كإنسان يستحق الكرامة أوهي ذات صلة بحقه في التمتع بوطن موريتاني حاضر في الأذهان والحفاظ على الولاء له وتشجيع الإخلاص له وتطوير عطائه في الحياة اليومية لصالح كافة الموريتانيين…يتحمس أكثر إلى ترسيخ قيم المواطنة وخدمة الوطن وإقناع الموريتاني بمؤسسات الجمهورية بفعال لا بقلقلة وقيل وقال…
فعندما يأمر السيد الرئيس وصحبه بإيقاف سيارات الحكومة خارج أوقات الدوام يصبح من العسير أن يتم التحكم في ردة فعل موظفي الدولة ووكلائها من كلا المجموعتين ) المجموعة التي تعيث في الأرض فسادا والأخرى التي تؤمن بضرورة خدمة الوطن وهي القليلة (…
فالمفسدون يرون في هذا القرار صفعة موجعة لهم وهم كانوا في مأمن من أن تطالهم يد المضايقة بل الحد من فرص استفادتهم الغير شرعية من الدولة وهم الذين اعتادوا على استغلال سيارات الدولة في المناسبات الشخصية والأغراض الضيقة… وهم حين يتعاملون مع قرار كهذا سيصرفون اهتمامهم إلى ميادين وفرص فساد أخرى قد تكون أشد وقعا على المواطن المسكين المسالم النائي بنفسه عن مشاكل الحكومة وتسييرها للشأن العام…
فيما يرى المنصفون لذواتهم ولواقعهم ومكانتهم المهنية ـ الذين يحترمون الوطن ويسهرون على تحقيق مبادئ الجمهورية أو الدولة بالتضحية والإخلاص ـ في هذا القرار حرمانهم من امتيازات هي حق لهم في بلدهم وهم المستحقون أكثر من ذلك، ولم لا وهم المحافظون على هيبة الوطن وبصيص الأمل في تطوير مسار موريتانيا في مسعاها لتكون دولة…وهم الذين يتألمون من واقع مزر يعيشونه عن قرب: من رداءة خدمات الوزارات و أداء الحكومات وانعدام ثقة المواطن فيها، وهم الأبرياء، نتيجة تواجدهم في الدولة أو ما يحوم حولها…وهم المؤهلون الذين يأبون الانخراط في القطاع الخاص نتيجة اقتناعهم بضرورة الإسهام في بناء موريتانيا إداريا…وهم الغير راضين عن رواتبهم أصلا وتسيير الشأن العام الذي يولى في كثير من الأحيان لعاجزين مهنيا وقاصرين أخلاقيا …
أما الإنسان العادي أو المحنك سياسيا فيرى في هذا القرار مجرد مادة للاستهلاك العام وهي غير قابلة للاستمرارية بحجة حضور مفسدين كبار في الكيان الذي يتحرك من أجل الإصلاح…
من الطبيعي أن يستبشر الغيورون الأبرياء بقرار كهذا ويعتبرونه خطوة في الاتجاه الصحيح وجريئة لدرجة كبيرة إلا أن هؤلاء القوم ينسون أن سيارات الدولة كانت متوقفة منذ زمن بعيد نتيجة كثرة الأعطاب فيها وضعف خدمات شركات الصيانة المتكفلة بها… وأن بطاقات البنزين تعطى لمن ليست بحوزتهم سيارات الدولة والسكرتيرات المحترمات تعرفن ذلك وأن ضبط تسيير المال العام وفق معايير النزاهة لا يعني جشع الدولة وتضييقها الخناق على أبنائها… وأن ثمة امتيازات لا بد للدولة آن تضمنها للأكفاء لكي تستفيد من خبراتهم ونزاهتهم لإنجاح مشاريعها التنموية…
ينسى هؤلاء أن تسيير المال العام واتخاذ قرارات كهذه لا يتم بهذه البساطة والعفوية إن أريد له النجاح بل هو يحتاج إلي تدارس ومراعاة لكافة الأبعاد …وتدارس تغذيه خبرة اجتماعيين وسياسيين واقتصاديين وخبراء إداريين…
ينسى أصحاب هذا الرأي أن ضبط حدود الوطن -على المرء أن يعبر الحدود ليشهد بأم عينه هشاشة تلك الحدود -والمداخل المؤدية إلى المقاطعات والولايات أولي من حرمان موظفي الدولة المسالمين الأوفياء لوطنهم المتحملين الكثير من أعباء الدولة وأعباء المجتمع وضغوطه، من امتيازات هي أقل ما يقدم في حقهم.
ينسى القائلون بهذا الرأي أن إعطاء كل ذي حق حقه وتفادي التعميم والوقوف في وجه هدر المال العام لا يتأتى بتعميم التجريم ولا مزج الأوفياء للوطن بالمعيثين فيه الفساد…
وتقف سيارات الدولة ويظن الرئيس وصحبه أن ذلك منتهى الجرءة لإصلاح الإدارة ولا يهتمون أكثر بالعاملين لصالح الدولة والمتفانين في خدمتها، فالقاصي والداني يعرف أن سيارات الدولة تستخدم في كثير من الأحيان لأغراض شخصية لكنها في أحيان أخرى تستغل لمصلحة المواطن العادي المسكين…
إن كل متتبع للشأن العام يدرك أن موريتانيا ليست بحاجة إلي أوامر عواقب تنفيذها لا تعرف التمييز بين البريء والمجرم فيما توجد ميادين أخرى أكثر أهمية وإلحاحا من قبيل رقابة تسيير المال العام وفق مبدأ المكافئة والعقوبة ووضع إطار قانوني يراعي مصلحة الوطن والمواطن في تجسيد لقيم الجمهورية والدولة الوطن
…
لا يحتاج المرء تأملا في جو هادئ لمعرفة الأولويات المستحقة للتدخل من طرف سيادة الرئيس وصحبه…فالإدارات تعج بأسماء أحياء وميتين غائبين دوما عن مكاتب العمل لكنهم حاضرون عند تسلم رواتبهم…وأن تعامل المسئولين القائمين على الشأن العام لا يولون اهتماما بالمواطن ولا يحترمون الوقت وأن تقريب الإدارة من المواطن ظل شعارا مرفوعا لكنه بقي مجرد شعار…وأن عصرنة الإدارة وتعميم الإنترنت في الوزارات ونشر المعلومة ظلا غريبين ولا يوجد في الوزارات أكفاء يشرفون عليها ولا معلومات مفيدة للنشر…ولا إنجازات غير تلك التي تعلن عنها الإذاعة والتلفزة الرسميتين وبطريقتيهما المعهودتين…وتطول القائمة لكن على المرء أن يتفاءل وينتظر فعسى وعسي …و أن يردد”لله ما أخذ ولله ما ابقي”…
*سنة ثانية ماستر الدراسات السامية
المغرب، فاس