كي لا نكون لقمة سائغة لـ”سلبيات العولمة”

عندما ترسل النَّكْبَاءُ في الأرض لتهلك المال وتحْبس القَطْرَ وتسقط الأشجار وتجعل كل ما يعترض طريقها “خبر كان”وتجعل من المكان فيافي فحتما وأنت تنظر إلى ذلك المشهد الذي بعد العاصفة سيستوقفك رسو الجبال وهي تقف شامخة وكأن الأمر لا يعنيها…

عندما تمر السيول على البلاد لتجرف كل ما اعترض سبيلها و تسحبه إلى وجهتها فحتما وأنت تطل من نافذة الزمن الذي بعدها فإنك ستحس بشيء ما يخبر بامتياز ما بقي وراءها…

بل قد يذهب بك الإحساس إلى إنتزاع نظرة إعجاب “منك” على الأشياء التي صمدت ولم تجرف..

هكذا نحن اليوم فنحن بين مطرقة العولمة وسندان كثرة المعولمين على خطئ.

فلا يكاد يصفو عيش ولا تتذوق حلاوة آخر…

فالسماء ذات غمام والأرض ذات ألغام…

فبينما كنا كـ”موريتانيين” نعيش حياة الصحراء النقية بأخلاقها السليمة، بتربيتها الآمنة بطبيعتها المتعلمة بقوة ذاكرة أهلها إذا بنا اليوم ورغما عنا نعيش في أحضان “عولمة”تفرض نفسها في أكثر من مجال.

تفرض نفسها في البيت… تفرض نفسها في الشارع… تفرض نفسها في المدرسة …بل وحتى في السوق..

وسنقتصر هنا على إثارة الطرف الأول أي ما يتعلق بالبيت لأنه هو الذي منه الانطلاقة وهو ما يصدر للآخرين(المدرسة السوق الشارع) هذا يعني أنه هو – في جانبه السلبي – رأس الأفعى كما يقال….

البيت الذي كان يعيش أكثر أوقاته كمملكة نحل “الأولاد” ترعى من باقة زهور”الأبوين” لتنتج عسلا “أخلاقا وطيبة”…

أصبح كخلية نمل تقتات “تربية” على فتات غزو همجي فكل ما صدر لنا من ثقافة نفيسة تقبل الوجهين “الخير أو الشر” أخذنا منه ظاهر المموه أو باطن المغشّى..

ففي رأس المجتمع”البيت” ولبنته الأولى ومضغته التي” إذا صلحت صلح كله” نجد نخرا في جسده بفعل أدوات تأكل منسأته لتدل الأبوين بعد ذلك على خطورة الوضع الذي أصبح فيه وليكتشفوا أنهم لو كانوا هم من أخذوا العولمة وليست هي من أخذتهم لما غير الأمر شيئا في مجرى المياه …

ومن تلك الأدوات نذكر ما رمى به الواقع في أحضان الكل عدا لا حصرا:

1 -الفضائيات:

في ظل ما يعرف بالفضائيات اليوم ومالها من قوة عجيبة على اختراق المجتمعات فهي أنفذ إلى القلب من السهام وأشد وقعا على النفوس.
وفي حالة مجتمعنا الموريتاني بالخصوص ونظرا لما له من حداثة عهد بالتمدن وما يطبع قلوب أهله من نقاوة وشفافية تسهل نفاذ كل ما من طبعه الجاذبية إليها واحتلاله مكانة فيها…

أيام كنت في التسعينات كان ينتابني أسف “أو غيرة” على مجتمعي عندما أمر في شوارع العاصمة نواكشوط عند الساعة الثانية ظهرا وألاحظ خلوا تاما من المارة” فآه لو كان السبب قيلولة لما تتطلبه درجة الحرارة في ذالك الوقت”ولكن فجأة عندما أدخل أحد المطاعم فإذا به مكتظا عن آخره والناس كأن على رؤوسهم الطير من شدة التركيز والأعين كلها تتجه صوب “التلفاز”والآذان كلها لا ترسل من موجات السمع إلا ما يلتقط لها كلمات معربة بعد الدبلجة…

فحينها علمت أن الأمر ببساطة “المسلسل المدبلج”أو ما كان يعرف حينها ب”مسلسل 2ere” وهو للعلم مسلسل مكسيكي لاتيني مدبلج للعربية تعرضه mbc …

كما لا أخفي عليكم أنني لم أكن حينها أغرد خارج السرب بل لم يكن عقلي حينها يمكنني من فقه الكثير في الأمر لأني كنت حينها في سن التقليد ..
و من موبقات الموضوع ما ذكره لي أحدهم أنه بينما كان يوما يخرج من منزل أهله تزامنا مع وقت التربص للمسلسل فإذا بعجوز يحملها أبناؤها ليلحقوها بالركب في المنزل المجاور حيث توجد mbc القناة التي تبث المسلسل…

ومما أذكره أنا أيضا في الموضوع هو أنني كنت في إحدى القرى وأتيت لقريبة لي مسنة فوجدت عندها إحدى بناتها تقرأ لها رسالة فتعجبت حين سمعت فحوى الرسالة فإذا بها تتكلم عن “المسلسل” فخشيت حينها أن يكون لي أرحام أجهلهم من أمثال “alifredo” و”كلوديا” لاهتمام القوم بهم وبأخبارهم…

ولكني حينها كنت أقول ما هي إلا سحابة صيف منقشعة وردة فعل طبيعية لمن كانت خياراته في التطلع على التلفزيون محدودة من “اليتيمة(القناة الوطنية)”ذات البرامج المحنطة المكرورة أو mbc التي تريه على الأقل ما يرى فيه متعة ولو كان لا يفهم مغزاه…

ولكن وبعد مرور ما يمكن أن تبلغ فيه المجتمعات الحلم فإذا بالذي يمر عندنا هو الزمن وليس العقل لما لاحظته حين أتيت في العطلة الماضية مما خلفته العاصفة التي هبت هذه المرة من تركيا حين وجدت أن الوقعة هذه المرة كانت أشد….

وجدت أن الكل – وخاصة الفتيات – بدوا وكأن الأمل المنشود لديهم ظهر أخيرا:

وكأن المتزوجات أرسل لهن رسول ليعلم لهن أزواجهن كيف يعاملوهن حين سمعت أن زوجة قالت لزوجها لماذا لا تعاملني “معاملة مهند لنور”…

وكأن الفتيات لم تقر أعينهن قبل رؤية ” مهند”حين قالت لي صاحبة محل في إحدى الولايات الداخلية بعد أن توقفت عنده أنا وأصحابي لشراء بعض الأغراض فإذا بهم يتكلمون عن حديث الساعة “مسلسل نور”فقلت لهم ممازحا “لا تطردونا بحديثكم هذا فهو ما أخرجنا من نواكشوط” فردت علي بكامل ثقة وبرودة أعصاب لو أتى “مهند” لنواكشوط لكفاني ذلك من الرجال؟

إلى آخر تلك القصص في الموضوع….

ولكي لا نظلم الفضائيات فهي كباقي وسائل العولمة التي تتسم بأنها سلاح ذو حدين؟

وخاصة اليوم بعد أن أصبحت الفضائيات مليئة بالمفيد والممتع وبعد ظهورها في ثوب ديني وثقافي وحتى وثائقي عندها يمكننا أن نقول أن “المشكلة فينا” وليست في الفضائيات بعد أن أصبحت الأقمار الصناعية “تُسمع جعجعة وتُرِي طحينا “

2-الانترنت:

أما عن مفترق طرق العالم وجامع غثه بسمينه من جعل منه قرية واحدة فهو الآخر لا توجد لديه منطقة وسطى ولا يقبل الخطأ لمن يريد السير في سفينة النجاة…

فيه يمكن للموريتاني المحافظ المسلم أن يتغذى على حين غفلة منه من مائدة الذئاب أوقات تركهم للفضيلة والحياء في قاعات الانتظار كما هو معروف تحت شعار “الأفلام الإباحية”…

وفيه يمكن للبنت البريئة أن تصطاد من ذئب جسور لا يعرف الرحمة وهذا بعد فتحها لإحدى النوافذ “msn “skype” التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحماية لتقع على “خلاف طيورها ” ولنفس الغرض غالبا ما يظل المرء الداخل له يرسم صورة خيالية لمعروفه الجديد”من وراء الشاشة” تشبه تماما تلك التي يرسمها حين ينظر مدَّ بصره إلى البحر عند جلوسه على الشاطئ ومن طرافة الأمر أنه كثيرا ما ينتهي بصدمة حين يحدث اللقاء؟

وهو أمر طبيعي لاستحالة تجسيد ما كان يجول في الذاكرة لوهلة على أرض الواقع …

وبهذا أقل ما يمكن أن نقوله أن صاحبي لأمر قد ضيعا وقتا على الأقل ….

ومما جعل الأمر مطروحا أكثر في عالمنا هو اعتماد البيت كعلبة حافظة “للبنت خاصة” بعد أن تلوث الشارع وحتمية وجود ما يمكن أن يكون مساعدا على الاستقرارفي البيت فتكون الانترنت هي الخيار الأفضل؟
ولكن عدم فقه الأشياء قبل اقتنائها يجعل قدم المستعمل قدم تزل من حين لآخر..

فالأشياء تأخذه أولا لمجرد حب الاطلاع أو الفضول”لغبة”وبعد ذلك التوسع وبعد ذالك الإدمان وحينها تخرج كلمة الفصل من يديه بل تصبح في يد المنتج…

آه ما لعيني لا تريني سوى جانب الكأس الفارغ …

عذرا ففي الانترنت أيضا من المفيد ما “ترجع له التاديت” كما يقال عندنا في المثل الشعبي…

وأعتذر عن عدم تغذية هذا الجانب بالقصص لأنها قد لا ترقى إلى المستوى المطلوب؟

وحقيقة الأمر كله تكمن في قول الشاعر تصويبا :

نعيب “عولمتنا” والعيب فينا ” وما “لعولمتنا” من عيب سوانا

وما الغلط سوى أن علينا أن نتعلم حز مفاصل “العولمة” وننشرها لكي لا نكون لقمة سائغة أمام حد سلاحها البتار وبعبارة أخرى يمكن القول أن ليس علينا “كمجتمعات”سوى:

أن نأخذ “العولمة”من حيث نحن لا من حيث هي…

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى