نحن و “السلطة” والإصلاح : أزمة ثقة

ملاحظة : أعد هذا المقال للنشر في جريدة الشعب لكنها تراجعت عن نشره

نشكك دائما في كل ما تنفذه “السلطة” من “خير الأعمال”، وما يصدر عنها من “طيب الأقوال”.. وإذا هي تجملت وضعنا أصابعنا علي الأنوف لئللا نشتم ما نفترض أنه طلاء رخيصا كريه الرائحة… ولنا الحق في ذلك ؛إذ إنه منذ تحولت ” بلاد السيبة” إلي جمهورية – قبل أكثر من أربعين عاما- ونحن نسمع من “سلطتنا” كذبا، ونري منها وجها قبيحا تستره أحيانا بأقنعة من الخديعة والزيف .

تحدث الانقلابات العسكرية ويتم إفشالها فلا نصدق، لكثرة ما سمعنا عن محاولات انقلابية يتضح في الأخير أنها لم تحدث، وأن ماجري كان تصفيات بشعة لحركات سياسية أوجماعات، أو حتي لأفراد داخل المؤسسة الحاكمة أو الجيش… نسمع عن مؤامرات تتم بموجبها اعتقالات واسعة وعمليات تعذيب ،ويتضح في الأخير أن “سلطة”ما أرادت تغييرا في سياساتها الخارجية واقتضي منها الأمر الإنقضاض علي جماعات سياسية واتهامها بالعمالة لقوي خارجية ( عربية خصوصا ) لكي تصفي حسابا مع هذه الدولة أو تلك ، أولتنال حظوة لدي دول أجنبية.

*** **** ***

والديمقراطية هذه التي بدأنا الحديث عنها قبل رياح ” لابول”، بل ” هذبنا” من أجلها في دهاليز ” الهياكل “، وغناها لنا ” فتية الجماهير” مطلع الثمانينات، وخضنا غمارها في العقد نفسه علي مستوي الأقاليم ، فالمقاطعات فالمراكز الإدارية، ظلت مثار شك وريبة، لكثرة ما رافقها من أكاذيب وغش وتزوير

وليس غريبا إذن ألا نصدق ضابطا حينما يقول إنه سيتخلي عن السلطة وينظم انتخابات نزيهة لأن تجربتا مع الأسلاف زرعت فينا الشك.. وطبعي أن يتوقع منا مرشح فاز في الإنتخابات أن نرتاب في نتائج الإقتراع لأننا ندرك الأمور انطلاقا من خبراتنا السابقة.

وطبعي أيضا أن يسري قانون ” الشك” هذا علي الإصلاحات الموضوعة علي ” الأجندة” الآن ؛ فلكثرة ما عايشنا من” إصلاحات” ” مغشوشة”، ربت فينا عقدة من كلمة “إصلاح”، وأصبحت في أذهاننا مرادفا للفساد والتحايل .

كم من إصلاح تعليم لم ينتج عنه إلا تجهيل أطفالنا، واكتظاظ مدارسنا بمدرسين مكانهم الحقيقي أن يجلسوا علي مقاعد الدراسة بين تلاميذهم ليتعلموا.

وكم من إصلاح اقتصادي أثقل كواهلنا بالديون،ولم نجن منه إلا ازدياد الفقراء فقرا ونمو طبقة صغيرة من قوارض المال العام من مسؤولين ورجال أعمال وسماسرة.

وكم من شعارات رفعت ضد فساد الذمم ، ومن أجل الحكامة الرشيدة، والترشيد، ولم تكن في حقيقتها إلا محاولة بائسة لامتصاص النقمة المتصاعدة ضد ماكينة الهدم.

*** **** ***

لقد جذرت ممارسات العقود الماضية أزمة ثقة حقيقية بين الموريتاني وسلطته: هي في نظره “سلطة مخادعة، كذابة، وفاسدة”، وهو في نظرها فئات بعضها منافق: “يصفق لها جهرا ويلعنها في السر”. والبعض مساكين يتحكم فيهم سماسرة قبليون “يكفيهم فتات الموائد”. وفئة ” حاسدة حاقدة” يتكفل بها الإقصاء.

*** **** ***

نحن الآن أمام سلطة جديدة، وخطاب جديد، لكن أيضا أمام أفعال جديدة . وسيكون مجافيا للحقيقة ادعاء أن خبرتنا الطويلة في الشك والتشكيك لم تنل من هذا الجديد؛ بل إن ماكينة الرفض تتحرك الآن بقوة لتحوله إلي “نكتة” ومظاهر سلبية تافهة، كما حولت في السابق أفكارا عظيمة ، ومشاريع جيدة ، إلي مادة للتسلية في بيوتنا، وحولت المبالغ المرصودة لها إلي قصور وقطعان إبل.

*** **** ***

ما الجديد…؟ قد يسأل البعض … ولأن، الهدف من المكتوب ليس الإساءة إلي اي كان أو إصدار حكم نهائي علي أمور ما تزال في طور البداية؛ أود قبل ذكر الجديد توضيح أمرين: الأول أني لا أحيل في هذه المعالجة إلي أشخاص معينين. وليس ذلك من اختصاصي، ولهم علي الإنصاف إذا ثبت أن التعامل معهم كان خاطئا. إنما أتناول ظاهرة في شكلها العام، وسلوك سلطة..

والأمر الثاني هو أني شخصيا ظللت علي الدوام أقف علي مسافة بعيدة من كل من حكموا هذه البلاد، وأنا دائما متحفظ – بل شكاك- إزاء ما يصدر عن “السلطة” مثل غيري من الموريتانيين…

ومثل كل المقهورين في هذا البلد ظللت أحلم بمن يقول للصوص المال العام “كفي”؛ ويستخدم ما ينهبون لصالح البلد… وسأكون في تناقض قاتل مع نفسي إذا لم أرحب بكل خطوة في هذا الإتجاه.

أذكر أنه خلال إحدي الفترات كنا نقول إنه يكفي لوقف نزيف المال العام أن تقدم ” سلطة ” ذاك الوقت علي فضح نافذين، واستعادة ما نهبوا وتطبيق القانون فيهم. وكان هذا حلم راودنا كثيرا. فكيف لا نفرح ونحن نعيش إرهاصاته..؟

*** **** ***

قد لا نتفق كلنا علي الدلالة الحقيقية لما يجري…هذه مسألة طبيعية… لكن أقول جازما إننا نتفق علي أن كل المسؤولين الحالمين بكنوز قارون يشعرون الآن بخوف رهيب… أليس ذلك بالإنجاز الكبير؟…بلي…

ونتفق كذلك علي أنه ربما كان أفضل أن نترك الحكم للزمن. لكن لن يمنع ذلك من أن أقول للواقف وراء الحرب علي “الأيدي القذرة”: تمسك بثلاث هي:الإستمرارية، والصرامة ، والعدالة… عندها تفوز أنت ، ونحن، ويموت الشك، وتعود الثقة المفقودة بين “السلطة” والمواطن.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى