من أحكام الذمي والمعاهد
يكثر في هذه الأيام الحديث عن أحكام أهل الذمة والمعاهدين بعد الأحداث التي شهدتها وتشهدها البلاد اثر عمليات القتل والخطف التي يتعرض لها الأجانب على التراب الوطني والتي لا عهد للبلد بها من قبل.
ومن هنا أحببنا أن نتناول بعض أحكام المعاهدين وأهل الذمة تنويرا للرأي العام معرِّفين بمدلول هذه المسميات، وخطورة التعرض لقتل أهل الذمة أو اخذ أموالهم..
تعريف أهل الذمة والمعاهدين:
عقد الذمة هو: إقرار الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية.
وأهل العهود: هم الذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدة معلومة لمصلحة يراها.
والعهد هو الصلح المؤقت، ويسمى الهدنة والمهادنة والمسالمة والموادعة.
وقد يطلق لفظ أهل العهد على أهل الذمة، قال ابن الأثير: المعاهد أكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما. وقد يطلق أيضًا على المستأمن، قال الشوكاني: المعاهد: هو الرجل من أهل الحرب يدخل دار الإسلام بأمان فيحرم على المسلمين قتله.
وفي شرح الخرشي على خليل: المعاهد: بفتح الهاء وهو الشائع على الألسن، أي الذي عاهده المسلمون، أي أعطوه عهدًا وموثقًا أن لا يتعرضوا له، وبكسرها أي الذين عاهد المسلمين، أي أخذ منهم عهدًا وموثقًا بالأمان.
فالمعاهد أصبح في الأحكام الذاتية والمالية كحكم المسلم؛ لأن ولي أمر المسلمين أعطاه أماناً، وعاهده على الأمن والحفظ، فأصبح في ذمة ولي أمر المسلمين، فمن اعتدى على معاهد يكون قد خفر ذمة ولي أمر المسلمين.
وأعتقد أننا في هذه الآونة ليس عندنا حربي ومعاهد، والعرف العام عند جميع الدول: من دخل دولة بتصريح من ولي أمرها فهو معاهد.
حكم قتل المعاهد عمداً وخطأ:
قتل الذمِّي والمعاهد والمستأمن حرام، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك، فقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً)، أورده البخاري هكذا في كتاب الجزية، (باب إثم مَن قتل معاهداً بغير جُرم).
وأورده في كتاب الديات في (باب إثم من قتل ذمِّيًّا بغير جُرم)، ولفظه: (مَن قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً)، قال الحافظ في الفتح: (كذا ترجم بالذمِّيِّ، وأورد الخبر في المعاهد، وترجم في الجزية بلفظ: (مَن قتل معاهداً)، كما هو ظاهر الخبر، والمراد به مَن له عهدٌ مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هُدنة من سلطان أو أمان من مسلم).
ورواه النسائي بلفظ: (مَن قتل قتيلاً من أهل الذِّمَّة لم يجد ريح الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً)، ورواه أيضاً بإسناد صحيح عن رجل من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل رجلاً من أهل الذِّمَّة لم يجد ريح الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً).
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قتل معاهداً في غير كُنهه حرَّم الله عليه الجنَّة) رواه أبو داود، والنسائي بإسناد صحيح، وزاد النسائي: (أن يشمَّ ريحها).
ومعنى (في غير كُنهه) أي في غير وقته الذي يجوز قتله فيه حين لا عهد له، قاله المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: (ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه قال: (مَن قتل نفساً معاهدة بغير حقِّها لم يرح رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحَ الجنَّة لتوجد من مسيرة مائة عام).
وأما قتل المعاهد خطأ، فقد أوجب الله فيه الدية والكفارة، قال الله عز وجل: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما).
وإذا كان المقتول ذمياً أو مستأمناً أو له عهد وأمان من الإمام، فـ أبو حنيفة رحمه الله قال: يقتل به المسلم؛ لأن من قتل المعاهد الذي له من الإمام عهد بالأمان فقد افتات على الإمام بنقض عهده مع هذا الذمي، والجمهور يقولون: لا يقتل به، وإنما لأوليائه الدية، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
حرمة مال المعاهد:
أخرج أبو داود عن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه؛ فله أن يعقبهم بمثل قراه».
قال ابن الأثير: المعاهد : الذي بينك وبينه عهد وموادعة، والمراد به: من كان بينه وبين المسلمين معاقدة وموادعة، ومهادنة، فلا يجوز أن تتملك لقطته؛ لأنه معصوم المال، يجري حكمه مجرى حكم الذمي.