الفتاة والشاب الوسيم

دخلت الفتاة منزلها، ثم توجهت فوراً إلى غرفة نومها وأخرجت مذكراتها اليومية، وبدأت بالكتابة:

“ذهبت اليوم إلى أحد محطات الميترو. فور دخولي الميترو تعلقت عيناي بشابٍ كان يجلس على أحد المقاعد ويقرأ كتاب من القطع المتوسط. كان فيه من الوسامة ما يجبر العينين على التحديق فيه رغماً عنها. حاولت أن أتدارك نفسي وأصرف نظري عنه حتى لا أقع في موقف محرج. أخترت المقعد المقابل له فجلست بهدوء شديد وصمت قاتل حتى لا أشتت إنتباهه.

فور جلوسي, أخذت عيناي تتفحصه لا إرادياً وهو مايزال منهمك في قراءة الكتاب الذي يقبع بين يديه. في تلك الأثناء تحرك الميترو. فبدأت أجول بنظري في المقصورة وأتفحص من فيها. كانت هناك إمرأة طاعنة في السن تجلس في أقصى اليسار. وأمامها رجل يبدو أنه قد بلغ الأربعين, وقد أعياه التعب والإرهاق.

عدت إلى الشاب، فبدأت أتأمل شعره البني المصفوف إلى الوراء بطريقة أنيقة، وعينيه العسليتين الناعستين، أنفه الطويل و خديه الطريين، فمه الجميل وشفتيه الممتلئتين. تذكرت “دوريان غراي” فتساءلت إذا ما كانا يتشاركان الوسامة والجمال في نقطة ما؟ لكن دوريان من وحي الخيال، أما هو فمن وحي الواقع! إذن يجب أن يكون هو الأجمل!

بدأت أتفحص ملابسه التي بدت لي في قمة الأناقة والترتيب. ثم لاحظت وجود كيس صغير الحجم في المقعد المجاور له. لمحت رأس زهرة تطل من أعلى الكيس، فأول ماخطر في بالي أنه ذاهب لموعد غرامي. قلت في نفسي لايمكن ذلك! هناك مئات الإحتمالات غير هذا. قد يكون ذاهباً إلى والدته! نعم إن اليوم هو عيد الأم فهو ذاهب لزيارة والدته بلا شك. هذا ما يفسر أمر الزهور وعلبة الحلوى التي قد تكون في الكيس أيضاً. لابد أنه اشترى علبة الحلوى والزهور وهو في طريقه إلى الميترو. وفي تلك اللحظات وأنا أتصارع مع أفكاري وخيالاتي, إذ به فجأة وبلا مقدمات، يرفع رأسه في حركة سريعة، ويرمقني بنظرةٍ خاطفة، ثم يعود إلى كتابه.

تسمرت عيناي، بدأ قلبي بالخفقان، وتعرقت يداي. هل عرف أني أحدق فيه؟ هل أحس بما يجول في خاطري؟ أدركت أني تورطت عندما أقحمت نفسي مع هذا الشاب من دون علمه.

أشحت بنظري عنه لوهلة، لكن سرعان ما ارتدت عيناي إلى حيث كان يجلس. أخذتُ أطالع الكتاب الذي بين يديه بفضول. حاولت قراءة عنوانه لعلي أعرف شيئا عن اهتماماته او استنتج قبساً من شخصيته، لكنه كان يمسكه بطريقة غريبة نتج عنها أن كانت أصابع يديه الطويلة تحجب العنوان عن الناظر. فقدت الأمل في معرفة اسم الكتاب ،فرفعت رأسي للأعلى قليلاً لأجد عينيه العسليتين لا تزالان تتحركان بإتجاه أحد صفحات الكتاب بشكل أفقي باهتمام شديد. في تلك اللحظة، رأيته يبتسم إبتسامة لم أرَ أجمل منها من قبل. كانت ابتسامة خفيفة ولطيفة نتج عنها غمازتين زادتاه وسامةً على وسامته. تساءلت وقتها عن سبب الابتسامة، يبدو أن بطل الرواية قد إعترف للبطلة بحبه لها فوافقته بقبلة حارة منها، لهذا كان يبتسم لجمال الموقف ورومانسيته. ومن لا يبتسم في مثل هذا الموقف الرائع؟

فوجئتُ بتوقف الميترو وفتح الأبواب. وفي أثناء ما كنت ألتفت يمنة ويسرة، أغلقَ الشاب كتابه ووضعه في الكيس الصغير، حمل الكيس وخرج بسرعة. بدأت عيناي تلاحقه حتى اختفى عن الأنظار تماما. أُغلقت أبواب الميترو وتحرك مرة أخرى. أسندت رأسي إلى النافذة وتنهدت بعمق، فانبعث إلى زجاج النافذة هواءً حار شكّل هالة من البياض المشوّش. رسمتُ بإصبعي صورة قلبٍ صغير, لكنه اختفى وتلاشى بعد أن تنهدت للمرة الثانية. أحسست بضيق و همّ، أغلقت عينيّ، فسقطت دمعة على خدي الأيمن.“

[ريـان ..]

المصدر : www.wordpress.com

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى