حركة “ضمير ومقاومة” تراجع موقفها من ولد عبد العزيز

اعلن تنظيم “ضمير ومقاومة” بأن حصيلة 6 اشهر من حكم الرئيس الحالي تدعو الى عدم الرضا وتثير الشك في قدرة قادة موريتانيا الجدد على
القطعية مع مركباتها البنيوية من عشيرة وعصبية وعموض في التسيير وخيبة الامل في حربها على الفساد

حيث إفتقد الرئيس الشجاعة اللازمة للمضي ضد تيار "موريتانيا الأعماق" واعلن التنظيم انه سيكون في خندق المعارضة الأمامية و السلمية للسلطة الحالية ، إلا أنه سيأخذ بعين الإعتبار أي تطور إيجابي يتقاطع مع أهدافه مداولات ضمير ومقاومة غداة تنصيب محمد ولد عبد العزيز فى رئاسة الجمهورية ، منحت ضمير ومقاومة للسلطات الجديدة في موريتانيا ، فترة تجريبية لستة أشهر. وإثر إنقضاء المدة ، حان الوقت لتقييم الحصيلة و إتخاذ موقف لا لبس فيه. بعد ستة أشهر من تسيير الشأن العام ، تبدو النتيجة غير واضحة ، وتدعو إلى عدم الرضا وتثير الشك حول قدرة القادة فى موريتانيا على القطيعة – المؤجلة دائما – مع مركباتها البنيوية :

1. العشيرة (الرابطة ) بالدم ، حيث لا تزال روح العصبية و أسلوب التمالؤ تسود المجال السياسي ، بما لها من تبعات من مؤامرات تبقى فوق القانون . مع محمد ولد عبد العزيز ، يبقى تحدي تحقيق المساواة الرهان الأكثر أهمية لبقاء موريتانيا. فبدون معاملة المواطنين بالمثل طبقاً للقانون، تبقى علامة إستفهام تلقي بظلالها على استمرارية موريتانيا كدولة، حيث يسود الغش والتدليس والإكراه يومياً.

هنا ، لم يتغير أي شيء ، جلادوا الأمس لا زالوا يضطهدون نفس الضحايا اليوم ، دون أمل في أن يجد الضحايا منصفاً في ظل قضاء تعجزه المراوغة و العقليات الإقطاعية عن الحياد. كما تستمر إثنية واحدة فى إحتكار الجزء الأكبر من الموارد و قوة السلاح ، دون أي مؤشر موضوعي على إمكانية كسر هذا الإحتكار. و لا يزال جوهر دكتاتورية ولد الطايع صامداً أمام الهزات الارتدادية ضده بشكل يسمح له بتجديد جهاز مناعته لحد يضمن به بعث أسسه تلقائياً.

 

عدى ذلك، تستمر عقدة التفوق بسبب النسب فى الإبقاء على جزء من السكان كعالة طفيلية على المجتمع . وينتج عن ذلك إزدراء العمل اليدوي و هي ظاهرة لا تزال متجذرة و عاملاً محدداً فى تمييز الأعراق تماماً كأنتشار تزوير الوثائق الإدارية والمؤهلات الدراسية ؛ ففي كل مكان ، و على كل مستوى من الدولة ، يسود الإحتيال والسعي للإثراء السريع دونما عناء.

2. تتراكم في حكومة ما بعد انتخابات 18 يوليو 2009 درجة من عدم الكفاءة و التخبط تجعل استمرار الأداء الطبيعي لأغلب المؤسسات ضرباً من المعجزات.

و بالرغم من حصول بعض الإجراءات المحمودة لتنقية الإدارة و التعجيل في طرد مسؤولين نتيجة إرتكابهم أخطاء جسيمة، يندر فيه ذوو الكفاءات في الإدارة، و جل من فيها يتقاضون أجوراً زهيدة، و تتعلق ترقيتهم او بقاؤهم بتفاهمات محسوبية و وساطات قبلية تتجرد من أي معايير موضوعية للثواب والعقاب و العصامية. فنظراً للعقلية السائدة بين هؤلاء و إفتقارهم للحس النقدي ، يعكس هؤلاء الأفراد عيوب بيئتهم ، وبالتالي لا يمكنهم بث فكرة تقديم المصلحة العامة . فحمى إحتواء الإرهاب الديني و تهريب المخدرات تصطدم بفساد الأجهزة الأمنية و اختراقها من طرف هاتين الشبكتين.

وأخيراً، فإن عدداً من كبار الضباط الذين يعرفهم الجميع يبيعون و فى بالمزاد العلني -طمعاًِ في الربح أو حسب الحاجة- ذخيرة ومعدات الجيش لحركات التمرد في منطقة الساحل والصحراء . ولد عبد العزيز، مثل سلفه المدني، يعرف حجم الفوضى إلا أنه يتقبلها حتى الآن لإنشغاله بحماية نفسه من الانقلابات و المؤامرات.

3. و نظراً لإنعدام قواعد عامة تنطبق على الجميع ، لم تشهد الشفافية في مجال التنافس الاقتصادي أي تحسن. كما هو الحال فى اللجنة الوطنية للصفقات فمنذ لحظة الشروع في تحديد المتطلبات الخصوصية لمشروع تجهيزات عامة ما ، فإن إجراءات منح الصفقة تسير بالتزوير والتزييف والتدليس، و ذلك مقابل مكافآت فورية ورشاوي مقبوضة. فالشخصيات المسؤولة و الموزعة لتلك الممارسات لها إمتداداتها في المجتمع، و تتمتع ليس فقط بالتواطؤ الاجتماعي بل بحماية كاملة من السلطة العليا. و أحدث مثال على ذلك- لم يجف حبره بعد- هو تغيير مجموعة من الوثائق الرسمية كجواز السفر بكلفة تجاوزت عدة مليارات أوقية.

و خلافاً للمعايير والأعراف المتبعة، كُيفت المواصفات لصالح شركة للبطاقات الذكية من أجل ارساء الإختيار على من يراد تمكينه من الصفقة و تلك المؤسسة شريكة لمجموعة أهل غدة، أبناء عمومة وأنصار ولد عبد العزيز ، و المعروفون ببيع المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية. وعلاوة على ذلك ، فإن معظم المترشحين الآخرين انسحبوا من الصفقة نظراً لفداحة تلك الدسيسة.

و هنا لا بد أن نتساءل عن مزاعم المحسوبية والمنافسة غير الشريفة في جميع قطاعات الاقتصاد التي تميز النفوذ المتنامي للمجموعة التجارية بوعماتو المحدودة (BSA). مما يزج بجزء حساس من السيادة الوطنية ضمن منطق البقالة و القرابة البدائية . فقد سجل تكاثر خطير لمثل هذه الحالات خلال الستة أشهر الماضية ، أما فيما يتعلق بالإثراء غير المشروع ، فإنه من اليقين بأن صبغة من المحاباة القبلية تلون فعلاً النظام الحالي، و قد تتعاظم هذه النزعة لدرجة مساوية للسنوات الخمس عشر الأخيرة لحكم ولد الطايع.

4. و بخصوص شعار "محاربة الفساد" ، وعلى الرغم من بداية مشجعة ، إلا أن خيبة الأمل سرعان ما حلت محلها . فمن الواضح ، أن محمد ولد عبد العزيز أراد أن يدخل تاريخ موريتانيا بحملة حقيقية ضد الفساد لكنه إفتقد الشجاعة اللازمة للمضي ضد تيار "موريتانيا الأعماق" الذي لمس هو عمق فساده .

لقد بين التحقيق في إختلاس أموال من حساب سري في البنك المركزي الموريتاني الإنحطاط الأخلاقي الغريب: فالرأي العام يشكو المختلسين و عالم الدين يتوسط لإخراجهم من السجن و رئيس الدولة يقبل ثم يحل الموقف بإتفاق لسداد المبالغ "المستحقة". و يعود كل شيء لنظام النفاق المعتاد عندما يسخر سارق الثور الذي يمتطي مسروقه الغث من سارق البيضة الذي يُسحل في الشوارع لإحتقار الناس له. و من ضمن المتناقضات الموريتانية، فإن إلحاق الضرر بالممتلكات العامة لا يثير إلا سخطاً انتقائياً بين بعض قطاعات النخبة المتعلمة التى لا ضمير لها بينما تستسلم الجماهير و هي الضحية الاولى لقدرها اليومي .

5. و في مجال حقوق الإنسان يسود الجمود و التصلب . و يهدد الخراب البنى التحتية للسجون ، و يكرس الإكتتاب من داخل هيآت القمع الحصانة العنصرية ، و يمتزج أسلوب الإكراه بالمغامرة ، وتصبح ممارسة التعذيب الممنهج ضد معتقلي التيار السلفي والحق العام ردة فعل لا تثير حتى مجرد نقاش. فبدلاً من التعويضات عن الإضطهاد و جرائم القتل العنصرية التي قطعت بها وعود ، يستمر قانون العفو العام لسنة 1993 فى حماية القتلة الذين تتمركز غالبيتهم بمراكز القرار في القوات المسلحة و قوات الأمن .

و على نفس المنوال، تستمر عودة اللاجئين الزنوج من السنغال ومالي في ظروف أفضل ، إلا أن العديد منهم لم يستطيعوا استرداد ملكية عقاراتهم حتى الآن و التى أعطيت بالإكراه للموريتانيين العائدين في عام 1989. مما يدفع بالنزاعات على الأراضي بين المجموعتين للتزايد ، في حين أن الإدارة المحلية لا تزال ترفض بشكل قاطع إعادة النظر في لوضع القائم. و يشكل قرار وقف إصدار بطاقات التعريف الوطنية الذي إتخذته الحكومة في أواخر عام 2009 إعاقة لإعادة دمج العائدين و منحهم حقوقهم المدنية والسياسية و حرية الحركة. كما أنه ، و بسبب التواطؤ الجلي بين الادارة الإقليمية والقضاة من جهة-والسادة القدماء من جهة أخرى- لم تؤدي أي شكوى قانونية ضد ممارسي الرق إلى إتخاذ أي إجراءات ، و يشكل هذان الجانبان من التمييز الاجتماعي و العرقي عاملأ محفزاً للعنف قبل أن يسبق السيف العذل .

6. أما دبلوماسيتنا تغوص في الركاكة و الإرتجال حيث سلمت لإمعات لا يصعب تخيل نتائج أفعالهم: فهي يوماً شافيزية و آخر متمالئة مع الديكتاتورية الإيرانية و ربما تجري محادثات مع بيونغ يانغ غداً، مما يعري الإفلاس الكامل و فقدان المصداقية لتلك الدبلوماسية في تناقض صارخ مع الهيبة والإستمرارية التي ميزتاها قبل الإنقلاب العسكري سنة 1978 . إذ يملأ سفاراتنا المصابون بأمراض مزمنة وتاجرات الحلي و المشعوذين من الأيادي العاطلة الكسولة، مما يحط مستوى تمثيلنا إلي مسخرة عبثية مقززة.

و في هذا المجال، يسيئ إيما إساءة للمضيفين إضمحلال المظاهر و رموز الدولة وتدهور الهيئة و اللامبالاة. و يبقى التغاضي عن سوء التسيير و اختيار الدبلوماسيين بدون حساب للكفاءة هو الذي يغذي المساومات بين السلطة المركزية والقوى النافذة بصفة دورية فى انواكشوط. و على هذا المستوى من فإن الحصيلة كارثية .

7. منذ اعتقال الصحفي حنفي ولد الدهاه ، المدير الناشر لموقع تقدمي الأكتروني ، تتصادم روح الإنتقام مع إحتقار القانون، و بسرعة ، لتحل محل الرغبة فى الاصلاح لدى المرشح محمد ولد عبد العزيز. هذا الأخير الذى أراد تصفية حسابات شخصية مع صاحب قلم حر و موهوب لأنه محصن ضد الضغوط الإجتماعية و المادية، إندفع وراء رغبة جامحة لإسكات صاحب صوت معارض دفعته لإبقائه في السجن بعد انقضاء مدة عقوبته. هذا السلوك الإنتقامي من رأس القضاء فى موريتانيا يحقر هذا المنصب و ينقص من إحترامه. إستنتاج من ناحية التوجه العام ، فإن محمد ولد عبد العزيز يبرز نية ربما تكون صادقة في ظاهرها إلا أنها تتجلى للأسف بشكل متشتت و مرتجل.

ففي البيئة والصحة والتعليم ، يطغى الافتقار لرؤية عن مشروع خلاق يصنع الإزدهار و يكون مصدراً لرفع الأخلاق يمكن لمسه من خلال خطاب تصحيحي يتوسط بين الحس السليم والإندفاع الشعبي. لكن هذا الخطاب يظل مشلولاً بدافع الخوف من الإخلال بالعادات . و هنا تتجلى المعضلة فى عدم الحركة تارة ، و الإندفاع المحموم تارة أخرى . فروح المبادرة تركت مكانها لتحل محلها ردة الفعل على كل حدث دون أي إستمرارية أو منطق .

فولد عبد العزيز يبطئ فى فهم أن أي إرادة فى الإصلاح فى الفضاء الموريتاني يجب أن تتحقق ، بطبيعة الحال ، باتجاه المجتمع و ضد قيمه المحافظة ، ودون مشاركة الموظفين المتورطين في ديكتاتورية ولد الطايع . فقبل أن ندرك المسلمة فى أن ولد عبد العزيز يتخبط و يترنح بين حكومة ظل تدشن مشاريع بالجملة سرعان ما تهجر لاحقاً. للأسباب المذكورة أعلاه و إثر نهاية فترتها التجريبية، فإن ضمير و مقاومة:

1. تلاحظ تقدماً متواضعاً في تسيير الشؤون العامة، خاصة ترشيد ممتلكات الدولة و معاقبة الأطر الفاسدة

2. تعبر عن قلقها من إمكانية التراجع عن ذلك بفعل مقاومة معاقل الرجعية لتلك الإجراءات و تندد بمشاركة عتاة المختلسين والجلادين في عهد ولد الطايع ، فى الدبلوماسية ، و الجهاز الإداري ، وقوات الأمن و تموضعهم في بطانة محمد ولد عبد العزيز

ج. تعلن عدم كفاية هذه الاجراءات و تأثيرها على نظام الهيمنة السائد ، لا سيما فيما يختص بالإفلات من العقاب و المفاضلة الذي لا تزال ممارسة الرق وتداعياته تلاقان بالنفي الرسمي في إطارهما بالتواطؤ مع الأسياد و المسؤولين و الضباط

د. تشجب لا مبالاة السلطة الجديدة بظاهرة التصحر الخطيرة ، ويدعو إلى حظر تدريجي لتجارة الفحم ، السبب الأساسي فى تلك الكارثة ه. يدعو السلطات إلى مراجعة رؤيتها الديبلوماسية بحيث تشجع على عودة موريتانيا إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ، والقبول غير المشروط ببروتوكولات المحكمة الجنائية الدولية

27. تتموقع في خندق المعارضة الأمامية و السلمية للسلطة الحالية ، إلا أنها ستأخذ بعين الإعتبار أي تطور إيجابي يتقاطع مع أهدافها التنظيمية المبينة في ميثاق العادلين، ميثاقها الأساسي.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى