عن “القاعدة” و”أفلام”..
في طفولتي، لم يكن يهمني سوى كتابة قصائدي، ثم جاءت ضغوط “لقمة العيش” لتجرفني إلى تيار مهنة الصحافة، فأصبحت بقدرة قادر “كاتبا صحفيا”، وحاولت المزاوجة بين هاتين المهنتين الجنونيتين، مهنتي “النار والرماد”، فكنت أحترق نهارا وتذروني الرياح ليلا.. والنتيجة أنني لم أكتب شعرا، ولا تزال “لقمة العيش” أصعب مراسا من ليلى وعزة وبثينة، وكل اللواتي أفرش لهن التاريخ أهدابه السندسية.
حاول الكثيرون دفعي إلى حدود “السياسة” ولكنني آثرت السلامة المهنية، ويبدو أن ذلك كان مقدمة لمشاكل أخرى لم تكن في الاعتبار.. إذ أصبحت مستشارا (بدون راتب) لقيادات سياسية وأخرى اجتماعية.. ترى أنني “هيئة مخابرات تمشى على قدميها”.. وأن لي من الرؤية السياسية ما يفيدها في برامجها وخططها الإعلامية والتعبوية.
اخترت أن أكون إنسانا بسيطا يكتب الشعر في “الكزرة”، ويخيل إليه أن عرق نسائها أزكى من عطور “إيف سان لوران”، وأنهن أكثر أنوثة من “الكراسة” الهوليودية “أنجيلا جولي”، والوردة اللبنانية “هيفاء وهبي”، وكنت أخوض معركة خاسرة لقتل الطفل الرابض في داخلي، والرافض لكل مفاوضات السلام والخروج إلى الأمر الواقع على أعتاب مغارة “علي بابا والأربعين حرامي”.
أما اليوم فقد كادت “جرة” متاعبي أن تنكسر جراء مهنتي الجديدة، والمتمثلة في الإرهاب، فعلى غرار النائب الخليل ولد الطيب أصبحت أنا أيضا إرهابيا رغم أنفي، وإذا عرف السبب طار العجب.
فأنا أمجد وأقدس المقاومة الفلسطينية، وأعتبر حزب الله وحسن نصر الله (حفظه الله) قدوة، وأقسم أنه أحب إلي من أبنائي، وأحب إلي من ألئك “العرب القاعدين”، سواء فوق دبابات تحرس، أو في حانات تجرس..
وما دمت عضوا في “نادي” الإرهاب، فالمشكلة أنني لا أعرف كيف أخدم الإرهاب والإرهابيين، وخاصة تلك المنظمة غير الإرهابية التي تدعى “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، لكنني سأتطوع هنا، ورجاء لا داعي لرقم الدرك الوطني، سأتطوع، إذن، بإبلاغ التنظيم عن ما سمعته من مواطنين موريتانيين هذا الأسبوع يستغربون لماذا يشترط التنظيم إطلاق سراح عناصر من معتقليه في سجون نواكشوط مقابل الرهائن الإسبان، ولا يشترط على إسبانيا رفع الظلم عن الأسرة الموريتانية المسلمة المنكوبة التي حكم عليها بالسجن عشرات السنين (مجموعها 45 سنة) لمجرد أنها زوجت ابنتها وفق الشريعة المحمدية.
ألم تقم السلطات الإسبانية منذ ثلاث سنوات بالحكم بسجن محمد ولد عبد الله (أب الأسرة) وحواء بنت الشيخ (والدة الأسرة) وزوج ابنتها عشرات السنين، واختطفت ابنتها القاصر (إسلمها) ومنحتها لأسرة إسبانية مسيحية لتربيها؟!
ألم تستنجد هذه الأسرة المنكوبة المظلومة بجميع المسلمين في العالم لتحريرها من هذا الظلم الفادح دون أن تجد نصيرا.. ولا تزال وراء القضبان في مادريد.. أو غيرها من “حواضر الأندلس”.
أم أن “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” هو فقط من “مسلمي” تجار تحصيل “الفدية”، و”نخوة الفدية”، وإراقة الدماء المسلمة في موريتانيا والجزائر، وحماية قوافل المخدرات.
إن خبرتي في الإرهاب ليست كبيرة جدا، ولكني سأصفق للذي يحرر تلك الأسرة المسلمة التي حكم عليها بالسجن لأنها زوجت ابنتها وفق الشريعة الإسلامية، ولم تختطف رهائن إسبان ولا غير إسبان..
لقد تحررت “أليسيا غوميز” (السيدة عائشة) لأنها “أسلمت”، كما ذكرتم، فما ذنب “حواء بنت الشيخ” تلك التي كانت مسلمة، وتدفع منذ سنوات ثمن التمسك بتعاليم إسلامها.
استغل “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” كل الوسائل الممكنة لتشويه سمعة “الجهاد” وقلب معناه ومضمونه، ولا يعرف أحد حقيقة الدور المخابراتي الصهيوني في تمويل هذا التنظيم لإضعاف المغرب العربي، وتبديد جهوده التنموية، وتلك حكاية أخرى.. لأن مكالمة هاتفية من أحد قادة التيار المعتقلين في نواكشوط ورد فيها تصريح خطير جدا ينتقد “الإخوان المسلمين” لكونهم “جعلوا من فلسطين القضية المركزية لكل العالم الإسلامي وهي مجرد جزء منه”.
أي جهاد هذا الذي يعتبر فلسطين بالنسبة لهم “مجرد جزء”.. يا للعار.
لكن موريتانيا ليست مبتلاة بتنظيم القاعدة فقط، فهناك التنظيم الآخر المعروف ب”قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين” (أفلام) والذي يمارس “جهاده” ضد عروبة موريتانيا.
ومن آخر وقاحات هذا التنظيم إصداره بيانا يتحدث فيه عن ربع قرن من “النضال” ضد عروبة موريتانيا، وضد “اللغة العربية” بالذات، بل ويعتبر تصريحات رئيس الوزراء مولاي ولد محمد الأغظف بخصوص ترقية اللغة العربية “دليلا على أن العنصرية ما تزال متجذرة في النظام في موريتانيا”.
وقالت الحركة في بيانها “إن أي محاولة لفرض هيمنة اللغة العربية على غير العرب هي محاولة لتقسيم البلاد وجرها إلى النزاعات المدمرة”.
وطالبت الحركة الزنجية الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف بالتراجع عن التصريحات التي قال فيها إن “موريتانيا بلد عربي”.
إن نذالة أصحاب مشروع “جمهورية الوال والو”، تتجاوز كل حدود، ولا يستفزهم شيء كالحديث عن اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، ولغة أهل الجنة، واللغة الروحية لملياري مسلم.
لكن من السذاجة السكوت الرسمي عن هذه الحركة التي تأسست من أجانب وشوهت سمعة البلاد عبر مكاتبها الخارجية، ووفرت حق اللجوء السياسي لعشرات الزنوج الأجانب على حساب سمعة موريتانيا، وقادت ثلاثة محاولات انقلابية لإبادة جزء من شعبنا وإقامة كيان مصطنع و”وطن للشتات” على غرار ربيبتها “إسرائيل” التي دربتها على بث البلبلة والفتنة الطائفية.
بأي حق تسمح السلطات الموريتانية لعواصم أوروبية باحتضان هذه الحركة والسماح لها ببث سموم الفرقة والتعصب والحقد.
وبأي حق تسمح السلطات الموريتانية لقادة هذه الحركة بالتحدث كموريتانيين، وأغلبهم لا يعرف موريتانيا إلا من الخريطة والوصف، وأنفق العشرات من أطرها آلاف الساعات لدراسة المناطق والبلدات الموريتانية خاصة في الجنوب حتى لا يتفوه أحد منهم بأنه كان يعمل صيادا في “بحر بوتلميت”. قبل أن يقتل والده ويجرح خاله وتغتصب ابنة أخيه على يد “العرب البربر”.
“الثروة الأكبر هي الموقع الاستراتيجي”، وعلى موريتانيا التي أصبحت عمليا “حارس بوابة أوروبا” أن تضغط على الأنظمة الغربية لطرد هؤلاء من أراضيها وقطع التمويلات عنهم مقابل إيقاف موريتانيا للهجرة السرية إلى أوروبا، ومقابل التعاون في ملفات الغرب أدرى بأهميتها..
إن أعضاء “أفلام” أطر من بوركينافاسو، ومن السنغال، ومن عدة دول قرروا ذات يوم إنشاء “جمهورة الوال والو”.. فشلت المحاولة في السنغال مبكرا.. لكن الغباء الموريتاني سمح لها بأن تعمر كل هذه الفترة.. “ربع قرن”.
إن ملف هؤلاء لدى الاستخبارات الموريتانية، وتعرف جيدا من أين جاء كل منهم، فعليه أن يعود من حيث جاء، أو يبقى كما هو ويترك “هذه الموريتانيا” (البربرية العربية الإفريقية)، أما مواطنونا الذين غرر بهم هؤلاء، فحان لهم أن يعودوا إلى وطنيتهم.
إن الزنوج لا يعملون ضد اللغة العربية في كل أنحاء العالم إلا في موريتانيا بالذات التي تعمل فيها نخبة منهم ضد العربية. فما السبب.. ببساطة لأن المستعمر الفرنسي جاء بوكلاء “أوفياء” شكلوا إدارة الدولة إبان الاستقلال، ومنذ ذلك التاريخ وروح تلك الإدارة تنخر في هوية هذا البلد.
والآن لنغادر “وكر” هذه الحركة البغيضة التي تحارب لغة القرآن في الأرض، ويبدو أنها لا ترى للزنوج من أعداء سوى العرب، ولنغادر “ماخور” “خوارج” العصر، فهم لن ينشروا غير دماء الأبرياء، ولن يشوهوا سوى سمعة الإسلام والمسلمين، ولو كانوا مجاهدين بالفعل لذهبوا إلى فلسطين أو العراق أو الشيشان، أو أفغانستان التي تواجه تحالفا صليبيا جديدا.. لنغادر كل ذلك… ولنلتفت إلى “المهم”.
سألني أحد القادة البارزين في المعارضة عن سبب “حظر الظهور” على حرم الرئيس، عكس السيدات الأوائل السابقات اللواتي سمين بـ”أمهات المؤمنين”، إحداهن كانت “عارضة أزياء”، والأخرى لا أعرف الآن إذا كانت منظمتها الخيرية قد انتقلت إلى “هايتي” لتقديم خدماتها هناك.
اسمعوا جوابي للقيادي المعارض، قلت له بالحرف “لا أعرف لكن ربما كان لرئيس الجمهورية زوجتان أو أكثر، وبالتالي فهو، ولأن الشرع أوجب العدالة بين الزوجات، لا يمكنه السماح لإحداهن بأن تصبح السيدة (الأولى) وتصبح الأخرى السيدة (الثانية)”، وعليهما معا البقاء في الظل أو في السر”.. وأنتم تعلمون أن “العلاقة قوية بين الظل والسر”.
فرد علي “أنت تمزح، وأنا أعرف أن “وكالتك الإخبارية الهاتفية” لا يمكن أن تكون قد تجنبت هذا الموضوع”.
ثم غيرنا الحديث إلى سؤال آخر: “ما السبب في فشل نظام ولد العبد العزيز إعلاميا”… قلت “أعتقد أن صناعة البروبوكندا في موريتانيا من اختصاص حركتين سياسيتين، الكادحين والإسلاميين، والرجل (الرئيس) مصر على أن لا ينتـفع سياسيا وإعلاميا من هاتين الحركتين.. وريثما يبني سياسة إعلامية جديدة عليه أن يعرف أن “الرفاق و”الإخوان” ولدوا من رحم الإعلام”.
قال لي “أنت تستنقص حجمنا ونحن حركتان أيديولوجيتان منظمتان قبل أن يكون هناك إعلام”.
لقد فهمتم الآن.. قالها بنفسه.. وإياكم وقراءة ما “بين السطور” فهي تشبه التنبؤ برد فعل الزوجة على ترحيبك الحار بصديقتها الجميلة.
أقرا أيضا :
– رئاسيات 2009 نهاية التاريخ .. والإنسان الأخير بقلم : سيد أحمد ولد مولود
– معركة التعريب في موريتانيا بقلم المختار السالم
– انتصارا للعربية ردا على معركة التعريب في موريتانيا بقلم : جبريل جالو