الحرب على الذات

أوراقــــــ/ بقلم: المختار السالم

 

الحرب على الذات

 

استعجل الكثيرون مني كتابة "أوراق" هذه المرة، فهم يرون أن السيل بلغ الزبى. و"الزبى" هذه لم أجد في التاريخ من يحب الوصول إليها، ربما لأنها مكانة لـ"الشجعان"، وما نشاهده في تاريخنا "الاستثنائي" لا مكان للشجعان فيه، ومن الطبيعي أن تخيفهم الزبى، بل ويخيفهم هذا الرغاء وهذا العويل المجنون الذي احتل خارطتنا الصوتية.

 

الحدث الأبرز هو "اللغة العربية".. وما يجري على خلفية بساطها الذي لم ينشر بعد.

 

ويمكنني تلخيص موقف التيارات والقوى الزنجية المعادية للتعريب من خلال بياناتها وتصريحاتها في التالي: "أن التعريب يشكل تهديدا لهويتها، وأن فرض اللغة العربية في الإدارة هو إقصاء للزنوج". يمكنكم الرجوع لبيان "أفلام"، و"رابطة اللغات البولارية والسنكية والولفية"، وبيان رابطة الطلاب الذين تظاهروا ضد العربية. وتصريحات صار إبراهيما مختار.. وآخرين.

 

ويمكن قراءة "القول الفصل" بأن "التعريب يعني الحرب الأهلية" (أفلام)، وإن "التصريحات الديماغوجية للنظام" (عن التعريب كما فهمت) تعني "إثارة النعرات العرقية" (بيان منسقية المعارضة).

 

هذا هو الوجه الأول. أما الوجه الثاني فهو "وجه" أكثر إشراقا. ويتعلق ب"الحصة" المتنامية للأقلية الزنجية في البلاد. في ظل نظام الرئيس الجديد محمد ولد عبد العزيز.

 

إذ يقال في الصالونات إن النظام قدم التالي:

 

ü   منح حصة 7 وزارات في الحكومة لصالح الزنوج، ويحدث ذلك لأول مرة في تاريخ البلاد.

ü منح ولد عبد العزيز ضباط الزنوج 3 من أصل 4 قيادات أركان في الجيش (قيادة أركان الحرس الرئاسي، قيادة أركان الدرك، قيادة أركان الحرس الوطني).

 

ü منح ولد عبد العزيز الزنوج رئاسة المحكمة العليا، ومحكمة الحسابات، والمفتشية العامة للدولة، ورئاسة لجنة الصفقات، ورئاسة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان. فضلا عن عدد متنام من الإدارات والولايات والحكام والمصالح المختلفة.

 

ويضاف ذلك للمكاسب السابقة كمنصب رئيس مجلس الشيوخ (خلف رئيس الجمهورية)، وحزمة من الوظائف الهامة، مدراء، مستشارين، رؤساء مشاريع… إلخ.

 

أعاد ولد عبد العزيز ووطن 20 ألف زنجي عائدين من السنغال. والبركة في البقية التي تستعد للقدوم من جمهورية مالي.

 

كما ضخ النظام عشرات المليارات من الأوقية في "وكالة دمج اللاجئين" التي توزع المبالغ النقدية والأراضي الزراعية والمواشي والمدارس والأدوية والأغذية والملابس.. وهلم جرا.

 

دفع النظام مئات الملايين من الأوقية كديات لعائلات المفقودين من الجيش (241 عائلة)، وضمن كفالة الدولة لهم. وبلغت الدية 6 ملايين أوقية للفرد الواحد.

 

أقام ولد عبد العزيز الصلاة على روح المفقودين، وقدم اعتذارا باسم الأمة.

أعادت حكومة ولد عبد العزيز، وب"صفة استعجالية"، توظيف مئات الموظفين المفصولين من الزنوج، وأجرت إحصاء آخر للمفصولين سجل فيه عدد لم يكشف النقاب عنه بعد.

 

وأخيرا أنشأ النظام وزارة للشؤون الإفريقية تولتها "المدللة" كمبا باه، وتقوم هذه الوزارة على أنقاض المرحومة "كتابة الدولة للمغرب العربي" التي تم حلها.

 

هذا ما يتردد في الصالونات.. ويجد طريقه إلى "أوراقي" الصفراء هذه.. ومن حقي التعليق على ما يجري.

 

في النقطة الأولى، في موضوع اللغة العربية، من المستغرب أن يخاف القوميون الزنوج من العربية على هويتهم، ولا يخافون من اللغة الفرنسية، لغة المستعمر على تلك الهوية. فما هي الضمانة التي تقدمها الفرنسية للهوية الإفريقية؟

 

وما دوافع الانحياز للغة أجنبية على حساب لغة إفريقية هي العربية..؟

وعند النظر في الجوهر، فالعربية التي لم تكن فحسب لغة الزنوج الرسمية طوال أكثر من ألف قرن قبل الاستعمار، بل أيضا هناك تقارب كبير في قيم الزنوج والعرب في كم كبير من العادات والتقاليد والأنماط الاجتماعية، فضلا عن كونها الخزان الروحي لدين القوميتين.

 

في النقطة الثانية، يجب على أي أحد أن لا يخطئ، فمهما كان حجم "الحصة" التي تقدم، فلن تـُـقبل أبدا مقابل "تمرير" قرار التعريب.

 

وأبرر ذلك في التالي: فـ"وكلاء" الفرانكفونية نجحوا منذ البداية المبكرة في تحويل ملف اللغة الفرنسية إلى "ملف عرقي" في موريتانيا.

 

كما لن تقبل "الحصة"، أو سياسة تمييز إيجابي مقابل السكوت عن الماضي. لأن ملف "الإرث الإنساني" لم يغلق بعدالة أبدا في أي دولة فتح فيها. وما جرى في جنوب إفريقيا والمغرب ورواندا (التي فقدت 2 مليون نسمة) لم يتجاوز جلسات "بوح ذاتي". وإذن هي دفن للماضي بطريقة هادئة، توهم الناس أن العدالة تحققت.

 

كما أن دخول "العامل التجاري" على الملف الإنساني في موريتانيا، يجب أن لا يدفع أي نظام للاعتقاد الخاطئ أن بإمكانه إلهاء "صيادي" الوظائف بهذا القدر أو ذاك.

 

فالحقيقة هي أنه "مهما كبر حجم الفريسة، فإن ذلك لن يغني المفترس عن الاستمرار في مهنة الصيد".

 

ولكن، دعونا مما يردده البعض ب"غضب عارم" بأن ولد عبد العزيز في الملف العرقي "جمع بين نظامي ولد هيداله وولد الشيخ عبد الله".

 

فالسياقات أحيانا تتشابه، والمشكلة أن "الكلمات لا تعترف أحيانا بالحدود". ولا يهمها من يفصل خرائط المعاني على مقاساته الذهنية.

 

 

"الحصة"..

 

إذا كنا سنعتمد سياسة "الحصة" للسيطرة على "الأمور" وإحقاق الحق. فعلى أي معيار تغيب هذه "الحصة" عن شرائح المجتمع الأخرى.

هل من المقبول أن تكون حصة العرب السمر (الحراطين)، والذين يشكلون قرابة الـ 50% من سكان البلد، 3% فقط في الحكومة، وأقل من 0.5% في المناصب العليا.

 

ألم يكف هؤلاء أنهم عبروا، بصبر سيزيفي، قرونا من العبودية والظلم والتهميش والقهر والدونية.

 

متى ينتهي قدر "البطالة" و"النسيان" في حق هؤلاء الذين ولدوا عربا بالفطرة لغة ودينا وعادات وتقاليد وقيما.. إنما ولدوا في "الجانب الأيسر" من الخيمة.

إن هذا "المنطق الزئبقي" يقول لنا بصلافة وعجرفة "إن أحكام التاريخ نهائية". وهو أمر تكذبه الحقائق والوقائع.

 

نحن اليوم أمام "حرب لغوية".. الفتيل يشتعل لكنه لم يصل بعد إلى القنبلة،

وإن مشكلة التعريب ليست وهمية.. فهناك أغلبية محرومة من حقها الطبيعي والدستوري، وهناك حلف إفرانكوفوني بات تحت يـد "السيد الكولونيالي". إنما تحت شعار آخر.

 

والمشاكل لا تحل بالعاطفة، ولا بالاستكانة، ولا بالمجاملات، ولا بالظلم أيضا.. ولا تحل بـ"الترضيات الموسمية" قطعا.

مشكلتنا مع اللغة الفرنسية يجب أن تحل.. نحن لسنا منقوصي السيادة إن لم نحل هذه المشكلة فحسب، بل منقوصي الكرامة والآدمية.

والملف اللغوي في هذا البلد يغذي أكثر من "جراب"، وينشر بذور "الشر المستطير".

 

وبالموازاة مع ذلك، نحن اليوم أمام "حرب على الذات".. نعم "حرب على الذات".. فالعمل على "الصيانة الدائمة" لمؤشر التمييز الطبقي القديم في مجتمعنا العربي بالذات أمر يدعو للخجل. بل على الأصح يدعو للقرف.

 

وللذين يسبحون في صلات الشبَه الكبير، والعلاقة الوطيدة بين "دقات" الطبول و"صليل" السيوف.. للذين يتمنون أو يخشون اندلاع "ثورة دموية"، أقول لهم "لقد اشتغلتم في شغل"..ف"تلك الحرب لن تخوضوها"، فإما أننا "مجتمع واحد مرابط"، وإما أن تقع المخاوف فنستيقظ على القوات السنغالية والمالية والجزائرية والمغربية تتبادل كؤوس القهوة على "ضفة النهر".. أي المشروع القديم الذي "حذر" منه "منظرو الكواليس".

 

تأجلت "المنتديات التشاورية حول التعليم"، بحسب علمي المحدود جدا، والسبب هو "موجة العنصرية" التي تجتاح الجميع في هذا الظرف على خلفية التعريب… العنصرية.. العنصرية.. نعم للأسف.. ذلك هو منطق الواقع الأصفر.

 

وإذا كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا يريد تكرار أخطاء الماضي، فعليه الاحتكام إلى الشعب الموريتاني، وإجراء استفتاء حول اللغة العربية. فتلك هي ورقة الحق الوحيدة التي ستجعل الجميع يخرس، ولا يستطيع أي كان رفض نتائج استفتاء شعبي حر ونزيه.

 

التعديل الوزاري..

 

يعرف الرئيس محمد ولد عبد العزيز كيف يجعل "أعصاب" الأغلبية والمعارضة تتكسر وتتحول إلى هشيم، فبعد تسعة أشهر (فترة حمل الأنثى)

وضع التعديل الوزاري أوزاره. خرج 6 وزراء، وصعدت أربعة وجوه جديدة.

 

بالنسبة للشارع لم يقع أي شيء، فالتعديل الوزاري "ناغم" التركيبة السابقة الحالية، فلم تجد الشرائح ولا القبائل مكانتها في الحكومة.

 

وقد تساوت المعارضة والأغلبية في "خيبة الأمل" في هذا التعديل، بل إن المعارضة لم تكن تنتظر "الكثير"، كما قال لي أحد شيوخها، لكن الأغلبية "ماتت" و"لم يعد لدينا أي أمل"، على حد تعبير رئيس حزب في الأغلبية.

إنها علامة فارقة، حكومة لا تمثل "أحدا"، ولا يرضى عنها أحد.. لسان الحال.. لن ترض عنك المعارضة ولا الأغلبية، وسيعملان كما يفعلان "الآن" "يدا بيد" ضد النظام.

 

لا يتطلب التعديل الوزاري أي قراءة، يكفي العنوان، ورئيس الجمهورية، الذي "غلب" الصحافة هذه المرة، كان مفاجئا في هذا التعديل الجزئي المحدود.

 

لكن الجنرال رجل مفاجئات.. والمعارضة والأغلبية من النوع "النمطي"، والمعركة دائما جارية لاحتلال "عيون وآذان" الرأي العام… لكن الشعراء وحدهم من يتذكر دائما "أمعاء الفقراء"، و"رموش النساء".

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى