سياسة “الوخز بالإبر”
لا احد يستطيع- حتى الآن على الأقل- فهم السياسة المتبعة من طرف الرئيس ولد عبد العزيز’ وطاقمه الحكومي في تسيير الشأن المحلي’ وإدارة الأزمات السياسية والاجتماعية المتلاحقة ’التي تعصف بالبلاد منذ بعض الوقت’ ولا حتى تلك المتبعة على المستويات الاقتصادية’ والدبلوماسية’ والأمنية.
إن محاولة فهم تلك السياسات تبدو عبثية للغاية’ إذ لا ثوابت’ ولا معطيات’ ولا منطلقات يمكن تحديدها, فالمتتبع لتلك السياسات لابد أن يلاحظ وجه شبه لافت بينها وبين ما يعرف طبيا ب”العلاج عن طريق الوخز بالإبر” ,الذي هو علاج شعبي صيني, ذائع الصيت-عالميا- يعتمد على استخدام ابر مختلفة الأطوال’ والأحجام’ والأدوار’ والوضعيات لتنبيه أعصاب الجسم البشري, المنتشرة على طوله وعرضه, لمحاصرة الألم بعد تحديد مكامنه وأسبابه.
سياسة الوخز بالإبر المتبعة من طرف ولد عبد العزيز وطاقمه, لا تملك من أوجه الشبه مع العلاج الصيني بالإبر ’أكثر من طريقة غرز الإبرة في المكان الحساس مرضيا’ ثم إبعادها لاحقا عنه”يمكن- بهذا المعنى- تسميتها تجاوزا طريقة الإمراض بالإبر السياسية الموريتانية”.
هذه السياسة لا تقدم العلاج’ وإنما تحدد “موطن الداء” – أحيانا بدقة متناهية- لتتركه نهبا للألم والمرض, مبتعدة عنه بسرعة فائقة, خلافا لطريقة “الإبر الصينية” التي تحدد مكمن الداء ,وتزرع فيه إحساسا عصبيا غريبا يجعل المريض في نشوة شفاء لا حدود لها- ولوالى حين- حيث يزول الألم, وتنجح الإبر في تسكينه تدريجيا ,واستئصاله من منشئه العصبي’ مهما كان تجذره في الجسم البشري, ومهما كانت حساسيته وعمق توضعه.
دعونا نعطى أمثلة من ” الوخز بالإبر السياسية الموريتانية”, تكفى لاكتشاف الفرق الشاسع بينها وبين طريقة “الوخز بالإبر الطبية الصينية”.
فى ملف محاربة الفساد, تم إدخال الإبرة”السياسية” تماما في مكمن الألم, عندما فتحت ملفات رجال الأعمال, وبعض مؤسسات الدولة ,وكاد الملف أن يصبح حقيقيا وفعالا ومضمون النتائج لولا أن النظام أوعز- فجأة وفى لحظة ضعف غامضة- إلى بعض حلفائه السياسيين بالتحرك الفوري لانتزاع “الإبرة” ب”لطف”, فلم يتحقق الشفاء, وبقي الجرح مفتوحا ولم يستجب “عصب الفساد” لا لدخول “الإبرة” ولا حتى للحظة خروجها.
وبالنسبة للحوار مع السلفيين فقد أدخلت “الإبرة” هذه المرة أيضا ليس من طرف النظام الذي قصد إدخالها عنوة إلى ذلك “العصب الحساس” ولكن من طرف نفس الحلفاء السياسيين, الذين يبدوان خبرتهم لا تتجاوز نزع” الإبر”,ب”لطف”, أما أطوالها’ وأحجامها’وتموقعها ,و طريقة” الوخز” بها, والهدف منها أصلا, وفنياتها, فلا تدخل في اختصاصهم وهم أنفسهم الذين نجحوا- بسهولة- في نزع “الإبرة” دون أن تحدث أي تأثير على “عصب السلفيين” المستهدف بها سلبا أو إيجابا.
ملف التعريب- بدوره-خضع لعملية زراعة” إبرة” غير ناجحة, تم انتزاعها بمجرد ملامستها لمكمن الداء ,ولكن هذه المرة لم ينجح حتى اخصائيوا “نزع الإبر” في استعادة “الإبرة” من “عصب التعريب” لا بلطف ولا بخشونة’ ليحدث “نزيف” داخلي وخارجي توقف مؤقتا, لكنه قابل للعودة بقوة وفى أية لحظة.
وأخيرا, في ملف “النفايات” المثيرة للجدل ادخل النظام” أبرته” فى مكان خاطئ تماما لا عصب فيه ولا إحساس’ فاختفت” الإبرة” في جسم ملف شائك ومعقد’ عاد- فجأة -إلى الواجهة بعد إثارته في الماضي- وان بطريقة مغايرة- وسط زوبعة سياسية وأمنية عاصفة منذ عدة سنوات.
بإمكانكم كذلك التفكير بثقة تامة في أن نفس الطريقة تم اعتمادها في تعامل النظام مع ملفات أخرى مثل “حرية التعبير”, و “أزمات وزارة الصحة”’ و”الحوار مع المعارضة”, و”العلاقات الخارجية للبلاد”, و”مكافحة الإرهاب” و”الهجرة السرية”’ وغيرها.
طبعا لم تزرع “الإبرة”من طرف النظام في ملف المخدرات, لسبب بسيط’ هو انه ملف مخدر أصلا وفرعا وليس من المتوقع- بأي حال من الأحوال- أن يستجيب لأية عوامل تنبيه- خارجية أو داخلية- مهما كانت قوتها ودرجة تركيزها.
هل رأيتم – بقوة الملاحظة- كيف تشبه عملية الوخز بالإبر السياسية “الموريتانية” عملية الوخز العلاجية بالإبر الطبية “الصينية” شكلا لا مضمونا
oulahmedhabib@yahoo.fr