مدير الرقابة البيئة يدلي بتصريحات خطيرة بعد إقالته
“قمت من جديد بإرسال تقرير ودي آخر إلى الوزير بغية تزويده ببراهن دامغة لكي لا يستسلم أمام الضغوطات الأجنبية كما أشعرته بالخطر الذي يهدد الوزارة حين تهمل هذا الملف أو تتراجع عنه؛ لأن ولاية بأكملها ستترك تحت رحمة استخراجية ضخمة، ومن دون مفاجأة تمت إقالتي مباشرة بعد إرسال هذا التقرير”.
بهذا الكلمات اختصر المهندس الموريتاني ومدير الرقابة البيئية سابقا الخليل ولد أحمد خليفة حديثه عن الفضيحة المدوية داخل وزارة البيئة الموريتانية بعد إجبار شركة النحاس وزير البيئة علي وضع حد للأعمال الرامية إلي مراقبة نشاط الشركة في ولاية “انشييري” والعمل علي فتح صفحة جديدة عنوانها البصم بالعشرة علي كل ما يطلبه المستثمرون بغض النظر عن الأخطار التي تترتب عليه في العاجل أو الآجل لشعب صفق قادته حينما توهموا لأول مرة أنهم يجلبون الخير لسكان تلك المنطقة ومن بعدهم لموريتانيا عموما..
الكاشفة ..
كانت كل الأماني تروادنا بكشف المزيد من المعطيات عن واقع البيئة بموريتانيا والظروف التي يعمل بها المستثمرون الأجانب والعمل المقام به من أجل ضمان التزام المستثمرين بالشروط المتعارف عليها عالميا لتشجيع الاستثمار مع ضمان حقوق السكان.
كان التقرير الأول – الذي حصلنا عليه في الأخبار- يكشف عن محاولة موريتانية جادة لإعادة الاعتبار للدولة الموريتانية من خلال ضبط تحركات المستثمرين والعمل علي إلزامهم بالتقيد بالقوانين والتنبيه بشكل جلي علي المخاطر القائمة والأضرار المحتملة ،لكن كانت المفاجئة أكبر حينما علمنا من كواليس الوزارة أن صاحب التقرير أقيل بعد ساعات فقط من تسلم وزيره للتقرير “الصادم” للشركة العاملة في مجال استخراج الذهب بموريتانيا.
سعينا جاهدين بعد ذلك للحصول علي عنوان الرجل الذي غادر بلاده “المنكوبة” بضعف أبنائها أمام النفوذ و… ليتحقق ما حلمنا به أخيرا فالرجل عاد إلي باريس ليواصل مشواره بعد أن خذله أبناء وطنه وتلاعبت به شركات نافذة وإداريون “جشعون” !!!
وقد وافق الخبير البيئي الخليل ولد أحمد الخليفه علي الحديث مع “الأخبار” عن تجربته الذاتية خلال شهور من العمل كانت حافلة بالمشاكل والتناقضات بين طموح شاب عائد من الغرب بعد عشرين سنة من العمل مع كبري الشركات ،وواقع متخم بضعف الولاء للوطن والتعاون مع الأجنبي وضعف الوعي الذاتي بمخاطر يقول العارفون إن نتائجها ستكون كارثية علي السكان…
يقول “الخليل” في مقابلة تنشر في وقت لاحق علي موقع وكالة أنباء الأخبار المستقلة ” كما تعلمون فإن ملف شركة mcm لم يكن سهلا ولنذكركم بأني نصحت شفويا من طرف الوزير بأن لا أتنقل إلى mcm شهرا واحدا قبل إقالتي، لكنني لم أعتن كثيرا بهذا الأمر من أجل وقف مفاوضاتي مع mcm وكان كل طاقم العمال يشكون في تصديق عملي لأني كان علي أن أرافق إدارة المعادن لتنويع تقنياتنا للمراقبة ولنلتحم لكي نكون أكثر فعالية.
كانت سياراتنا جاهزة والموعد حدد على تمام الساعة الواحدة ظهرا رفقة زملائنا من وزارة البترول والمعادن، وقد تم توقيع رسائل البعثة من طرف الأمين العام عند الساعة 12h:45 وفجأة تم الاتصال بالبعثة عن طريق الهاتف من أجل إلغاء السفر بأمر من الوزير، ولقد لاحظنا أنكم نشرتم في أخباركم الماضية خبرا يتعلق بتبادل بيني وبين الوزير يدخل في إطار تولي ملف MCM وعلى إثر هذا الملف أشعرتني GTZ بأن الوزير طلب منهم إيقاف دعمهم للنشاط المتعلق بشركة MCM لأن هذا الملف معقد للغاية وطلب الوزير من GTZ بأن تقنعني بأن أشتغل بملف آخر، وقد استدعت GTZ الطاقم العامل معي في نفس اليوم من دون إشعاري لتطلب منهم بألا يعملوا أبدا في هذا الموضوع (لكنهم كلهم رفضوا ذلك الاقتراح!!).
ويضيف “الخليل” في حديثه المشوب بقدر كبير من الإحباط بسبب الواقع الصعب في الإدارة الموريتانية “لقد قمت من جديد بإرسال تقرير ودي آخر إلى الوزير بغية تزويده ببراهين دامغة لكي لا يستسلم أمام الضغوطات الأجنبية كما أشعرته بالخطر الذي يهدد الوزارة حين تهمل هذا الملف أو تتراجع عنه؛ لأن ولاية بأكملها ستترك تحت رحمة استخراجية ضخمة، ومن دون مفاجأة تمت إقالتي مباشرة بعد إرسال هذا التقرير الثاني، واعتقد بأنه بوسعكم الحصول على تفاصيل هذا الخبر بنفس السبل التي سلكتم للحصول على الملف السابق”.
وعن المخاطر التي قد تعترض السكان المحليين قال الخليل “عندما اكتشفت دراسة التأثير الذي أنجزه “سكوت ولسن” أصبت بالإحباط لكون مادة “اسيانيد” لم يتطرق لها بما فيه الكفاية، وباعتبار وسائل الوزارة المحدودة كان من الصعب علي أن أسير ملفي MCM و”تازيازت” في آن واحد.
ونظرا لتواجد سكان مدينة اكجوجت قرب MCMوالضغوطات الممارسة على مياه بنشاب الجوفية من قبلها ، قررت أن أركز جهودي على شركة MCM وأن أحد من جهودي اتجاه شركة “تازيازت” وتسيير “اسيانيد”.
مفتشون غارقون في النوم !!
ومع ذلك يقول مدير الرقابة البيئية بوزارة البيئة سابقا ” كما تعلمون فشركة “تازيازت” لا تحترم اتفاقية “السيانيد”، وبالتالي لن أرخص لها باستخدام “السيانيد” الضروري لأنشطتها إلا بشروط حضور مفتشينا ساعة إنزال الحاويات من السفينة ونقلها إلى الشاحنات، وكان بودنا مساءلة كل المعنيين بملامسة أو مباشرة هذه المادة الخطرة، وهل تلقوا تحسيسا أو تعبئة حول الحذر الذي يلزم اتخاذه والطرق التي يجب تفاديها، كما كان من الإلزامي مرافقة المفتشين لموكب الشاحنات، وحضورهم ومشاركتهم في إنزال شحنات “السيانيد” من الشاحنات، وكذا حضورهم لعملية تخزينه في الموقع”.
لكن الأغرب هو مايكشف عنه في ثنايا المقابلة من استهزاء كبير بالأطر الموريتانية من قبل الشركة حيث يقول ” بيد أن شركة “تازيازت” لم تحترم تعهداتها لأنها أشعرت المفتشين بعد أن كان موكب الشاحنات العشر عند نقطة خروج نواكشوط على طريق نواذيبو.
والأغرب في الأمر أن وقت الاتصال كان بالليل، وعندما وصل المفتشون إلى نقطة تواجد الموكب وجهت إليهم الأوامر بالاستراحة حتى شروق الشمس، حيث سيتم تفريغ الشاحنات العشر… ومرة أخرى كذبت شركة “تازيازت” على المفتشين حيث أفرغت الشحنات عندما غرق المفتشون في النوم.
ورغم أن المفتشين لم يتمكنوا من الحصول على معلومات كثيرة إلا أنهم تأكدوا من خروقات عديدة، خاصة وقت شحن “اسيانيد” داخل الشاحنات، وضعف مستوى التحسيس لدى السائقين حول خطورة المادة التي ينقلون”.
حينما يخضع الوزير !!
ويضيف ولد أحمد الخليفه في حديثه مع وكالة الأخبار المستقلة “وبعد شهر واحد تقدمت شركة “تازيازت” لتطلب هذه المرة رخصة لما يزيد على 200 طن من “السيانيد”، بعدها طلبت من مسؤول الشركة أن يتقدم ليوقع بعض الشروط المتعلقة بملامسة ومباشرة وتخزين مادة “اسيانيد”، وقد حضر هذا المسؤول بالفعل إلى مكتبي لكنه كان يصطحب رخصة موقعة من طرف إدارة رقابة التلوث مع قبول ورضى الوزيرة حينها، وقال لي: “أرأيت!! إنك تضيع الوقت بإجراءات لا فائدة منها”.
وأود أن أصرح هنا أني صدمت لأني أعلم أن زملائي في الوزارة لا يقدرون حجم خطر تصرفاتهم، وهنا توقف مشواري مع “تازيازت”، والذي كان سينتهي بخطى تقويمية وملموسة، بدأ بدخول “السيانيد” إلى ميناء نواكشوط، مرورا بشروط نقله وتخزينه واستخدامه ومن ثم رميه في الوسط الطبيعي، كانت تلك النهاية.
أين الخليل؟
وعن مستقبله بعد الإقالة وهل لازالت لديه نية بالعودة إلي موريتانيا قال “كما تعلمون عدت إلى موريتانيا بعد غربة طالت 20 سنة في فرنسا، وقبل رجوعي إلى موريتانيا كنت أكسب راتبا معتبرا في اليوم الواحد، وبمناسبة عودتي إلى الوطن اخترعت مولد هواء (ahnageneatenr) ملائما لأجواء موريتانيا ويمكن أن يعتمد على أدوات وآليات محلية، وكنت أتوقع أن أنقل هذه التجربة والمعرفة إلى موريتانيين ليتمكنوا من صناعة نماذج من هذا الجهاز أصغر من جهازي ولينشروا بعد ذلك هذه التقنية في الوسط الريفي.
وبما أن المشروع لم يلق اهتماما من لدن السلطات المحلية تم إلغاؤه بالرغم من أنه كلفني عامين من الاستثمار في فرنسا قبل عودتي إلى موريتانيا.
وعندما عملت في الوزارة كنت أتقاضى راتبا لا يتجاوز 35000 وقد أمضيت 4 شهور من دون راتب ولكن كنت فقط أريد أن أساعد البلاد كمتطوع لأني كنت اعرف مسبقا أني لا أستطيع العيش بهذا الراتب.
ورغم هذا التصرف من الإدارة أعتزم العودة إلى موريتانيا لأعيش فيها لأنها وطني، لكن ليس للعمل لأني ضحيت كثيرا بما يتنافى مع مستقبل أسرتي وأبنائي.
نقلا عن : وكالة الأخبار المستقلة