لا داعي أيها السادة القادة لمؤتمراتكم فالشعوب العربية لم تعد تثق فيكم
احتضنت مدينة (سرت) التاريخية الليبية – مسقط رأس الزعيم معمر القذافي – يومي السبت والأحد 27-28/ مارس/ 2010م القمة العربية الثانية والعشرين للقادة العرب بحضور (14) حاكماً عربياً وغياب (8) منهم، الغائبون الرئيس المصري حسني مبارك، الملك عبدالله آل سعود، ملك البحرين، الرئيس اللبناني، وغيرهم آخرون .
في الجلسة الأولى تحدث الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والقادة العرب الآخرون .. جلسة اليوم الثاني خصصت لمناقشة عدد من الملفات الهامة كقضية القدس وما تقوم به إسرائيل من إجراءات لتهويد هذه المدينة المقدسة، وما يتعرض له المسجد الأقصى من محاولات للهدم، عملية السلام والمأزق الذي وصلت إليه.. كما حضر هذه القمة الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة «بان كي مون» وكذلك «رجب طيب أردوغان» رئيس وزراء تركيا الذي كان بحق وحقيقة نجم هذه القمة .
لم تحمل هذه القمة أي جديد، فهي لا تختلف عن سابقاتها من القمم من حيث النتائج والقرارات المتخذة، فيها تسابق المتحدثون من القادة والزعماء على تقديم المبادرات والمقترحات بدلاً عن الحديث والتركيز على الخطر الحقيقي الذي يواجه الأمة ومقدساتها، والاستعداد لمواجهته بكل الوسائل الممكنة ..
غاب الحديث في هذه القمة عن الحصار الإسرائيلي والعربي لقطاع غزة، وكأن القادة العرب قد استسلموا لهذا الحصار الظالم، وعلى رغم التحديات الكبرى التي تواجه العرب والأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطن في أكثر من بلد عربي بسبب المشاكل الداخلية، وزيادة عدد الفقراء لغياب التنمية الاقتصادية الحقيقية، وتضاؤل الحريات، والتهام ثروات البلاد وخيراتها من قبل حفنة قليلة من البشر.
للأسف جاءت قرارات هذه القمة ونتائجها مخيبة للآمال على عادة هذه المؤتمرات حتى على مستوى القضية الفلسطينية التي كان من المفروض أن تحظى باهتمام الرؤساء والملوك لكونها لب الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب، ويؤكد كثير من المتابعين لأعمال القمة إن اهتمام القادة العرب ينحصر فيما يلي :
1) ما تتعرض له مدينة القدس والمسجد الأقصى من تهديدات إسرائيلية.. في هذا الاتجاه أدان القادة العرب واستنكروا هذه الأعمال على عادتهم وقرروا دعم صندوق القدس والأقصى بمبلغ (500) مليون دولار أمريكي في الوقت الذي حدد الصهاينة (14) مليار دولار أمريكي من أجل تهويد هذه المدينة المقدسة، وهو القرار الوحيد الذي نجحوا في اتخاذه بإجماع.
كما قرروا العمل من أجل عقد مؤتمر دولي من أجل مدينة القدس وما تتعرض له من تهديدات إسرائيلية، ناسين، بل بالأحرى متناسين أن الكيان الصهيوني لا يأبه بالأمم المتحدة ولا بمنظماتها الدولية .
كم من القرارات الدولية التي اتخذت بشأن قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي رمى بها العدو كلها عرض الحائط معتمداً على الدعم اللا محدود الذي يلقاه من الأمريكيين والدول الغربية الأخرى .
2) البحث عن آلية جديدة لتطوير العمل العربي المشترك.. في هذا الجانب ناقش القادة مقترحاً مقدماً من الأمين العام لجامعة الدول العربية يتلخص في تشكيل رابطة لدول الجوار العربي كإيران، تركيا، دولاً أفريقية.. أُعتبر ذلك بأنه فشل عربي لحل مشاكلهم وبالتالي رميها على الآخرين، كما قدم وفد اليمن مقترحاً آخر يقضي بتحويل جامعة الدول العربية إلى اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي والإتحاد الأفريقي، وشكلت القمة لجنة خماسية كلفت بتقديم التصورات الكاملة للقمة الاستثنائية التي تقرر عقدها في سبتمبر من نفس العام .
للأمانة فالمشكلة التي تواجه العرب ليست في الجامعة العربية أو في تحويلها إلى اتحاد، وإنما هي في طبيعة الأنظمة القائمة وغياب المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، فهذه الأنظمة قد شاخت وعفا عليها الزمن كشيخوخة حكامها، فالحاكم العربي لا يزحزحه عن كرسي الحكم إلا الموت، فلم تعد هذه الأنظمة قادرة على أن تحقق لشعوبها أو لأمتها شيئاً غير مزيد من المآسي والهزائم، مما جعل العدو الصهيوني يستخف بهذه الأنظمة وحكامها، ويعلن رئيس وزرائه «نتنياهو» نهاراً جهاراً بأن القدس هي عاصمة الكيان، وما يجري فيها من استيطان مثله ومثل ما يجري في (تل أبيب) .
هذه الأنظمة عاجزة عن حل مشاكلها الداخلية ناهيك عن المشكلات الخارجية والتهديدات، فبدون تبادل سلمي حقيقي للسلطة من خلال انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة تأتي بحكام يتمتعون بثقة شعوبهم ويخضعون للمحاسبة والمراقبة من قبل برلمانات منتخبة، لن تنهض الأمة، فمعظم هؤلاء الحكام – إذا لم نقل كلهم بدون استثناء – مفروضون على هذه الشعوب بقوة الحديد والنار، وإن جرت في بعض البلدان انتخابات فإنها مزورة وغير ذات مصداقية، ولا تؤدي إلى التجديد، بل تعيد إنتاج نفس الوجوه .. فرئيس مؤتمر القمة الحالي نفسه حتى الآن مضى على جلوسه على كرسي الحكم ما يقارب من (41) عاماً، وغيره كثيرون، فماذا يمكن أن يقدم مثل هؤلاء، لا شيء على الإطلاق .
3) كما حظي باهتمام القادة العرب قضية السلام مع العدو الصهيوني والتي شهدت جدلاً واسعاً، فلازال هناك من القادة العرب وعلى رأسهم رئيس السلطة الفلسطينية من يعتقد أن السلام خيار إستراتيجي مع هذا العدو المتغطرس على الرغم ما يقوم به من إجراءات على الأرض تجعل عملية السلام صعبة ومستحيلة، ومن القادة العرب – وهم قلة – من يرى أنه لا سبيل لتحرير الأرض إلا بدعم مشروع المقاومة المسلحة ..
وفي الأخير تم الاتفاق على تعليق القرار الخاص بموافقة لجنة المبادرة العربية على استئناف المفاوضات الغير المباشرة مع العدو حتى يوقف العدو الإسرائيلي الاستيطان في القدس، كما رحّل الحسم في مبادرة السلام العربية التي أقرها الرؤساء والملوك العرب في مؤتمر بيروت عام 2002م التي تنص في محتواها على مبدأ الأرض مقابل السلام إلى القمة الاستثنائية المزمع عقدها في سبتمبر من هذا العام .
المتتبع لأعمال القمة العربية الأخيرة وكل القمم العربية منذ أن انفردت بعض الدول العربية بعقد اتفاقات سلام مع إسرائيل يلاحظ هروباً حقيقياً من مواجهة المشكلات الحقيقية والتهديدات التي يمثلها هذا الكيان، بل عجزاً كاملاً، فالقادة العرب ليسوا قادرين على محاربة إسرائيل، وفي نفس الوقت يتهربون من دعم المقاومة، أو حتى ذكرها في بياناتهم الختامية، خوفاً من إغضاب السيد الأمريكي الذي يعتبرها إرهاباً .. العرب بأيديهم أوراق كثيرة يمكن استخدامها لكن غياب الإرادة السياسية وعجز الأنظمة القائمة التي لا تتمتع بشرعية غير شرعية القوة والقتل والسجون هي وراء هذا العجز المذل والمهين ..
لماذا لا تسحب الدول العربية التي وقعت معاهدات سلام مع العدو ولديها علاقات دبلوماسية معه سفراءها، وتعمل على تعليق اتفاقية السلام لا نقول إلغاءها؛ لأن ذلك لن يحصل، فهذه الأنظمة أصبحت سيادتها منقوصة يقال حتى تعيين رئيس أو حاكم لها لابد أن يخضع لموافقة أمريكا وإسرائيل احتجاجاً على ما يقوم به هذا الكيان من تهديدات لمدينة القدس والمسجد الأقصى .. كما عملت موريتانيا أثناء العدوان على غزة عندما تم إغلاق السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، وكذلك ما فعلته قطر في إغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة ..
هل تنقصنا نحن العرب الكرامة والشجاعة، أم أنه لم يعد يهم الحاكم العربي إلا بقاءه على الكرسي حتى ولو كان ذلك على حساب هذه الأمة ومقدساتها، لماذا لا يقتدي العرب بدولة تركيا عندما أهين سفيرها في «تل أبيب» من قبل نائب وزير الخارجية الصهيوني، كان ردها قوياً وسريعاً جعل الصهاينة يقدمون اعتذاراً رسمياً .. أو عندما سحبت تركيا سفيرها في واشنطن بعد قرار (الكونقرس) اعتبار ما جرى للأرمن في أيام الخلافة العثمانية تطهيراً عرقياً وجرائم إبادة جماعية .
.
إن مؤتمرات القمة العربية وقراراتها لا تقدم ولا تؤخر شيئاً، ولا تحل مشكلة من المشاكل العربية الكثيرة، لقد مضى على حصار غزة ما يزيد على ثلاث سنوات، ماذا عمل العرب لفك الحصار؟ لا شيء، بل هم يسهمون أيضاً في إحكام الحصار كما تفعل حكومة مصر، وليس الشعب المصري البطل، بل تحولت هذه القمم إلى أماكن لتقديم المبادرات والتنافس بين الزعماء على إلقاء الخطب الطنانة الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ..
فكان الأحرى بهؤلاء القادة أن ينفقوا هذه الأموال الطائلة التي تصرف على الخدم والحشم والجواسيس التي ترافق هذا القائد أو ذاك على إشباع البطون الجائعة في بلدانهم أو على مشاريع المياه والكهرباء والصرف الصحي بدلاً عن هذه المؤتمرات التي تعتبر مضيعة للوقت وملهاة للشعوب التي لم تعد تثق فيكم أيها السادة .
المصدر: التغيير