الطلاق في المجتمع الموريتاني: قراءة في أسبابه من منظور اجتماعي
الطلاق ظاهرة اجتماعية عرفتها كافة المجتمعات الإنسانية بغض النظر عن خصوصياتها الثقافية و درجة تطورها الإجتماعي و الإقتصادي والسياسي، إلا أن درجة حدة وانتشار ظاهرة الطلاق تختلف من مجتمع لآخر نظرا لطبيعة العوامل الإجتماعية والتاريخية والإقتصادية المرتبطة بهذا المجتمع أوذاك.
ويعتبر المجتمع الموريتاني من أكثر المجتمعات معانات من هذه الظاهرة وما تفرزه من آثار سلبية على مستوى استقراره وأمنه الإجتماعي ، لذلك فإن الأثر التدميري للطلاق يجعل من الأهمية القصوى البحث عن الأسباب التي تؤدي إلي انتشار هذه الظاهرة بشكلها السافر إذ أن الخطوة الأولى في سبيل علاج الداء هي الكشف عن أسبابه.
إن انتشار هذه الظاهرة بشكلها السافر يدفع إلى التساؤل عن ما إذا كانت الثقافة الإجتماعية الموريتانية -وما يرتبط بها من نسق قيمي –تحمل في داخلها ما يجعل من ظاهرة الطلاق أمرا مقبولا اجتماعيا ، الأمر الذي يساهم من وجهة نظرنا في انتشار هذه الظاهرة .
إن مادفعني إلي طرح ذلك السؤال المزعج هو ما لاحظته أثناء رصدي لنظرة المجتمع لظاهرة الطلاق فهو يكاد ينفرد عن غيره من المجتمعات بأنه يشجع -ظاهريا على الأقل-هذه الظاهرة، ويمكن قراءة ذلك التشجيع من خلال عدة تجليات فما هي تلك التجليات؟.
1- النظرة إلى المرأة المطلقة:
إذا كانت المجتمعات العربية والإفريقية التي تربطنا بها قواسم مشتركة تنظر إلى المرأة المطلقة نظرة سلبية فإن المجتمع الموريتاني التقليدي لا ينظر نفس النظرة بل إنه كان ينظر إلى المرأة ذات الزيجات الكثيرة كنموذج للمرأة ذات الأهمية البالغة وفي هذا المجال عندما يريد أحدهم أن يمدح امرأة ما يصفها بأنها “أم تسع طبول”.
إن هذه النظرة وإن كانت قد بدأت تتراجع تدريجيا نظرا للتطور الإجتماعي والثقافي الذي عرفه المجتمع في العقود الأخيرة إلا أن رواسبها مازالت تمارس تأثيرها في المجتمع.
ونشير إلى أن إشارتنا لمثل هذه المسألة لا نريد أن يفهم منها أننا ضد أن ينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة نظرة إيجابية بل فقط إبراز أن مثل هذه النظرة تجعل من الطلاق على الأقل أمرا مقبول اجتماعيا.
2- النظرة إلى الرجل الكثير الطلاق والكثير الزواج:
موازاة لذلك التقبل الإجتماعي لطلاق المرأة في المجتمع الموريتاني نجد أن هذا المجتمع أيضا يتقبل إن لم يكن يشجع الرجل “المزواج” بل إن هذا الرجل-وفيما يشكل مفارقة-يصبح عنصر جذب تتهافت عليه النساء رغم معرفتهم المسبقة بأن مصيرهن لن يكون أحسن من اللواتي سبقنهن ومن النادر أن نجد أسرة موريتانية ترفض مثل هذا الرجل وهي بذلك تؤسس لطلاق ابنتها في نفس اللحظة التي تزوجها لمثل هذا الرجل.
3- الإحتفال بالطلاق:
من النادر أن تجد مجتمعا تحتفل فيه الأسرة بطلاق ابنتها كما يحدث في المجتمع الموريتاني ورغم أن الأمر ربما لا يتجاوز نوعا من ردة الفعل السيكولوجية ذات المغزى التعويضي فإنه يشير -على الأقل ظاهريا-إلي أن الأمر مقبول اجتماعيا.
تلك مظاهر تكشف أن الثقافة الإجتماعية الموريتانية وما يرتبط بها من نسق قيمي تجعل مسألة الطلاق أمرا مقبولا أو على الأقل لا تتخذ منها موقف الإدانة الأمر الذي يؤدي في المحصلة النهائية إلى تشجيع ظاهرة الطلاق.
وبالإضافة إلى ما تكشف عنه تلك الملامح السابقة هناك مجموعة من الأسباب التي تفسر إنتشار الطلاق بهذه الصورة السافرة في المجتمع فما هي تلك الأسباب ؟.
1- عدم وجود التزامات قانونية تترتب على الزوج بعد الطلاق مما يشجع الكثير من الأزواج على اتخاذ قرار الطلاق خصوصا وأن المرأة الموريتانية وكذلك ذووها يستحيون وتحت ضغط الأعراف الإجتماعية من مطالبة الزوج بأي التزامات مادية نحو أبنائه.
2- تدخل أهل الزوجين الذي يلعب غالبا دورا سلبيا، فكم من أسرة كان من الممكن أن تستمر لولا ذلك الجانب التخريبي الذي تقوم به أسرة أحد الزوجين أو كليهما من زرع للمشاكل وبذر للخلافات.
3- طبيعة الأسرة الموريتانية التي هي أسرة ممتدة بشكل لا تصبح معه العلاقة الأسرية هي بين رجل (زوج) وامرأة (زوجة) وإنما هي بين عشيرتين وبين قبيلتين وقد تمتد إلى أبعد من ذلك الأمر الذي يجعل هذه الأسرة ترزح تحت التزامات لا تنتهي ومن الصعب عليها الصمود أمام ما تفرضه من تحديات.
4- مجموعة التوصيات السلبية التي تربى عليها البنت والتي تؤثر على مستقبلها كزوجة وعلى تسييرها لشؤون بيتها وعلاقتها مع زوجها فمنذ اليوم الأول لدخول بيت الزوجية تبدأ الزوجة في تطبيق برنامج غريب من بنوده :
أ- العمل على استنزاف الزوج ماديا وذلك لضمان تحقيق هدفين استراتيجيين من وجهة نظر الزوجة وهما أولا الحصول على أقصى ما يمكن الحصول عليه من هذا الزوج انطلاقا من القناعة المسبقة بأن الطلاق واقع لامحالة وبالتالي عليها أن ” لا تنتفش” إذ الأمر هو “ززت إلويش” حسب الموروث الإجتماعي،أما الهدف الإستيراتيجي الثاني من استنزاف الزوج فهو جعله غير قادر على الزواج بأخرى إذا ما فكر في الموضوع .
ب- من التوصيات السلبية ما يلقن للبنت من أنها يجب أن تعامل زوجها بعاطفة جافة وعدم إبداء الاهتمام به إلى غير ذلك من الأمور التي يرى من يغرسون مثل هذه الأفكار في ذهن الزوجة أنها كفيلة بجعل الزوج يتعلق بها أكثر ،ولكن من شأن مثل هذه الأفكار أن تؤدي إلى نتائج عكسية على استمرارية الحياة الزوجية.
5- عدم المحافظة على أسرار الأسرة،فالأسرة الموريتانية لا أسرار لها فكل أسرارها مباحة للأقارب والفضوليين ، وربما كان من الممكن أحيانا حل الخلافات الزوجية لو بقيت في إطارها الطبيعي ولم تصبح أسرارها مباحة لأطراف يعمل تدخلها على تصعيد الخلافات مما يفتح الباب أمام احتمال الطلاق.
6- وقوع الأسرة الموريتانية ضحية نمط الحياة الاستهلاكية المعاصرة من جهة ومن جهة أخرى محافظتها على عادات وتقاليد اجتماعية بالية من ميراث مرحلة البداوة والترحال ،ذلك أن الحياة المعاصرة تتطلب الكثير من الالتزامات لا تستطيع الأسرة الموريتانية – في ظل الفوضوية التي تلازمها من أيام “لفريك”- أن تفي بها مما يجعل هذه الأسرة في مهب العواصف.
إن الحياة المعاصرة وما تفرضه من ضغوط والتزامات تتطلب نوعا جديدا من الوعي الإجتماعي والتخلي عن عادات كان تأثيرها السلبي في الماضي يقع ضمن حدود معينة وذلك بفعل بساطة الحياة الإجتماعية وانخفاض سقف متطلباتها المادية .
أما في اللحظة المعاصرة فأمام الأسرة الموريتانية استحقاقات جديدة عليها أن تكون قادرة على التعامل معها تعاملا عقلانيا وبدون ذلك لا تستطيع هذه الأسرة الصمود أمام تحديات واقع لا يرحم مما يجعل باب التفكك الأسرى مفتوحا مع ماله من آثار سلبية على المجتمع.
تلك مجرد ملاحظات تلقي الضوء على بعض الأسباب التي تفسر ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع الموريتاني ، وقد أردنا من إيرادها فتح حوار حول هذه الظاهرة الخطيرة من أجل وضع استيراتيجية وطنية شاملة لمعالجتها مما يتطلب تضافر جهود مشتركة لكل من الدولة ومنظمات المجتمع المدني وعلماء الدين والباحثين الاجتماعيين والأخصائيين النفسيين .
وإلى أن تتبلور مثل تلك الجهود نرجو أن نكون قد دشنا بداية لحوار جاد حول هذا الموضوع الخطير.
والله الموفق. أمجاد
المزيد : صحفي