تواصل …القلوب مع التعريب والسيوف مع التغريب !!

طالما بشر التواصليون الناس بأن إديولوجيا الإسلامويين هي الإديولوجيا الأخيرة، تماما كما بشر فوكوياما الليبرالية بأنها نهاية التاريخ!! وبأن إنسانها هو الإنسان الأخير!!

أو كما بشر توماس إلكويني الوضعيين بأن العلمانية الحديثة تشكل مرحلة (موت الإله )!!

وهكذا يحلم التواصليون بموت القومية العربية واليسار العالمي، وبأنه لم يعد حيا سواهم،تماما كما يقف البطل في نهاية الفيلم مزهوا ببقائه حيا وبموت غرمائه الذين لا يزالوا أحياء يرزقون !!

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

المرء أحيانا يحلم ،يحلم …ويظل مستغرقا في أحلامه إلى حد يخيل إليه في يقظته أن أضغاث أحلامه باتت حقائق ثابتة ،لا جدال فيها !!

انتصار الإديولوجيا لا يكون بإلغاء الآخرين وتشييعهم ووضع أكاليل الزهور على قبورهم وهم أحياء ،وإنما بتقديم خطاب بديل وواضح.

و مسألة وضوح الخطاب هي ما يحتاج التواصليون إلى فهمه ،فالحزب السياسي يجب أن يقدم رؤيته للناس بشكل لا لبس ولا غموض فيه ،فالأنا في الفكر السياسي هو ما أنا عليه فعلا ،لا مايريد الآخرون أن أكون عليه ،والسياسي يجب أن يعلن رأيه “ولو وفق أهل الأرض جميعا في وجهه” كما يقول الأستاذ أحمد ميشل عفلق.

وقد شكل سؤال اللغة والهوية الذي أثارته تصريحات الوزير الأول سؤالا مركزيا كانت القوى السياسية الموريتانية مطالبة بالإجابة عليه ،تماما كما شكل سوال شكيب أرسلان (لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن ؟) سؤالا عسيرا كان على التيارات السياسية العربية قاطبة أن تجيب عليه .

وقد تباينت آراء السياسيين الموريتانيين حول موضوع اللغة ،فبعضهم أعلن جهارا نهارا أنه يتمسك بأهداب الهوية العربية الإسلامية لموريتانيا وحاضنها الأساس (اللغة العربية ) حتى الرمق الأخير، ولا يعوزهم في ذلك الدليل والأساس، فالتاريخ والجغرافيا والدين والدستور كلها شواهد تؤكد صدق دعواهم ،وبعضهم الآخر كان ولا يزال يعلن منذ الاستقلال أنه عقد قرانا أبديا مع لغة الاستعمار ويقبل دون خجل أن يكون ذيلا قبيحا لأقبح استعمار في التاريخ!!

وحدهم التواصليون تمترسوا بين الموقفين في توفيقية تلفيقية مكشوفة ، فتقلب ما يصدر عنهم ذات اليمين وذات الشمال وتحشر لهم ضاربات رمل شنقيط وعرافات السومريين والبابليين والفراعنة، فلا يقدروا على الوقوف على موقف صريح لهم،حيث سلك الأستاذ جميل في مقابلته مع الدكتور عبد السلام طريقا ضبابيا كثيف الأشجار، فكان معتزليا حقا “في منزلة بين المنزلتين” لا هو مع التعريب ولا هو ضده، مذبذب لا مع هؤلاء ولا مع أولئك.

يضع المجن عن يمينه وعن شماله ومن تحته ومن فوقه، مجن مجن عمر بن أبي ربيعة خير منه،يقول عمر” ..فكان مجني دونما كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر…”

ما أثلج صدري حقاً في ردود جميل هو أنها أسقطت أقنعة التواصليين البالية وهدت جبالهم المتهاوية، التي بنوها بدغدغة مشاعر الناس بالكلام المعسول عن الدين والجنة والنار وعذاب القبر وحياة البرزخ …

وهذا كله حق لا غبار عليه، لكن ما علاقته بانتخاب من يدبر شؤون الناس في دنياهم التي هم فيها أو مسألة اللغة والهوية التي هم فيها مختصمون ؟!!.

صحيح أن هذه الشعارات تجيش الناس يوما كاملا، إلا أنها لا تصمد طويلا .

تصديقا للشعارات الدينية البراقة كانت جدتي لا ترتضي لي حلاقا غير أسوإ حلاقي البلدة، وأكثرهم حظا في نفس الوقت، لا لشيء سوى لأنه أطلق على حلاقه حلاق المسلمين!!

وعلى غرار جدتي ،كنت أصدق تلك الشعارات ببراءة الأطفال وسذاجتهم ،ولكن حينما بدأت أميز صاحب البنان السحري أدركت أنه كان يسمي محله حلاق المسلمين، لأنه كان أقل الحلاقين خبرة، ولذلك يتمترس خلف هذا الشعار ليتحاشى الكثير من أسئلة الفضوليين، فهو التقي النقي الذي لا يفعل إلا خيرا…

كان التواصليون يدعون أنهم الأوفياء للغة العربية، فكيف غدا ذاك الحب حديثا من أحاديث الرعاة ؟حينما جد الجد، لماذا تولوا عن لغة الضاد يوم الزحف؟ أليس التولي يوم الزحف من الكبائر التي تئن لها الجبال الراسيات؟ من هم حقا الأوفياء للغة الضاد ؟ المدافعون عنها أم الذاهبون في جنازتها؟

ونزعا للحرج يسعى التواصليون إلى تصوير اللغة العربية على أنها تنين صيني مارد يتلقف ما حوله، إلى حد يخيل فيه إليك أن لغة الضاد ـ التي لم تكن يوماً من الأيام إلا رمزا للتعايش والتجانس والتناغم بين مكونات الشعب الموريتاني ـ غدت شرا مستطيراً يستعاذ بالله منه صباح مساء!! وتغلق أبواب قلعة الوطن خوفاً منها، كما تغلق قلاع الروم خيفة من جحافل عقبة والقعقاع والمثنى والحارث…!!. أو كما تتوقف الحياة في إسرائيل احتباساً للأنفاس خوفاً من صواريخ صدام حسين!!.

أي جريمة هذه التي يغترفونها بحق لغة الضاد، لغة العرب، لغة القرآن، حينما يجعلون المطالبة بترسيمها كلغة عمل وإدارة شوفينية مقيتة!! ودعوة جاهلية،يصدق عليها القول ” دعوها إنها منتنة ” !! أليس إبعاد الناس عن اللغة العربية إبعاد لهم عن الإسلام؟.

أين التواصليون بهذا من محمذن فال ولد متالي، الذي يقدم تعلم اللغة العربية على تعلم الفرائض؟ لماذا يصرون على أن تبقى لغة الأجنبي جسراً يمشي عليه الأخ إلى أخيه؟.

إخوتنا الزنوج الوطنيون يعلمون علم اليقين أن لا خوف عليهم من اللغة العربية، ولا هم يحزنون إن أصبحت لغة العمل والإدارة، لأنهم كانوا ولا يزالوا أعلم من بعض العرب بلسان العرب وأقوم فيه لساناً.

التواصليون اليوم أخطر على اللغة العربية من الافرانكفونيين ،لأن الأخرين أعداء مكشوفين ،أما التواصليون فهم أعداء يتنكرون في زي الأصدقاء!!

وإذا افترضنا أنهم أصدقاء للغة العربية ،فتبا لصديق لا يذود عن حوض صديقه !!

وقد ذكرني موقفهم هذا بموقف الفرزدق مع الحسين بن علي ،حين سأله الأخير هل أنت مع الأمويين أم مع آل البيت ؟ فأجابه الفرزدق،بما يلي : ” أما القلوب فمعكم وأما السيوف فمع بني أمية ، والنصر من عند الله … “.

هذا هو حال التواصليين اليوم مع لغة العربية ،هذا إن كانت قلوبهم معها أصلا !!

معمر ولد محمد سالم
طالب موريتاني مقيم في ليبيا

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى