دردشة مع القوميين العرب
عاد القوميون من جديد، عودة ليست حميدة – بطبيعة الحال – وإنما عودة سافلة، لا يضاهيها في السفالة إلا مستوى الخطاب الهابط الذي وصلوا إليه – على الأقل في الأسابيع الأخيرة – ربما لأن العودة التي يردون أو يحلمون بها لم تعد ممكنة، فالعصر الذي يصفونه بـ”الذهبي” في تاريخهم “النضالي” أصبح في خبر كان ولم يعد قابلا للرجوع من جديد..
عاد هؤلاء – لكن هذه المرة من خلال العالم “الافتراضي” وذلك لأنهم أيقنوا أن لا مكان لهم في عالم “الواقع”، فاستغلوا بعض المواقع الإعلامية ليبثوا من خلالها سمومهم الضارة ويشكلوا من خلال هذه السموم عبئا أثقل – بلاشك – على كاهل الشبكة العنكبوتية ولو أنها نطقت يوما لشكت سفالتهم ونأت بنفسها عن أن تحتضن مقالاتهم أو “خزعبلاتهم” الرديئة الشكل والمضمون، إن صح التعبير.
ومن الملفت أن يبث “هؤلاء” سمومهم من “بريد” ألكتوروني وحيد بالرغم مما تحمله من توقيعات بأسماء مختلفة ومن خلال هذه السفالات “اتهموا” و”شتموا” و” وتطاولوا” على الإسلاميين ومؤسساتهم بمختلف مجالات عملها، فاتهموا مؤسستهم السياسية (حزب تواصل)، بأنه مؤسسة متصلة بالغرب وعميلة له، وتعمل جنبا إلى جنب مع المشروع العالمي الساعي إلى القضاء على “العربية”، ومؤسستهم النقابية “تعمل على “طلبنة” طلاب موريتانيا، ومؤسساتهم الثقافية والدعوية حتى حدث ولا حرج، لكني في ردي عليكم يا “رفاق” سأوجه مقالي لا إلى رد هذه الشبهات التي أثرتم لأمرين:
أولهما أن الناس باتوا على اطلاع تام بما يجري أكثر من ذي قبل وأبناء موريتانيا لم تعد تنطلي عليهم الحيل والأباطيل سواء تلك التي أردتم غرسها في أدمغتها في فترة من الفترات و عاجزون الآن عن إغرائه بها مرة ثانية أو تلك التي تريدون الآن تسويقها لعرقلة مسيرة التيار الإسلامي أو – على الأقل – التشويش عليها، وأقول لكم بالمناسبة “إذا كنتم تسعون لإفشال المشروع الإسلامي فإن الإسلاميين يخططون لإنجاح مشروعهم”، و”ليس التخطيط المحكم المفعم بالإيمان الراسخ والنية الصادقة كالتشويش المفبرك، المراد به الشهرة أو القيادة أو جائزة نقدية من هذا أو ذاك”.
أما ثانيهما فإن الإسلاميين من خلال ردين فقط أتحفوكم بهما منذ أيام – تاريخ نزول “خزعبلاتكم” في الإعلام الموريتاني – أزالوا تلك الشبه وأدحضوا تلك الاتهامات ليرسلوا لكم رسالة مفادها أنكم بهذه المقلات تضحكون على أنفسكم، وعليكم أن ترحموها – على الأقل – من الضحك عليها من قبلكم.
ولي توجيه بسيط – بالمناسبة – فإذا كان الإسلاميون يريدون فعلا القضاء على القومية فهذا برأيي عمل مستحق وجليل- وإن كان – برأيي أيضا – قد يخالف العمل بالأولويات – لكن لا باس بأن يعمل الإسلاميون على القضاء على الحركة القومية التي باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة.
كما أبشركم بأنني لن أتحامل على “أعمالكم” لأنها معدومة في عالم اليوم و لا على مؤسساتكم – كما تحاملتم على مؤسسات التيار الإسلامي – لأنكم لا تمتلكون أي مؤسسة لا ثقافية ولا نقابية ولا سياسية سوى أشباه مؤسسات تحكمها “الشخصنة” والمصالح الخاصة وتفككها “الخلافات الداخلية” من حين لآخر.
وإنما سيقوم مقالي في المقام الأول على توجيه ما تتبجحون به هذه الأيام من أفكار “بناءة” لأجل خدمة الدين وبناء مشروع عربي إسلامي قادر على التحدي لأقول لكم إخوتي متسائلا: هل يمكن للذين ينادون بـ”الدين لله والوطن للجميع” و”أن الإسلام دين يتحقق بصلة الإنسان بربه وليس دولة يمكن أن تحكم الناس وتنظم شؤونهم الحياتية طبقا للدين الإسلامي الحنيف فتظلهم بظلال سماحته الوارفة ومقتضيات عدله الجامعة” أن ينصروا الإسلام انطلاقا من شعاراتهم هذه التي تعبر بجلاء عن فهمهم السقيم للرسالة الإسلامية الخالدة ومقاصدها الشمولية؟
وأقول لكم إخوتي نصحا بأن “لا تغضبوا قادتكم الذين وارتهم “الثرى” من أمثال داعية القومية العربية “ساطع الحصري” ورفيقه “ميشل عفلق” ومن الذين ما زالوا ينتظرون..، فما تتبجحون به الآن من أفكار ورؤى “براقة” تخالف في ظاهرها أفكار مفكريكم الأول وتوافقهم في باطنها لما تحمل في طياتها من “العداء للإسلام” تماما كما هو جلي من خلال مقالاتكم أو سفالاتكم أو سمومكم التي تطالعونا بها يوما بعد يوم عبر وسائل الإعلام الوطنية في الفترة الأخيرة من احتضاركم.
ولهذا أريد أن أذكركم قليلا بمعتقداتكم حتى لا تكفروا بها فيسخط منكم قادتكم ومفكريكم، فالفكر القومي – يا رفاق – منذ ظهوره في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ممثلا في حركة سرية تألقت من خلالها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة العثمانية ثم في حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقرا لها قبل أن تظهر كحركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الذي عقد في باريس 1912م، وهو يبني فكره على الإعلاء من رابطة القربى والدم (المفرقة) على حساب رابطة الدين (الجامعة).
وإذا كان البعض من كتابكم حينها حاول السكوت عن الدين بشكل أو بآخر فإن الأغلبية العظمى منهم أصروا على إبعاده تماما من الروابط التي تقوم عليها الأمة وتجتمع عليها حجتهم في ذلك أن الدين يمزق الأمة بسبب وجود غير المسلمين فيها وأن رابطة اللغة والجنس هي الأقدر على جمع كلمة العرب بدل رابطة الدين ولكم أن تعلموا أيها “الرفاق الصغار” أن الفكر القومي يقوم أساسا على إبعاد الدين الإسلامي عن معترك حياة العرب السياسية والاجتماعية والتربوية والتشريعية أي أنه باختصار يعمل على بعث الجاهلية من جديد في المجتمع العربي وجعلها الموجه الأساسي له.
ومن المفارقة أن ينادي من هذه مبادئه وأفكاره ببناء مشروع إسلامي أو على الأقل مشروع قومي إسلامي، لا أدري فعسى الله أن يختار منكم من يخدم هذا الدين ويذب عن حياضه على طريقة تختلف بطبيعة الحال طرقتكم الخاصة التي أخنى عليها الذي أخنى على لبد، وأثبتت فشلها منذ قيامها إلى الآن، فعصركم “الذهبي” ولى إلى غير رجعة، وما عليكم هو أن تقروا بذلك.
وقبل أن أنهي أريد أن أعرج قليلا إلى مقتطف من مقال أحدكم لا أريد تسميته باسمه يتهم فيه الإسلاميين بأن ما يقومون به من تبرعات لغزة ومهرجانات تضامنية مع الأقصى إنما هي حركات استعراضية وتخدير مغناطيسي لا أقل ولا أكثر لأقول له عليك “يارفيق”، أن تعلم أن هناك مقولة تقول “أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي”.
وأنا أقول “أن تستعرض عضلاتك خير من أن تكون بلا عضلات” أعني “أن تقوم بشيء مهما كان قليلا في خدمة الإسلام والتخفيف من معانات المستضعفين خير من أن لا تقوم بأي شيء” أما عن التخدير المغناطيسي فأقول “ما تعرفه في نفسك يدلك على الآخرين”.
ولإخوتي في التيار الإسلامي أقول: سيروا قوافلكم وقدموا كل ما يخدم فكرتكم “فلن يضر السماء – يوما – نباح الكلاب”.
فأنتم الباقون – أيها الإسلاميون – ما بقيت “لا إله إلا الله”، وأنتم الباقون ما بقيت “الله أكبر” أما هم فمصيرهم مرتبط بمصير شعارهم “الشعب أكبر” الذي ظل شعارهم عبر الزمن ولا أدري هل سيظل بعدما قروا أعينهم بهزيمته.
وأخيرا أقول “إخواني” ((أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )).
المصدر : الرئد