القوميون العبثيون و”الانحباس الفكري”
لم يسجل تاريخ البشري فيما سجل ودون فرية أكبر من القول إن “القومية حركة فكرية”، كان التاريخ سيكون صائبا وأكثر دقة لو سماها “حركة عاطفية طينية استعلائية عنفية، لكنه أحيانا يكون “شيخ الأباطيل” بل أظنه ما نال هذا اللقب إلا مقابل تجاوزه عن هذه الفرية.
ولعل مما يشفع له في ذلك، ويخفف من وطأة “الفرية” بل الجناية في حق من يقرأ هذا التاريخ، أنه عاد بعد ذلك ليقول إنه “لم يعرف حركة أكثر جهلة، ولا أقل إنتاجا وفائدة من القوميين العرب، وخصوصا بعثيو عفلق وأذيال االبيطار.
فخلال العقود الماضية التي شهدت نهضة فكرية لكل الحركات، وعرفت انتشارا للكتاب لم يسبق له مثيل، نلاحظ بل يلاحظ التاريخ أن هذه الحركة العاطفية لم تنتج غير مقالات ومحاضرات ردءية الشكل والمضمون، كما أن أغلبها سرقات مكشوفة قام بها النذل النصراني ميشل عفلق، وأذن لبعض أذياله ممن رضي عنهم أن يتبعوه في سرقاته ويقلدوه في ضلالاته من أمثال منيف الرزاز وعبد الله عبد الدائم… وغيرهم من الأنذال… إضافة لما سطره فشلة من مفكري البعث ووضع باسم الشهيد صدام حسين الذي أنقذه الله بفضله وأعاده إلى رشده في آخر محطة من حياته، ولكم أن تقرؤوا –إن امتلكتم الصبر المستحيل، والمقاومة الخيالية للمل- كتاب “اخرج منها يا ملعون” لتكتشفوا الأعمال التي قام حزقيل… وهو قصة منسوبة للشهيد صدام حسين.
قامت الحركة على السرقة، وانبنت على العطفة، ولأنها أدركت مبكرا معاناتها من خواء فكري فاحش، فقد استندت إلى الفكر الشيوعي وجعلت منه متكئها الخلفي، وهو اضطرار ولجوء واستجارة من نار لنار أخرى… قد لا تكون أقل منها…
قام منهجهم على العنف والاستعلائية، ونظرية “الاختيار” وأفضلية عرق لذاته دون مبررات أخرى، وإذا كان لا بد من مبررات فلأن “أمة أنتجت شريعة حامورابي والشعر الجاهلي ومحمد العربي لن تموت بسهولة”، هكذا كان ترتيب “الانجازات” في عقل المفكر العربي، وفي عاطفة البعثيين أو العبثيين.
يقول عفلق إن “البعث هو الطليعة وعلى الجماهير أن تتبعه” لكنها كانت صيحة في فؤاد لأن الجماهير لها عقول تتحكم في عواطفها، وترى أن للخيرية أبوابا أخر، ليس الطين إلا أرذلها، وليس العرق في مقدمتها، لكن البعث يرى أن الجماهير يجب أن تسير خلفه، مع أنه في نهاية القائمة، إن أحبت فيها ونعمت وإن كرهت –كما هو واقع- فالحديد والنار كفيلان بجعلها تسير في خلف الخلف.
نتيجة طبيعية أن يكون البعث عنيفا، لأن جنوح العاطفة لا حدود له، وسودائية غياب العقل غير مضمونة النتائج… كان قادة البعث يرون أن كل خيارتهم ينبغي أن تتم “ولو كان بالدم واللهيب…” كما هو شعارهم المعلن… ونسي هؤلاء الأنذال أنه لا مجال للإكراه في الدين… فكيف بالإكراه على الكفر… وأنه في مجال العقل والفكر والمنطق يكون الإقناع هو السبيل، بعيد عن “دموع الكذب والخداع” التي طالما فتنتم بها ضعاف النفوس، أو السياط والكرابيج والمشانق والرصاص… وحتى الأسلحة النووية والكيميائية.
أما في موريتانيا فلا وجود لهم خارج رئيسهم الفارغة، أين هو الكتاب الي ألفه بعثي؟ أين المركز الفكري “غير عنوان نزق لعنصري خرف يدعى ديدي ولد السالك، أقرب هو إلى مدجنة لتربية الحيوانات المنقرضة من إلى أي شيء آخر”، أين حتى كتاب يتقنون “لغة الضاد” ويقرؤون بها دون الحاجة إلى ترجمان، كل ذلك يبقي السؤال الذي خرج “فلتة” من لسان القيادي البعثي ولد أحمد الخديم حاضرا بقوة “لقد تحدثنا كثيرا عن العربية لكن ما ذا قدمنا لنا على أرض الواقع”، وطبعا بقي السؤال دون إجابة… لأنها لا إجابة له، بل إن عشرات الأسئلة عما قدمه البعثيون في المجالات الإيجابية تظل معلقة هي الأخرى تنتظر من يرد عليها، وطبعا لن تجده؟.
يا أنذال الحركة العاطفية الاستعلائية العصرية العنفية الاسترزاقية… اربعوا على أنفسكم… واستروا فضائحكم – ولن تستطيعوا لكثرتها- استسمحوا التاريخ فقد نجستكم ذاكرته، والتمسوا من الحاضر أن يقبلكم فهو رافض لكم نابذ لأطروحاتكم، أما المستقبل فقد اتعظ بالتاريخ واستفاد من تجربة الحاضر… وكل الدلائل والأدلة تقول “إنه لا مكان لكم فيه”… يا أنذال…
ظروف النشأة الأولى والمهد الأول لحزب “العبث” لا تبشر بخير ولا يتوقع منها أن يكون له أي خير على الأرض ولا على التاريخ
وينِشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
وما الذي سينشأ عليه العبثيون غير الإفك والتزييف والضلال المبين، وقد عرفوا القرآن أول ما عرفوه والرسول صلى الله عليه وسلم والرسالة من خلال كتب عفلق وزكي الأرسوزي… وليس غريبا على من هؤلاء أساتذته، وهذا دينه أن يصدر عنه ما صدر عن أولئك.
هكذا نشأ حزب “العبث العربي” على حين غفلة من الزمان، على يد مسيحي سوري يسمى ميشل عفلق… ولندع التاريخ يكشف لنا كيف تتأسس الحزب بسرقات فكرية قام بها عفلق وأمين الحافظ بعد أن أعادا استيراد الأفكار التي نادي بها الزعيم العروبي زكي الأرسوزي، والذي كال لهما الاتهامات الشنيعة بأنها عميلان “للاستخبارات الفرنسية” يسعيان إلى هدم حركة البعث العربي تحت اسم “البعث العربي”…
زكي الأرسوزي المفكر العربي القديم الذي يعتبر أول حلقة في السلسة غير الذهبية للبعث العربي، كان ينظر إلى الإسلام باعتباره “طلقة من الزناد العربي لم تكن الأخيرة ولن تكون الأخيرة”، وهكذا يتم تقزيم الدين الذي رضي الله للناس إلى طلقة من “زناد العروبة”.
ولمعرفة تاريخ الأرسوزي يكفي أن تقرأوا ما كتب عنه وزير الإعلام السوري السابق والقيادي البعثي السابق سامي الجندي “ناقشته ذات مرة بالقرآن فعاب علي نزعتي الدينية” كان ذلك هو الأرسوزي بدأ يتعلم العربية بعد سنة 1940، وكان يرى الجاهلية العربية مثله الأعلى ويعتبرها المرحلة العربية الذهبية.
ويكشف الجندي عن الإلحاد الذي تربى عليه البعثيون “كنا عصاة تمردنا على كل القيم القديمة، أعداء لكل ما تعارف عليه البشر، ألحدنا بكل الطقوس والعلاقات والأديان).
ويضيف في وجه آخر من أوجه الشخصية العبثية قائلا “اتهمنا بالالحاد، وكان ذلك صحيحا أيضا رغم كل ما زعم البعثيون فيما بعد من مزاعم التبرير”.
أما عفلق الذي وصف نفسه صادقا بأنه يجد نفسه في الفرنسية أكثر عندما يكتب وعندما يقرأ… كان أحد الشلة المتسعكين الذين قذفت بهم شوارع باريس، وحانات الخمارين، ودور البغاء في حواري الحي اللاتيني إلى الساحة العربية ليتحولوا إلى رموز وقادة… التف حولهم بعض الجماهير الغافلة… ثم حملوا بقوة الانقلابات العسكرية الناس بالقمع والإرهاب والبطش.
عفلق مؤسس حزب البعث المنهار في أول تجربة له أمام السجن، وفي رسالته المشهورة إلى الرئيس السوري حسني الزعيم، والتي يعبر فيها عن استعداده التام “لإمساك لسانه”، يؤكد أن الجبن هو المنهجية الوحيدة التي يعيش عليها البعثيون، والتي ورثوها من شيخهم عفلق.
لقد ولد حزب البعث قبل ثلاث سنوات فقط من مأساة 1948… على يد قادة أقل ما يمكن أن يوصفوا به أنهم “تلاميذ فرنسا”، وأنهم من هيئوا البلاد العربية لمزيد من الانقسام والتشرذم… لقد كان هؤلاء جزء من مسلسل الملهاة التي أنضجها الاستعمار الغربي من أجل إضفاء شيء من الوطنية على المحكوم بهم من الأوباش والأذناب.
لتعودوا معاشر العبثيين إلى ما كتبه قادة البعث أنفسهم، عودوا إلى ما كتبه “مطاع صفدي” في كتابه “حزب البعث مأساة المولد ومأساة النصير”، ومنيف الرزاز في كتابه “التجربة المرة”… لتعرفوا كم كان عفلق والبعث من ورائه سخافة في سخافة، وكيف حرم عفلق على أنصاره تحليل المقولات البعثية، مؤكدا أنها ذات روح مقدسة لا ينبغي تعريضها للتحليل.
لتعودوا إلى تاريخ عفلق الذي تلقى حكما بالإعدام من طرف تلامذته وأنصاره وآل به الأمر رفقة أمين الحافظ شريدا طريدا في العراق.
Idomounktt@gmail.com