واقعنا في ذكرى النكسة
أثار مقال الرفيق إبراهيم ولد محمد الأخير حول النكسة وكذلك مقالات معمر وبقية الرفاق تفاؤلا كبيرا لدي وانطباعا مريحا بان هناك بالفعل نخبة شبابية من القوميين قررت اختراق حاجز الصمت وتسديد طعنة موجعة لزمن التشتت والتمزق والخمول الإعلامي وتفنيد الدعاوي المزيفة التي يروجها الإعلام الشعوبي بشتى أطيافه وألوانه عن انقراض الفكر العروبي من أوساط الشباب وانحـــساره في جيل معين .
لقد ظن الشعوبيون الأغرار أن امتلاك إعلام منهار وصفحات إنشائية فارغة ، وتمويل مشبوه من جهات عرفت بعدائها لوحدة الشعوب العربية ، وكانت قاعدة لحياكة أخبث المؤامرات ضد الأمة في الخمسينات والستينات يكفي لمسح ذاكرة الأجيال وإعادة تشكيل الوعي العربي لكن هيهات .
لقد تعرض الفكر العروبي في الوقت الراهن لشيطنة جندت لها إمبراطوريات إعلامية عابرة للقارات والحدود وبات الشاب العربي الجديد يترنح بين قطبية إعلامية أحادية وهابية ليبرالية خيانية ويقلب بصره بين “الحرة” و”العربية” و”الجزيرة”و”أستار أكاديمي” ولإيضاح جانب من نماذج هذا التشويه والخلط أورد القصة التالية : حين عبر صدام حسين ورفاقه الميامين إلى عالم الخلود على الدروب الشائكة وشربوا كاس الشهادة مترعا قال لي أحد الشباب: ( هؤلاء هم القوميون لم أكن أتصورهم بهذه الدرجة من الثبات والإيمان والصمود… ثم يضيف كنت أتصورهم مجرد حثالة نفعية تتاجر بـــ “الشعارات” وستنفض على طريقة “الحزب الجمهوري” لكنني كنت على خطا جسيم على ما يبدوا ) لقد أعذرت الشاب لأنني اعرف مدى تغلغل الدعاية الصهيونية وأربابها في هذا الزمن الأغبر ولقد شاءت الأقدار أن يكون ذلك متناغما مع خيانة من كانوا وراء اغلب هذه الدعاية التي رسخت في ذهن هذا الشاب البريئ ورفاقه حين كانوا ندماء لجنرالات الغزو ومتطفلين على الولائم الراقصة على جثة الوطن والاسلام والعروبة ليرضوا من الغنيمة بــ ( الجندي الامريكي ايفتشنا والكلب ايشمشمنا ) اللهم لا شماتة .
وبالعودة إلى موضوع النكسة وبمناسبة حلول ذكرى حرب الاستنزاف المجيدة التي شكلت غرة في سواد العصر الحديث وعلامة فارطة في العنفوان والشموخ العربيين لا يسعنا إلا أن نستذكر فقيد الأمة الزعيم الخالد الذي اختطفته المنون وهو في قمة العطاء والإبداع والتحدي لكن صحيح أن العظماء لا تطول أيامهم وأن”الكلاب طويلة الأعمار” وصدق القائل :
آذنتنا ببيــــــــنها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
لقد قاد هذا الرجل العظيم سفينة مصر الى بر الأمان رغم اعتراضها مرات عديدة من قبل “قطاع” الطرق و”قراصنة” البحار ، وقاد معارك التأميم وصد العدوان الثلاثي بالعزيمة والايمان ، وحضر الشعب المصري نفسيا ومعنويا لذلك بخطبته المشهورة من جامع الأزهر الشريف لتتحول جحافل الغزو الى سراب تذروه الرياح ، وتتحول معارك السويس الى ملهمة للشعراء ومهمازا للأدباء…
يقول نزار قباني في قصيدته رسالة جندي في جبهة السويس :
الآن أفنينا فلول الهابطين
أبتاه، لو شاهدتهم يتساقطون
كثمار مشمشةٍ عجوز
يتساقطون..
يتأرجحون
تحت المظلات الطعينة
مثل مشنوقٍ تدلى في سكون
وبنادق الشعب العظيم.. تصيدهم
زرق العيون
لم يبق فلاحٌ على محراثه.. إلا وجاء
لم يبق طفلٌ، يا أبي ، إلا وجاء
لم تبق سكينٌ.. ولا فأسٌ..
ولا حجرٌ على كتف الطريق..
إلا وجاء
ليرد قطاع الطريق
ليخط حرفاً واحداً..
حرفاً بمعركة البقاء .
لقد انتهت معركة السويس وجمال مرفوع الرأس ليواصل الكفاح والنضال ولتأتي نكسة 67 مدوية لتظهر مدى عظمة هذا الرجل وقدرته الفائقة على الاعتراف بالهزيمة وتحمل مسؤولياتها ، وليعلن الاستقالة لتهب الجماهير بصورة عفوية رافضة هذا التنحي حتى قال احد المصريين “أن هذا القرار المدوي سيكون أشد على المصريين من النكسة ” تراجع عبد الناصر عن قرار الاستقالة بعد ضغوط شعبية وبعد مطالب من شخصيات لها وزن مؤثر في الساحة العربية والاسلامية مثل العالم الرباني والشيخ الجليل المربي” الشيخ ابراهيم انياس” رضي الله عنه في رسالته المشهورة التي وجهها له بعد النكسة ليقود حرب الاستنزاف المجيدة التي أنهكت قوى العدو الصهيوني وقاتل فيها المجاهدون العرب ببسالة وشراسة مقدمين مزيدا من الشهداء وعلى رأسهم الشهيد عبد المنعم رياض قائد أركان القوات المصرية الذي قال عنه الشاعر:
لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ..
لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ
لو مدمنو الكلامِ في بلادنا
قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ
لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ
قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ..
واحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ
لم يسقطِ المسيحُ مذبوحاً على ترابِ الناصرهْ
ولا استُبيحتْ تغلبٌ
وانكسرَ المناذرهْ…
لو قرأوا – يا سيّدي القائدَ – ما كتبتْ
لكنَّ من عرفتهمْ..
ظلّوا على الحالِ الذي عرفتْ..
يدخّنون، يسكرونَ، يقتلونَ الوقتْ
ويطعمونَ الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ
وبعضهمْ.. يغوصُ في وحولهِ..
وبعضهمْ..
يغصُّ في بترولهِ..
وبعضهمْ..
قد أغلقَ البابَ على حريمهِ..
ومنتهى نضالهِ..
جاريةٌ في التختْ..
يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ
الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا..
أنتَ بها بدأتْ..
يا أيّها الغارقُ في دمائهِ
جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ
جميعهم قد هُزموا..
ووحدكَ انتصرتْ
ذلك هو عبد الناصر الذي أنجبناه ذات يوم ليصاب تاريخنا بالعقم لقد فقدنا أياما زاهية كنا قادرين فيها رغم الهزيمة على قول “لا” كنا واثقين فيها بأنفسنا أما اليوم فنحن نعيش في هوة سحيقة سببها الأول والأخير هو غياب هذه الأنظمة العروبية التي حققت أعظم انجاز وهو جعل العربي معتزا بنفسه وقيمه وبانتمائه الى امة عبرت خيولها الى أنحاء المعمورة لنشر قيم العدالة والتسامح والرحمة .
لقد أصبحنا تائهين بغيابهم ننام على أقراص مهدئة من عنتريات الفارسي “احمدي نجاد” وننتظر بفارغ الصبر تصدير ثورته الإسلامية التي من أهم مبادئها “لعن الصحابة وقذف أمهات المؤمنين والتشهير بتاريخنا العربي الاسلامي” اصبحنا نعتاش على تمجيد شخصيات كرتونية صنعنا منها أبطالا فاتحين ” مدينة العمي يشيخ فيها العور” ونطبل ونزمر لقوى تحاول جاهدة إعادة أمجادها الضائعة في منطقة عربية لم تجن منها سوى”الحصان التركي خير من الف عربي”
التاه ولد احمدو