تعدد الزوجات في موريتانيا…بين الرفــــض والضــــرورة

هل تقبلين نفسك زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة لرجل؟ ثم أليست الأسباب في “تعدد الزوجات “تتعدد وفقاً للضرورات؟، ألا يمكن أن تحل مسألة تعدد الزوجات أكبر ظاهرة تستفحل اليوم و تكاد تعصف بالكيان البنوي للمجتمع ألا وهي “العنوسة” التي سجلت أرقاما قياسية في مجتمعنا؟

لماذا ترفض الغالبية العظمى من النساء الموريتانيات ظاهرة “التعدد” في حين أنها قد تكون بديلا عن العلاقات السرية التي تدار من وراء ظهر الزوجة، وفي الخفاء والتي قد تتطور إلى زواج “سري” على أنها تظل علاقات غير مشروعة وبعيدة عن الرقيب البشري؟، نحاول من خبلال هذا التحقيق الذي استطلع آراء العديد من الفتيات و النساء الموريتانيات لمّ شتات المعطيات المتوفرة لنرى ظاهرة “التعدد” من زوايا عدة.

النساء .. بين الرفض والإكراه

“إنني لن أقبل بالتعدد، وزوجي إما أن يختار الطلاق أو البقاء معي وحدي” هكذا تجيب الفتاة مريم عندما سألناها عن رأيها في ظاهرة التعدد التي أصبحت تنتشر في المجتمع الموريتاني وخاصة طبقة الأثرياء. أما السالمة وهي مطلقة وأم لأربعة أولاد تعيل عليهن في حانوت بعرفات فترى بأن تعدد الزوجات فيه خير للمرأة ولكنها ترفضه مخافة أن تمتد إليها ألسنة الناس، فهي تفضل الزواج السري على الزواج “باظيار” .

“عيشه” صاحبة محل بيع الملا حف :”تقول تجاوزت سن الخامسة والعشرين وأعتقد أن قطار الزواج سيتجاوزني إذا لم أحصل على زوج في الخمس سنوات القادمة، ولكنني أفضل” العنوسة” على أن تشاركني امرأة أخرى في زوجي حسب قولها” .

وترى سيدة أخرى :”أن تعدد الزوجات فيه نوع من الاستخفاف بالمرأة والتطاول على كبريائها ولا أعتقد أن امرأة في سن الشباب تقبل به، أما إذا تجاوزت سن الخمسين فالأمر وقتها قابل للمناقشة”. “زينب” فتاة تجاوزت الثلاثين من العمر وما زالت مصرة على رفض التعدد حتى ولو فاتها قطار الزوجية تؤكد “أن المشكلة لا تكمن في رفض المرأة الموريتانية لتعدد الزوجات، بقدرما توجد في نزوة الرجل الموريتاني الذي تطبع المزاجية حياته الأسرية فالرجل بالنسبة لها عندما يكون قادرا على توفير الحياة الكريمة لزوجاته بالتساوى فإن المرأة في النهاية لا تبحث إلا عن السعادة ولكن إذا نظرنا أن لرجل ما زوجة في الريف وأخرى في المدينة فإنه بالتأكيد يؤثر تلك التي توجد معه في مكان العمل وتبقى الثانية معلقة هذا في نظري”.

وتضيف زينب: إن تفضيل زوجة على أخرى هو لب المشكلة و أعتقد أن الرجال الموريتانيين عندما يحكمون الشرع في هذا الموضوع ستنتهي المشكلة ، خاصة أن الزواج اليوم بات مستحيلا بحكم عزوف الشباب عنه والسبب هو تعقيدات الحياة والمشكل المادي. وأقول لك صراحة إن تعدد الزوجات صار منتشرا في بلادنا ولكن بطرق ملتوية كزواج السر والمسيار “. هكذا رأي المرأة الموريتانية في مسألة الزواج التي مازالت تنظر إلى “تعدد الزيجات” أو ما يسمى ب “أظيار” بنفس النظرة التي ينظر المجتمع بها إلى الموضوع, حيث يعتبرها شكلا من أشكال الدونية التي يضع فيها الرجل زوجته الأولى, وبالتالي فإن كثيرا من النساء لا تقبلنه, بالرغم من أن بعضهن أحيانا قد يتفهمن الأسباب التي تدعو إليه.

كما أن المجتمع نفسه الذي يدعم خضوع المرأة لإكراهاته, كثيرا ما عمد إلى تفسير ما يحدث من مشاكل داخل العائلة من تشرد للأطفال و أمور الطلاق, باعتبارها أسبابا طبيعية للخروج على تقاليده الرافضة ل “تعدد الزوجات” .. حتى لو لم تعد تلك التقاليد تناسب حياة العصر .. وبالتالي تعطي هذه التفسيرات أو المبررات الخاطئة للمرأة إشارة الضوء لمقاومة أي قرار من “الخطيب” أو الزوج في هذا الشأن مما يحول دون قبولها ل “أظيار”, بالرغم من أن هذا الموقف قد يحسب ضياعا ليس من عمرها وحسب, وإنما لفرصة تكوين عائلة منسجمة وفاعلة في المجتمع.

رأي الشريعة

الإمام محمد عبد الله ولد احمد يقول إن رفض المرأة الموريتانية ذات الأصول العربية لتعدد الزوجات يعد خروجا سافرا على الشريعة الإسلامية، التي هي رحمة من رب العالمين على عباده المؤمنين ، وقد فصل لهم فيها ما حرم عليهم في دينهم ، وذلك في سورة المائدة عندما أنزل على نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” وذلك قبل أربعة عشر قرنا من الزمن، لنجد اليوم المجتمع الموريتاني المسلم، يرضخ لعرف جاهل لا تقره الشريعة الإسلامية ولم يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، يتمثل في رفض ما أحل الله وهو تعدد الزوجات . ولنا ـيقول الإمام ـ في الحديث المتواتر، الذي رواه البخاري ومسلم المعروف بحديث “بريره” والذي حذر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين من تبني أمور ليست في الشرع ، حيث قال صلى الله عليه وسلم” ما بال أقوام يضعون شروطا ليست في كتاب الله ولم يقرها رسوله الولاء لمن أعتق هذا الحديث يعطينا قناعة أن أي أمر ليس في القرءان العظيم وليس في السنة النبوية المطهرة يجب علينا أن نضرب به عرض الحائط” ، ومن ناحية ثانية فإن رضوخ المجتمع لرغبة المرأة في عدم قبول تعدد الزوجات فيه نوع من الظلم للرجال وللنساء على حد سواء، فقد يتزوج رجل ما امرأة لا تنجب وإذا رفضت هذه المرأة الزواج عليها، فإن نسل ذلك الرجل سينقطع وبالتالي تتوقف حركة البشرية ،وحركة البشرية ضرورة الحياة، لأنها من قواعد الفطرة التي فطر الله عليها خلقه.

ضف إلى ذلك أن حل مشكلة العنوسة، التي باتت تضرب بأرجلها اليوم المجتمع الموريتاني منذرة بكارثة اجتماعية الله وحده هو الذي يعلم ماذا سينجم عنها ، لا يمكن حلها في نظري ـيضيف ولد احمدـ إلا بإتباع تعدد الزوجات ، كما له أيضا فوائد أخرى منها : إذا كانت لرجل زوجتان ومرضت إحداهما فإن الأخرى ستقوم على علاجها ورعاية أبنائها بوصفهم أبناء زوجها، وتعدد الزوجات ـيؤكد فضيلة الإمام ـ فيه من الحكم الكثير لا يتسع المقام لذكره، واختتم تصريحه ليومية بلادي بنصيحة المرأة الموريتانية المسلمة بالرضوخ لأوامر شرع الله، الذي لا يدعوا إلا لمنفعة ولا ينهي إلا عن ضرر وذلك حسب تعبيره.

أسباب تفشي “العنوسة”

يعتقد البعض أن العائق المادي من أهم الأسباب وراء انتشار تفشي “العنوسة” ويستند هؤلاء إلى كون الأسباب الأخرى يمكن تفكيكها والتغلب عليها بعد توفر العامل المادي .. فالكثير من الأسر اليوم لا تفضل إلا الرجال الميسورين .. بينما لم يعد هذا الشرط أساسيا بالنسبة للكثير من المجتمعات الأخرى خاصة في مجتمع “الزنوج”.

كما يمثل غلاء المهور خصوصا أكبر التحديات التي تواجه الرجل اليوم .. وهو ذاته في المقابل الذي يحرم المرأة أحيانا تحت طائلة الخضوع لمنظومة قيمية لا تتغير, من حقها في الزواج الطبيعي الذي منحها الإسلام.

كذلك يعد غياب دور اجتماعي و إعلامي وحتى سياسي, لشرح خطورة الإحجام المتزايد عن الزواج بين الرجال لنفس الأسباب, عاملا آخر في استمرار تفشي “العنوسة” التي بدأت تضرب أطنابها في المجتمع في السنوات الأخيرة.

خلاصة

إذا علمنا أن تفشي “العنوسة” نتيجة وليس سببا, فإن السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو كيف يمكننا جعل هذه المشكلة مجالا للتفكير والنقاش الإيجابي لفهم أسبابها ومعالجتها, خصوصا بعد أن باتت تعطل نصف طاقة المجتمع؟.

ثم لماذا لا نستفيد من المجتمعات التي جربت قبول “تعدد الزوجات” بالنظر إلى أن ديننا الحنيف لا يمنعها, ونحن أحوج إلى ذلك الآن أكثر من أي وقت مضى؟

لقد ثبت أن “تعدد الزوجات” سبب في تقوية الروابط الاجتماعية, كما أنه عامل مساعد في الإنتاج وبالتالي في تحسن الظروف الحياتية للأسر .. خلافا للمخاوف التي يجري ترويجها من أن هذا النوع من الزواج قد لا يعطي نفس الدفء الذي تمنحه الزوجة الوحيدة لأسرتها وبيتها, والتي هي مجرد فرضيات لا تزكيها إلا نظرة المجتمع الخاطئة لهذه المسألة, و ظلمه المتوارث للمرأة.

المصدر : الوطن

مواضيع ذات صلة : تعدد الزوجات في السنغال – تقرير مصور

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى