النائب عبد الرحمن ولد ميني: نشاطات “بترو ناس” في موريتانيا تشكل خرقا فاضحا للدستور ولا شرعية لها

نواكشوط ـوناـ قال رئيس الفريق البرلماني لحزب تكتل القوى الديمقراطية النائب عبد الرحمن ولد ميني، إن شركة “بترو ناس” تقوم بأعمال البحث والتنقيب بلا غطاء قانوني أو تعاقدي مشروع مع الدولة الموريتانية:، مخالفة بذلك الدستور الموريتاني، ومغتصبة حق البرلمان في التشريع.

وقال ولد ميني في سؤال شفهي وجهه لوزير النفط والطاقة، إن الدولة تدرك جيدا أن تلك الشركة انتهت العقود معها منذ سنة 2009، ورغم ذلك ما تزال تباشر نشاطاتها البحثية والتنقيبية، مؤكدا أن لديه رسالة من وزير الطاقة والنفط موجهة إلى الوزير الأول يشعره فيها بوجود فراغ قانوني بشأن العمليات التي تقوم بها الشرطة.

وهذا نص المداخلة التي ألقاها النائب عبد الرحمن ولد ميني في الجلسة العلنية للجمعية الوطنية التي عقدت مساء أمس الأحد وخصصت لرد وزير الطاقة والنفط على السؤال الشفهي الذي وجهه ولد ميني:
“إن سياسة الاستغلال الرشيد لموارد الدولة محل إجماع من طرف كافة الموريتانيين، وما من احد إلا وينادي بالشفافية في التعامل مع تسيير تلك الموارد، وان كان تصرف بعض الحاملين لهذا الشعار يخالف أقوالهم تماما.

مما لا شك فيه أن الحكم الرشيد لا يمكن تصوره إلا بوضع آليات قانونية دقيقة يتعين على الحكومة قبل أي جهة أخرى أن تحترمها بصفتها الضامنة لتطبيق القانون والمتحكمة في تلك الموارد..
إن من أهم جوانب التشريع في مجال النفط هو الأمر القانوني رقم88151 الصادر بتاريخ 13 نوفمبر 1988 المتعلق بالنظام القانوني والضريبي للبحث عن المحروقات واستغلا لها.

وحرصا من المشرع على ضمان تحقيق أمثل للمصالح العليا للبلد وحماية مصالح المستثمرين بشكل فعال اشترط لصحة العقود المبرمة بين الدولة الموريتانية والمستثمرين في مجال البحث عن المحروقات واستغلالها المصادقة علي تلك العقود من طرف البرلمان.

وفي سنة 1994 أعد انطلاقا من هذا النص نموذج عقد مفصل يتعين على كل شركة تريد أن تنقب عن النفط في بلادنا أن توقع عليه وتحترم ما فيه من التزامات، وقسم الحوض الشاطئ وحوض “تاودني” إلى مقاطع للتنقيب عن النفط والغاز. ويحدد هذا العقد مساحة يجري فيها التنقيب وتتنازل الشركة إبان كل تجديد للعقد الذي مدته ثلاث سنوات ـ
قابل للتجديد مرتين ـ عن جزء من المساحة المتعاقد عليها ، و يهدف هذا التنازل لإعطاء الفرصة للدولة الموريتانية للتعاقد مع شركات أخرى أو مع نفس الشريك بشروط أفضل.

ومن المعلوم بداهة أن أول شرط لدخول المستثمرين لبلد ما هو احترام الدولة المضيفة لقوانينها ونظمها المتعلقة بالاستثمار.

إن المستثمرين الأجانب مهما كانوا، ومهما كانت دوافعهم الظاهرة والخفية لن يهتموا بمشروع اقتصادي في بلد لا يحترم القانون خصوصا في الميدان النفطي الذي طبعت نزاعاته الدولية القرن الأخير مؤزمة العلاقات الاقتصادية الدولية ومهددة الأمن والسلم الدوليين كالنزاعات حول تأميم النفط و المشاكل القانونية التي ضاعت فيها مليارات الدولارات كنزاعات آرامكو السعودية وشركة تكساكو الأمريكية ، ونزاعات إمارة أبو ظبي وشركة توتال الفرنسية ونزاعات الشركات الأمريكية مع الجماهيرية الليبية و النزاع بين شركة ألف الفرنسية و الشركات الأمريكية في الكونغو و الذي أدى إلى حرب أهلية وأخيرا نزاع شركة وود سايد والدولة الموريتانية الذي أنهاه الطرفان وديا، وكلها نزاعات انتهت بقرارات تحكيم دولية تطلبت عشرات السنين . والدروس المستخلصة من هذه النزاعات هي ضرورة توفير الأمن القانوني و أن تكون النصوص واضحة للمستثمر ومحترمة من قبل الدولة المتعاقدة .

إن كل المقدرات النفطية المعلن عنها في موريتانيا توجد حصرا في عرض البحر وقد يدات اعمال التنقيب عن النفط في بلادنا نهاية السبعينات و لكن سقوط سعر الخامات و ضعف المؤشرات لوجود حقول ضخمة ـ رغم التأكد من وجود بعض الحقول الصغيرة ـ أدى إلى عزوف الشركات عن الدخول في مجازفات اقتصادية.

مع بداية الألفية الثانية و الارتفاع المذهل لأسعار النفط أصبح من المجدي و المغري البحث من جديد في موريتانيا وفي هذا الإطار أعلن عن اكتشاف حقل شنقيط من طرف شركة وود سايد ، التي حلت محلها لاحقا شركة بتروناس .

أعلن في المراحل الأولى عن احتياط نفطي مقدر ب 123 مليون برميل و بدأ الاستخراج بمعدل 75 ألف برميل يوميا ، و بعد فترة وجيزة انخفض الإنتاج إلى معدل 9 آلاف برميل و انخفض الاحتياط المعلن إلى حوالي 60 مليون برميل .
إن مساهمة البترول في الاقتصاد الموريتاني ضئيلة جدا حوالي 30 مليون دولار سنة 2010 ، ويظهر حسب الخبراء أن استخراج البترول في عرض البحر يؤثر سلبا على الثروة السمكية التي تساهم بحوالي 500 مليون دولار بأشكالها المختلفة ـ الصيد الصناعي ، الصيد التقليدي، و القطاعات المرتبطة بالصيد ـ و توفر 40 ألف فرصة عمل.

إنه لمن السفه تعريض ثروة متجددة و ذات مردودية عالية للخطر مقابل إنتاج نفطي ضئيل وقابل للنضوب ومن الممكن أن يتسبب في كارثة بيئية كما شاهدنا مؤخرا في التسرب البترولي في خليج المكسيك في الولايات المتحدة رغم تشددها في رقابة عمليات الاستخراج و تعاملها مع شركات عملاقة.

رغم هذه المخاطر و قلة المردودية فإن القوانين التي وضعت لتنظيم التنقيب و استغلال المحروقات و التي تهدف إلى الاستفادة القصوى من هذه المصادر لا يتم احترامها و هذا ما يتبين من الوضعية الغير قانونية التي تعمل بها شركة بتروناس في المنطقتين A وB في عرض البحر مذكرا بالمعطيات التالية:
ـ إن المنطقتين A وB تحتويان على أربعة حقول وهي “توف” و”تفت” و”بندا” و”لعبيدن”. وكان من المبرمج منذ 2006 أن ينطلق الإنتاج النفطي في اثنين منهما “توف” و”تفت” على الأقل في منتصف 2010 و.

– لقد انتهت الفترة الثالثة والأخيرة للعقدين المتعلقين بالمنطقتين أ و ب علي التوالي: يوم 31 يوليو2009 و يوم 20 يوليو 2009.

ومع هذا كله ظلت بترو ناس تقوم بأعمال البحث والتنقيب بلا غطاء قانوني أو تعاقدي مشروع مع الدولة الموريتانية.

وللتذكير لا يشمل هذا الخرق حقل شنقيط الذي يتم العمل فيه بإذن استغلال والذي هو جزء من المنطقة B.
وغني عن القول أن البرلمان لم يتوقف نشاطه في الدورات العادية وكان بإمكان الحكومة أن تستدعيه لدورة غير عادية للحيلولة دون وقوع هذه الحالة غير القانونية.

إن بحوزتنا رسالة من السيد الوزير المحترم بتاريخ 22 ابريل 2010 موجهة إلى السيد الوزير الأول يعترف فيها بوجود فراغ قانوني منذ سنة بخصوص انتهاء صلاحية العقدين مع شركة بتروناس مذكرا الوزير الأول برسالته رقم:19/وزارة أولي/ بتاريخ:20/07/2009 الموجهة إلي بتروناس يمدد بمقتضاها باسم الحكومة الموريتانية صلاحية العقدين المذكورين. وهو ما يعتبر إقرارا رسميا صريحا بتجاوز سافر للقانون، يتوجب الوقوف عنده لمعرفة دوافعه وأسبابه و خفاياه .

مما تقدم تستنتج الملاحظات التالية:

1 ـ خرق المادة 80 من الدستور

رغم أن الشفافية هي أهم ضمانة لحماية الاستثمار ،فان الحكومة الموريتانية لما أبرمت الاتفاقيات مع مجموع الشركات النفطية ممثلة بوود سايد وتمت المصادقة عليها امتنعت عن نشر تلك الاتفاقيات في الجريدة الرسمية، وبالتالي خرقت الحكومة النص القانوني الصريح الذي يلزم بنشر الاتفاقيات.

2 ـ اغتصاب الاختصاص التشريعي للبرلمان

حرص الدستور الموريتاني علي تحديد اختصاص كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية وجعل المصادقة علي الاتفاقيات من اختصاص البرلمان وحده (المواد:45 ،80 من الدستور). ولم يقتصر الأمر علي الدستور وإنما حرص المشرع علي تذكير الحكومة بهذا الاختصاص المقرر للبرلمان وحده بالمادة 3.5 من الأمر القانوني 88ـ151 التي أوجبت مصادقة البرلمان علي تلك العقود.

وعليه تكون الحكومة اغتصبت اختصاص البرلمان بتجديدها لتلك العقود بمجرد رسالة من الوزير الأول إمعانا في الاستهزاء وتعديا علي سلطات البرلمان.

3 ـ الإخلال بمبدأ فصل السلطات

لا يختلف اثنان علي أن أهم مبدأ من المبادئ المتعلقة بالنظم السياسية الديمقراطية هو مبدأ فصل السلطات. ووجه خرق الحكومة لهذا المبدأ ،أن مسألة من اختصاص البرلمان تدخل فيها الوزير الأول برسالة لا ترقي إلي درجة مرسوم أحرى أن تكون تشريعا صادرا عن البرلمان.

لقد تم النيل من مبدأ فصل السلطات وهو ركيزة الديمقراطية وبدون احترامه تتحول الحكومة إلى سلطة مطلقة و هذا هو الحكم الاستبدادي بعينه .

4 ـ المساس بمصداقية الدولة

إن هذه التصرفات ستؤثر لا محالة سلبا على مصداقية الدولة وستدفع المستثمرين إلى الابتعاد عن تمويل كل مشروع يتعلق بهذه المنطقة لوجود شبهات كبيرة حول شرعية ما جرى فيها من تنقيب واستكشافات ودراسات والخشية من التعرض للمساءلة المدنية أو الجزائية مستقبلا، خاصة أن الشركات متعددة الجنسيات تخضع في تعاملها مع دول الجنوب لإكراهات قانونية فرضتها اتفاقية الأمم المتحدة.

طبقا لما سبق تبيانه من التلاعب الحكومي بالقوانين و ضعف مردودية قطاع البترول و الأخطار الجمة التي يسببها للثروة السمكية فإنني أقترح أن يتم إيقاف التنقيب و الاستخراج في عرض البحر و التركيز على التنقيب في اليابسة.

وفي الختام حق لنا أن نثير التساؤلات التالية:

هل توجد ملحقات للتمديد أبرمت في الخفاء؟

هل هناك علاقة بين هذه القضية والأزمة السياسية القائمة منذ انقلاب 2008 ومواقف بعض الجهات الدولية منها ودعمها للنظام القائم ؟

ما هو الثمن المدفوع لهذا الخرق القانوني ؟

لا شك أن تحقيقا موضوعيا شاملا حول هذه القضية سيبين مدي خطورة الأفعال المرتكبة من لدن الحكومة والأسباب الدافعة لارتكاب أخطاء علي هذه الدرجة من الجسامة في حق موارد الشعب الموريتاني ومنظومته القانونية وقيمه السياسية.

بدون التحقيق في هذا الموضوع سيتبين لنا بالدليل القاطع أن الحديث عن الإصلاح و محاربة الفساد مجرد دعاية فارغة و خطابات جوفاء.

ترى هل سيحظى هذا الخرق الفاضح بما حظيت به قضايا سابقة أقل خطورة بكثير و محل شك و تفوح منها رائحة تصفية الحسابات ، كقضية الخطوط الجوية الموريتانية أو قضية الأرز أو قضية رجال الأعمال أو صناديق الادخار التي مازال ضحيتها في سجن تحكمي ؟!!!

أم أن النظام يهتم فقط بالقضايا المحسوبة على الماضي و التي تمكن من اتهام خصوم سياسيين؟!!. و تغض في المقابل الطرف عن الفساد الممتزج بالخرق الفاضح للدستور الممارس حاليا ؟!!”

وزير النفط والطاقة السيد وان ابراهيما لمين، اوضح في جوابه للنائب عبد الرحمن ولد ميني ، ان التنقيب عن النفط واستغلاله في موريتانيا تستثمر فيه ثمان شركات بموجب عقود تنتهي فتراتها القانونية ما بين 2009 و2017 باستثناء عقد استغلال حقل شنقيط الذي ينتهي 2029.

وقال ان فترة التعاقد مع شركة “بتروناس” للتنقيب في المقطعين “أ” و “ب” قد انتهت بالفعل منتصف 2009 والمفاوضات جارية لتجديد هذه العقود، بما يضمن مصالح موريتانيا وذكر في هذا المجال بان هذه الشركة تهتم باستغلال الغاز وموريتانيا تبحث معها، إنشاء مولد للكهرباء يعمل بالغاز وهو مشروع تعلق عليه بلادنا آمالا كبيرة.

وأكد الوزير أن جميع أعمال التنقيب عن النفط في عموم التراب الموريتاني تسير بصورة شرعية وفي مصلحة موريتانيا.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى