الاسترقاق والإسلاميون في موريتانيا

بدا في الآونة الأخيرة وكأن الإسلاميين الموريتانيين انشغلوا انشغالا زائدا عن المعتاد بقضية الرق والاسترقاق، وقد بلغ ذالك الاهتمام ذروته بإعلان حزب تواصل عن وثيقة جمع لها الناس، و أعلن فيها ما أسماه موقفا جديدا وصريحا و نهائيا، من العبودية والاسترقاق.

وبغض النظر عن مضمون ذالك الإعلان وذالك الاهتمام، يجب أن نشير إلى أن مجرد الإعلان عن موقف جديد للإسلاميين من الاسترقاق والاستعباد، هو خطوة جريئة وشجاعة باتجاه مراجعة المواقف، وهو دليل كذالك علي انزعاج بعضهم علي الأقل من مضامين موقفهم القديم …
ولا يمكن لأحد أن يتجاهل القوة الكامنة في الإسلام كأداة أساسية قد تساهم في عملية هدم صرح الاستعباد، لما له من قوة مرجعية في المجتمعات الإسلامية عموما والموريتاني منها خصوصا.
وقبل الدخول في الموضوع وتفصيلاته، نريد التأكيد علي أن هذا الكلام موجه بالأساس إلي الإسلاميين أو دعاة الإسلام السياسي كما يسميهم البعض دون غيرهم من فصائل الإسلام التقليدي أو الرسمي وذالك لسببين اثنين….

السبب الأول هو أن اليأس قد استقر في قلوب المهتمين بقضية العبودية في موريتانيا، من احتمال صدور أي موقف، أو أي فتوى من مراجع الإسلام التقليدي المعروفة، والتي كان بإمكانها أن تساهم في رفع الظلم عن هذه الشريحة لتعيد لها بعضا من كرامتها أو جزءا يسيرا من إنسانيتها ، وبالتالي لا نتوجه في خطابنا هذا إلي الذين حسموا أمرهم وتعصبوا له وأصروا واستكبروا استكبارا وقالوا إن الإسلام يقول بان العبيد عبيد و الأحرار أحرار…

والسبب الثاني هو أن الأمل لا يزال يحدو الكثيرين من المدافعين عن حقوق الإنسان في مواقف الإسلاميين بصفة عامة، ولو أن منهم جزءا أساسيا قد صنف نفسه في خانة الإسلام التقليدي الميئوس منه، فصدور الوثيقة وما رافقه من نشاطات وندوات حول الموضوع، فتح أبوابا من الأمل كانت موصدة في وجه قضية لحراطين، ولا ننسى أن الإسلاميين هم مجموعة ترفع شعارات كبيرة و مفيدة في الموضوع من قبيل تجديد الإسلام وتطهير فقهه من مخلفات الانحطاط ونفض غبار التخلف عن تشريعاته وهي مجموعة تزعم كذالك لنفسها ولأتباعها التمسك بالإسلام في ثوابته مع مسايرة للعصر في متغيراته…

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

أما الوثيقة موضع الحديث فيمكن للمضطلع عليها أن يستشف من خلالها أن لدى الإسلاميين، علي المستوي الرسمي، إرادة صادقة لاتخاذ موقف واضح من الرق والاسترقاق، ولكن يتأكد المرء أيضا من خلال نفس الوثيقة أن تلك الإرادة تصطدم بمجموعة معوقات ذاتية وموضوعية لا يتسع المكان لتناولها، تجعل من تجاوز سقف الموقف القديم عملية مكلفة أو شبه مستحيلة.
فقد كان موقف الإسلاميين و لا يزال – المعلن منه علي الأقل – يترنح بين من يقول بشرعية الاسترقاق مع تحفظ علي بعض الممارسات الاستعبادية، وبين من يستحي، بحكم ثقافته وطبيعة علاقته بالحداثة والتجديد، من التصريح بذالك، فيتهرب من نقاش مبدأ استعباد الإنسان للإنسان في الإسلام، ليركز علي الدفاع عن حقوق العبيد من حيث هم عبيد. ففي الوثيقة يبدوا للقارئ بشكل واضح أنها تحاول فقط التوفيق بين الطرفين الأنفين الذكر، وذالك من خلال التركيز علي التوصيف و السرد التاريخي لممارسة الاستعباد في مجتمعنا، و علي إبراز الجانب القانوني في الأحكام بدل الجانب الشرعي، الذي يعتبره التواصليون مرجعهم الأول، وبهذه الطريقة حققت الوثيقة أهم هدفين لها وهما: إيهام القارئ بأن الإسلاميين متعاطفون مع ضحايا الاسترقاق، وهو هدف سياسي بحت ومشروع من جهة، ومن جهة أخري محاولة التستر علي التباين الكبير داخل الحزب حول العبودية حتى لا ينتقل الحوار علنا إلي مرجعياته الشرعية و السياسية الكبرى… و قد عبر الرئيس جميل عن الجانب الأول، مع شيء من السّخرية! وعبّر نائبه عن الجانب الثّاني، بكثير من الجدية و البراءة!

و يبدو هذا التوجه في أسلوب الوثيقة وفي طريقة صياغتها حيث تقول في أول نقطة عن موقف الحزب من العبودية من الناحية الإسلامية ما نصه:

“وبناءا علي ما تقدم فان رؤية التجمع الوطني للإصلاح والتنمية لمعالجة الرق ومخلفاته تنطلق من الأسس والمرتكزات الآتية:
أولا التأسيس ابتداء علي الرؤية الإسلامية الرافضة لاستعباد الناس بغير وجه حق”

وسوف نكتفي في هذه المناسبة بهذه النقطة فقط، لأنها أهم ما أوردت الوثيقة عن الموقف…

وهنا لا يفوت القارئ كيف استطاع كتاب الوثيقة استعمالهم للجملة بذكاء فائق بغير وجه حق .
فقد يفهم منها أن العبودية قد تكون بحق! وقد يفهم منها عكس ذالك! فيأخذ من يريد تقييد الحكم التقييد، ومن يريد إطلاقه الإطلاق. وهكذا انتهت الوثيقة علي هذا المنوال دون الخروج بموقف جدي أو جديد يظهر براءة الإسلام من تهمة إقرار العبودية والاسترقاق… و هذا هو مبرر قولنا ـ ذلك اليوم ـ أن الوثيقة لم تأتي بجديد، منبهين إلى الغموض و التذبذب الذين اكتنفا الموقف.

قد يستنقص البعض، ذلك الموقف علي الإسلاميين، دون تفهم لوضعهم الداخلي، ويتهمهم بالتخاذل والتهاون في شجب أكبر جريمة عاشها و لا يزال يعيشها مجتمعنا، ولكن المنصفين و العارفين بخفايا الكواليس الفكرية والفقهية، هم وحدهم قد يفهمون كل التعقيدات التي قد تصاحب أي موقف صريح يحرم الرق ويبطل كل مسائل الفقه التي شرعت وأصلت ممارسة الاسترقاق في مجتمعنا بدءا من باب صلاة الجمعة إلي الأنكحة والعقود وصولا إلي الفرائض وغير ذالك ، و لنا تفاصيل في هذه المجالات سنعود إليها في مناسبة أخرى.

فإبطال العبودية في الإسلام لا تقتصر تداعياته على الإسلاميين بمجرد إظهار الاختلاف الفكري المتباين بينهم في هذه القضية، ولكنه سيضطر بعض المراجع الروحية و الفكرية إلي إلغاء جزء كبير من الفقه، مما قد يطرح تساؤلات أوصولية أخرى، قد تثير اضطرابات في الايدولوجيا و في عقول ضعاف المؤمنين.
و بهذه المناسبة فإننا ننبه إخوتنا الإسلاميين أن لا تختلط عليهم السياسة والحملات الانتخابية، مع القضايا الفكرية المجتمعية الكبرى. فقضية الرق والاسترقاق في موريتانيا لا تحتمل التوظيف السياسي ولا الانتخابي فهي أزمة يعيشها ويرزح تحت وطأتها ويكتوي بنارها شريحة هي أكبر شرائح الشعب الموريتاني فمن استطاع أن يساهم في حلها فليفعل ومن عجز عن ذالك فالصمت أولى به….. ورحم الله من عرف قدره وجلس دونه….
و لا يجب أن يفهم من ذلك مبرّرا شرعيا للصمت هنا ، لأن تغيير المنكر واجب، والرق أكبر من منكر بما فيه من قطع للرحم عندما يقسّم أبناء الأسرة الواحدة وتتقطّع الوصال بينهم، و إباحية عندما يدخل الرّجل” بأمة” لا يعرف مصدر استرقاقها، وشرك عندما يطلب من” العبد” طاعة سيّده ليدخل الجنّة …إلى غير ذلك مما يعرفه مشايخ التواصل ويتجاهله أئمّة البلاط !

عثمان ولد بيجل و ابراهيم ولد بلال

لتنزيل المقال :

الاسترقاق و الإسلاميون في موريتانيا

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى