محمد فال ول القاضي : “وضعوني في قبو تحت الأرض “
محمد فال ولد القاضي الأمين العام لجمعية ذاكرة وعدالة لضحايا سجون قيادة البوليساريو الموريتانية
في حوار خاص مع مجلة المستقبل الصحراوي
النص الكامل
- توطئة : بين العودة من الجحيم والعودة الى الحياة بنفس جديد رغم كيد الجلادين, ومن وراء أنين ضحايا العذاب الممل وأنَّاتهم التي بقيت حتى الرمق الأخير , خرجت الى العلم جمعية ذاكرة وعدالة الموريتانية لتكشف المستور الذي أريد ردمه في صحراء أحمادتنا القاحلة وبعيدا عن أعين الناس حيث كان البعض وبإسم الجبهة ينتف ريش كل رأس أينع لعزة الصحراويين وسؤددهم. لم يكن السيد محمدفال ولد القاضي ورفقاءه فيمااطلق عليه جزافا “الشبكة الموريتانية” يدركون أن موسم هجرتهم الى الشمال كاد يتحول لولا لطف الله وحده الى موسم الرحيل الى القبور .بعد أن دفنوا احياء في سرداب سحيق ومورست عليهم أفظع صور التعذيب والتنكيل والإهانة , لكن الله سلَّم, وأراد للحقيقة ان تنجلي ليتحول أنين المعتقل الى شبح يطارد الجلاد أين ماحل وارتحل. المستقبل الصحراوي وبغية الإسهام في كشف الحقيقة وإنصاف المظلوم إقتربت من السيد محمدفال ولد القاضي ,لتعتذر له بداية بإسم كل تلميذ صحراوي درسه الأستاذ يوما مساهما بذلك في عزة وتحضر المجتمع الصحراوي عن ماحصل له ولرفقاءه من ظلم وضيم والأفظع انه من ذوي القربى . مدركة ان جولات الباطل لابد أن تقف وتُهزم في وجه صولة الحق.. ولتكشف الوجه الخفي للذين سرقوا الجبهة والدولة بعد رحيل الشهداء وعلى راسهم شهيد الحرية والكرامة الولي مصطفى السيد.. فأمعنوا في خروقات يندى لها الجبين في ليل دامس خفي وارض قفر قاحلة .. فكان لنا هذا اللقاء… مع الأستاذ الضحية التي منحها القدر فرصة لتميط اللثام عن حقيقة الفظائع المرتكبة , الأستاذ :محمد فال ولد القاضي . الأمين العام والناطق الرسمي بإسم جمعية ذاكرة وعدالة لضحايا سجون قيادة البوليساريو الموريتانية.
- المستقبل الصحراوي : نبدأ من آخر تطورات قضيتكم , قبل شهور كان مبعوث من البوليساريو يُستقبل من قبل الرئيس الموريتاني يومها نشرت مواقع إعلامية موريتانية بيانا لجمعيتكم يندد بالتنكر لوعود قطعتها لكم قيادة جبهة البوليساريو .فهل لنا ان نعرف هذه الوعود ؟ ولوتطلعون على تفاصيل الإتصالات التي جرت بينكم وقادة من البوليساريو ؟
بداية قبل الإجابة على سؤالكم أود في البداية أـن أعرب عن امتناني لكم على هذا اللقاء الذي أعتبره التفاتة كريمة من أناس ليس الكرم غريبا في ديارهم وأعني بذلك الصحراويين كل الصحراويين ، كما أعتبره شهادة تزين قضيتنا بعد ما لحق بها من تشويه ومحاولة لإعطائها بعدا غير البعد الإنساني ، وقد أسعدني كثيرا تقديمكم لأنفسكم بأنكم كنتم أحد تلاميذي السابقين مما أعطاني انطباعا بأنني لم أكن كما يقول المثل .الحساني : ” حلاب ناكتو في الظاية ”
أما بخصوص الإجابة على السؤال فإنه قبل يومين من وصول مبعوث البوليساريو السيد أمحمد خداد إلى انواكشوط أبلغنا من طرف الوسيط الذي حضر من بلجيكا على نفقة البوليساريو ـ حسب قوله ـ بأننا سنقابل المبعوث ، وأن ملفنا هو أهم نقطة في جدول أعماله ، ولا أفشي سرا إذا قلت بأن كل الضحايا المنضوين تحت لواء جمعية ذاكرة وعدالة سعدوا كثيرا بالخبر ليس لأن المبعوث مسؤول رفيع ، بل لأنه كذلك ـ بالنسبة لنا ـ يعتبر من الذين سلمت أيديهم من أن تلطخ بمعاناتنا ، وكانت الاتصالات قد بدأت منذ فترة بناء على مبادرة من قاضي موريتاني سابق على صلة ببعض المسؤولين في جبهة البوليساريو ، والذين اتصل بنا بعضهم ( من بينهم وزير ) بشكل مباشر ليبلغنا ترحيب الرئيس محمد عبد العزيز بالمبادرة واستعداده لاستقبالنا من أجل تسوية الملف بالشكل الذي يرضي الضحايا وذوي الضحايا ، وبأن السيد أمحمد خداد هو من كلفه الرئيس بالملف ، وقد فوجئنا في آخر لحظة بهذا الأخير يغادر انواكشوط ساعات قبل الموعد الذي كان من المفترض أن يستقبلنا فيه رفقة مندوب عن شركة المحاماة التي وكلناها برفع دعوى قضائية أمام القضاء الموريتاني ضد جلادينا ، الشيء الذي استدعى منا عقد مؤتمر صحفي أصدرنا في ختامه بيانا نددنا فيه بالتنكر للوعود التي نمتلك أدلة على حصولها ونحتفظ بحقنا في نشرها .في الوقت المناسب وسيكون بعض هذه الأدلة مفاجئا للمعنيين.
- المستقبل الصحراوي : قصد تنوير الرايء العام الصحراوي داخل مخيمات اللاجئين الصحراويين ..هل لنا ان نعرف متى وأين تأسست جمعيتكم , وماهي بالضبط اهم اهدافها الرئيسة؟
من الناحية النظرية فإن جمعية ذاكرة وعدالة تأسست منذ عدة سنوات لكنها لم تنل الصبغة الرسمية إلا في تاريخ 10/8/2008 حين رخصت لها وزارة الداخلية الموريتانية بوصل ترخيص رقم 409 وسجلت لدى مفوضية حقوق الإنسان تحت الرقم 422 وقدمت ملفا لنيل عضوية اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ، يوجد مقر الجمعية الرئيسي في انواكشوط ، ولها مكتب في مدينة انواذيبو ، ومنسقين في بعض المدن الداخلية وقريبا جدا ستعتمد ممثلين لها في كل من اسبانيا و فرنسا ، مؤسسوها ومنتسبوها كلهم من الضحايا وذوي الضحايا.
أما بخصوص أهداف الجمعية فإنه بالرغم من أنها جمعية ذات طابع خاص لارتباط منتسبيها بنفس المعاناة ومجابهة نفس الجلادين فإن أهدافها هي مناصرة كل القضايا الإنسانية مهما كانت وأينما كانت ، إلا أنه تبقى لها أهداف ضمن الدائرة التي أسست فيها وهي تحقيق العدالة في ملف الضحايا المدنيين الذين تطوعوا في صفوف البوليساريو وذلك من خلال تشكيل محكمة دولية للتحقيق في الانتهاكات التي تعرضوا لها من أجل :
- أ ـ محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات .
- ب ـ الكشف عن مصير المفقودين .
- ج ـ إعادة الاعتبار للضحايا وذوي الضحايا بتقديم اعتذار رسمي لهم ، ثم تأتي مرحلة التعويض المادي التي نعتبرها في آخر السلم .ضمن أهداف الجمعية.
- المستقبل الصحراوي : نشرتم مذكرات عائد من الجحيم ,تصفونا فيها معاناتكم داخل سجون قيادة البوليساريو , وكان ذلك بالتزامن مع نشر أسير مغربي لمذكرات بعنوان “الخروج من فم الثعبان” كانت تنشر على موقع هيسبريس الإلكتروني , فهل هناك ثمة خيط رابط أم مجرد صدفة ؟
إذا كان ثمة خيط ربط فهو بلا شك من دخان أو خيال لأنني أولا لم أكن أسيرا مغربيا ولا موريتانيا حتى تكون لمذكراتي علاقة بمذكراته ولأنني ثانيا لم أسمع عن ” الخروج من فم الثعبان ” قبلكم وثالثا عنوان مذكراتي الرئيسي هو ” الهجرة إلى الشمال ” كنت قد اقتبسته منذ سنوات من رواية للكاتب ” الطيب صالح ” عنوانها ” موسم الهجرة إلى الشمال ” لتشابه بعض المواقف فيها مع ما وقع لي بعد عودتي إلى أهلي ، وكنت قد بدأت أكتبها في الأول من رمضان سنة 1996 حيث كنت يومها أرعى إبل أحد الأمراء الخليجيين مقابل لقمة العيش حتى لا أضطر للعودة مع ” العائدين ” ، وعندما بدأت نشر مقتطفات منها اخترت العنوان الفرعي ” مذكرات عائد من الجحيم “.
- المستقبل الصحراوي : يتهمكم البعض بل ويروج لذلك بأنكم تتقاطعون مع اجندة العدو المغربي من خلال بعض المشاركات في ملتقيات لفضح البوليساريو. فهل لكم أن تطلعوا الرايء العام على حقيقة إتصالاتكم بالسلطات المغربية , هل هناك تنسيق مثلا أو تعاون في هذا المجال؟
كنا نعرف أن تلك التهمة ستكون جاهزة من أجلنا ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، بالأمس يروج البعض بأننا عملاء لموريتانيا وفرنسا واليوم ” نتقاطع ” مع المغرب ، لم يتغير أي شيء سوى المصطلح لتصبح العمالة تقاطعا ويبقى المضمون هو هو ، لكني مع ذلك أقول إجلاء للحقيقة بأننا شاركنا في ندوة بمدينة آسا حول الأوضاع في المخيمات ، وكان أهم دافع لنا للمشاركة فيها هو كون بعض المشاركين كانوا نزلاء السجون معنا وبالتحديد من المجموعة التي كانت تعرف بمجموعة ” اكليبات الفولة ” ، وان هناك جمعيات عربية وأوربية ستشارك معنا مما يعطينا فرصة للتواصل مع بعض الفاعلين الحقوقيين من خارج المنطقة ، وقد رفضنا دون تحفظ المشاركة في هيئة شكلها المشاركون أسموها ” الشبكة الدولية للدفاع عن سكان المخيمات ” لأننا رأينا أن الموضوع يجنح إلى خطاب سياسي لا علاقة لجمعيتنا به و لا ينسجم مع أهدافها ، كما أننا رفضنا المشاركة في المهرجان الذي أقيم مؤخرا في مدينة الداخلة للأسباب نفسها ، لكن بالمقابل نحن جمعية ذات طابع حقوقي إنساني ومن حقنا أن نستجيب لأي دعوة نرى أنها لا تتعارض مع أهدافنا ، والهيئات الحقوقية والإنسانية المغربية ليست استثناء ، كما أننا سنكون أول المستجيبين لدعوة من (أفابريديسا ) إذا كان موضوع الدعوة لا يتعارض مع أهدافنا وينسجم مع مبدأ الحياد الذي تتبناه دولتنا من الصراع الذي نعتبر أنفسنا الأكثر تضررا منه . وبخلاصة فنحن لم ولن ننسق مع أي جهة لا تحترم توجهنا في المطالبة بالإنصاف من جلادينا بعيدا عن الاكراهات السياسية ، ونحن نعرف جيدا من نكون وماذا نريد ، لذلك لن نستهجن أي تصنيف يضعنا فيه البعض لأننا .نراهن على الأيام ونعتبرها هي الحكم بيننا وبين ” المصنفين ” اليوم ، وربما ” العائدين ” غدا.
- المستقبل الصحراوي : تزعم قيادة البوليساريو انها تخلصت نهائيا من عقدة مطالبة ضحايا سجونها بما يسمى جبر الضرر الذي ألحقته بهم ؟ هل إستفدتم من ذلك ؟ وفي أي صورة تجسد هذا الجبر للضرر .
هي فعلا تخلصت من تلك العقدة بإدارة الظهر لها ـ على الأقل بالنسبة لنا ـ إذا كان ذلك يعني جبر ضرر ، أما إن كان الأمر يتعلق بالدلالة وما تعنيه من تطييب للخواطر وإعادة الاعتبار بكل الوسائل المادية والمعنوية فإن الأمر لا يعدو كونه زعم ويمكن لأي كان أن يزعم ما يشاء إذا لم يأخذ في الحسبان أن الوقائع تفند زعمه ، أما بخصوص الاستفادة فقد كنا وحدنا المستفيدين لكن بمعيار آخر ومن مصدر آخر غير البوليساريو ( أو على الأصح غير قيادة البوليساريو ) ، لقد استفدنا معرفة الصحراويين ، وتعلمنا أشياء لا تقدر بثمن ، تعلمنا منهم الكرم و الإيثار، تعلمنا منهم الصبر وقوة التحمل ، تعلمنا منهم كيف يمكن للإنسان أن يقهر المستحيل ، تعلمنا منهم التواضع ونكران الذات ، تعلمنا منهم القناعة والاعتماد على النفس في وقت الضيق ، كل ذلك وأكثر تعلمنها من الصحراويين ، وفي صورة أخرى لا نرى فيها الصحراويين (علمنا الجلادون حتى أن نسجد لغير الله ، لكننا ـ لله الحمد ـ مكرهون والله تبارك وتعالى يقول ( … إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان.
- المستقبل الصحراوي : نعود لنبش ذاكرتكم . كيف بداءت قصة اعتقالكم ؟ ومن تتهمون صراحة بتشريع هكذا إعتقالات عشوائية طالت الكثير ومن بينهم انتم ؟
الاعتقالات كما ذكرتم طالت الكثيرين وفي فترات متعددة ، لكن ما يهمنا في هذا الباب هو ما اصطلح على تسميته ” بالشبكة الموريتانية الفرنسية ” والتي ذهب ضحيتها المتطوعون الموريتانيون وبعض الصحراويين ، فقد بدأت هذه القصة في أواخر 1982 بمنشور عنوانه يبعث الرعب في النفوس: ” المؤامرة الكبرى ” ليترجم بعد ذلك إلى عمل مسرحي سيء السيناريو والإخراج يصور من اعتقلوا ومن سيلحقون بهم بأنهم أشد خطرا وفتكا من سلاح المعركة ، ومن سخرية القدر أن كاتب ومخرج السيناريو التحق بالمجموعة لينال قسطا وافرا من التعذيب في السجن ولسنوات عديدة ، وعلى العموم فالقصة معروفة وقد لاكتها الألسنة وتستطيع أن تسأل عنها في المخيمات ، ولا أعتقد أنه سيختلف اثنان في تفاصيلها ، والطريف في القصة أنه بعد خروج من بقي حيا من السجن وجد كل منا الآخر كان يؤمن إيمانا راسخا بأن .صديقه الذي اعتقل قبله جاسوس لأن ” التنظيم ” بالنسبة له لا يكذب ، وكان التنظيم يومها يعني قيادة الجبهة .
أما بخصوص من نتهمه ، فنحن لدينا لائحة أعددناها بناء على شهادات الضحايا ، وهذه اللائحة تشمل أسماء بعضها مازال يتقلد مناصب في قيادة البوليساريو وفي مؤسساتها والبعض إما ” عاد ” إلى المغرب أو هاجر إلى أوروبا ( خاصة اسبانيا ) ، والأسماء معروفة للجميع ، ونحن ننشرها على موقع الجمعية.
- المستقبل الصحراوي : هل لمست من خلال جلسات التعذيب , أن قادة البوليساريو كانت لديهم عقدة من المثقفين عامة , ولكن الكوادر الموريتانية بصفة خاصة ؟
لا شك أنه كان البعض في قيادة البوليساريو من يخشى أن يحتل موقعه من هو أكثر كفاءة منه ، وقد أثبتت الأيام بأن هذا البعض ينظر إلى المسؤولية بأنها تشريف وليست تكليفا وبالتالي فهو لا يطمح إلا لأن يظل جالسا على كرسي حتى ولو كان هذا الكرسي مصنوعا من جماجم الأبرياء ، ولم تكن المسألة تتعلق بالموريتانيين وحدهم بل إن هناك كوادر صحراويون زج بهم في السجن ومات البعض منهم جراء التعذيب .
- المستقبل الصحراوي : وانتم تحت سياط الجلاد , مالذي كنتم تفكرون به ؟ هل أخطاتم التقدير في المجيء والإلتحاق بالبوليساريو ؟
لم أشعر يوما بأنني أخطأت التقدير حتى وأنا تحت ” رحمة ” الجلاد إلا بعد أن سألني عن قبيلتي ثم برأها بعد أن أجبته بأنها ليست من القبائل المعادية للصحراويين ، ساعتها فقط عرفت أن القضية التي تركت أهلي ووطني من أجلها لم تعد مبنية في الأساس على تلك المبادئ والبرامج التي كنت أحفظها عن ظهر قلب وأعمل ما في وسعي للمشاركة في تحقيقها ، بل انه أعيد بناؤها على أساس قبلي مقيت ، وأعتقد أن هذا الاستنتاج هو ما وصل إليه كل الذين وقفوا نفس الموقف الذي وقفته ، قبل ذلك السؤال بشرني جلادي بأن الشعب الصحراوي حكم علي بالإعدام أنا وكل الجواسيس، وبالنسبة له حياتي ليست أفضل من حياة معزة يذبحها ، ففكرت ساعتها أن عزائي بعد موتي سيكون في الأطفال الذ ين كنت أبكي لبكائهم وأفرح لفرحهم عندما ننشد معا شبه نشيد كنت قد كتبته لهم فيطربون له على ما فيه من علل عروضية كانت وربما لا زالت تستعصي علي
من جراحنا في الليل البهيم زرعنا تحت الشجرْ
بذور مجـدٍ أنبـتت في أرضـنا شعاع القــمـــــرْ
كان عزائي في هؤلاء بأنهم لم يصدقوا على حكم الإعدام الذي صدر في حقي .
- المستقبل الصحراوي : ماذا لو تصفون لنا يومياتكم في الزنزانة ؟
إنها تختلف كثيرا عن يوميات طه حسين إلا في شيء واحد هو الظلام فكلانا كان أعمى ، فقد منعه الله نعمة البصر ، وحرمني الجلادون من التمتع بنعمة أنعم الله بها علي حتى وأنا في السجن ، فقد وضعوني في قبو تحت الأرض لا فرق فيه عندي بين الليل والنهار ، وخلاصة القول أنها يوميات لا تعجب العدو قبل الصديق ومع ذلك لم تخل من بعض الطرائف ،
فذات مرة قدموا لي طعاما بعد يومين من حرماني منه ، ولم يكن قليلا كما جرت العادة فأكلته كله بعد جهد لأوفر طاقة للأيام المقبلة ، فأصابني بإسهال حاد ولم يكن المرحاض الذي كان عبارة عن سطل يفي بالغرض ، في الليل فتح الباب جلاد سميته ” عوج بن عِنق” لطوله من أجل أن يخرجني لأفرغ ” المرحاض ” في الخارج فتأفف من الرائحة ، وبعد أن سد الباب وجدتني أضحك مخاطبا إياه ـ بعد أن ابتعد طبعا ـ ( هل تريدني أن أعطر المكان أيها الساذج “لفسيد” ) ؟
و لازال أصدقاء المأساة إلى اليوم ينكتون علي بأن سبب ما أصبت به هو الذعر من السجن والسجانين … أعتقد أحيانا أنهم صادقون !!!
- المستقبل الصحراوي : الآن وبعد كل هذه السنوات مالذي بقي عالق في ذهنكم من تلك السنوات لم تستطيعوا بعد تجاوزه ؟
أعتقد أننا لم نتجاوز بعد مرحلة الصدمة ، لذلك كل شيء سيء ارتكب في حقنا لم نستطع تجاوزه ، بدء بتلفيق التهم لنا ثم السجن وانتهاء برمينا كالكلاب دون أدنى كلمة اعتذار وختامه الوصف بالعمالة لطرف جديد ، لقد كان ما تعرضنا له من الفظاعة بحيث يصعب تجاوزه.
- المستقبل الصحراوي : في وسط كل هذا العذاب ماهي الصورة الجميلة التي إحتفظ بها محمد فال في ذاكرته طويلا ؟
هما صورتان لم أحتفظ بهما طويلا ، بل لازلت أحتفظ بهما وسأبقى كذلك : صورة لمرأة صحراوية كانت لي أما ولم تلدني وكانت تؤثرني على أولادها ولم أستطع رؤيتها قبل أن تنتقل إلى الرفيق الأعلى فصرت أعزي نفسي فيها كل جمعة بتلاوة القرآن على روحها ، وإن كنت أعرف أن آلاف الصحراويات مثلها إلم يكن كلهن فإني أضيف مأساتي فيها إلى كل المآسي التي تهون أمام فقدانها ، شأني شأن كل الضحايا الذين كان لكل واحد منهم هناك أم لم تلده مثل أمي ، والصورة الثانية لمجموعة أطفال كنت أدرسهم في ما مضى ، ثم دخلت بعد ذلك قادما من “السجن فوقفوا احتراما لي وبصوت واحد لازال صداه يتردد في أذني : ” مرحبا ، ونّي
- المستقبل الصحراوي : جنحتم كأسراب ورجعتم كبقايا بشر .. بين الجنوح والرجوع تغيرات اشياء وقناعات وبقيت اخرى ثابتة ..مالذي تغير ومالذي بقي ؟
لو لم يقع ما وقع في حقنا كان من الممكن ألا يتغير الكثير ، أما وقد سبق السيف العذل فإن كل شيء قد تغير إلا الإعجاب بالصحراويين وإلا روابط الأخوة التي تربط الموريتاني بالصحراوي والتي حكم القدر أن تكون عصبة على الفك ثم ـ وهذا هو الأهم ـ الإيمان بقدوة الرجال الذين رحلوا دون عرض من الدنيا في سبيل ما آمنوا به.
- المستقبل الصحراوي : نشرتم مذكرات على الإنترنت تصفون الذي حدث لكم , لكن لم يتسنى للكثير الإطلاع عليها . هل تنوؤنا طباعتها وتنزيلها للمكاتب ؟ ألا تفكرون حتى في تصويرها في عمل درامي رفقة مخرج موريتاني أو أجنبي ؟
يسرني كثيرا ثقتكم من خلال السؤال بأن مذكراتي صالحة للنشر في كتاب لكني عندما بدأت كتابتها منذ أكثر من أربعة عشر سنة لم أفكر إطلاقا في هذا الاتجاه لأسباب وجيهة منها عدم ثقتي بأهليتها كي تكون عملا يستحق الطباعة والنشر ، لأني لست كاتبا ولا روائيا إنما أنا إنسان تعرض لظلم فاق ما تعرض له ” جان فالجان ” في رواية البؤساء ويحاول إخراج مكنونات نفسه حتى لا يصاب بالإحباط و الإكتآب في ما بقي له من أيام ، وقد كان كل ما أفكر فيه هو أن أورّث هذه المذكرات للولد الوحيد لعله يجد فيها عندما يكبر الإجابة على بعض الأسئلة التي يحاصرني بها كلما جاء ذكر على حياتي والتجربة المرة التي مررت بها أنا وإخواني هناك ، وبالرغم من كل هذا فهناك من يلح علي بأن يتولى طباعتها على نفقته ولا زلت أتحجج بعدم اكتمالها بالرغم من أن مسودتها تقع بين يدي الآن وهي تقع في أكثر من 300 صفحة ، أما عن تصويرها في عمل درامي فإني أعتبر ذلك دربا من الخيال ، لأني لا أملك حتى ثمن تحميض شريط للصور الفوتوغرافية فكيف لي “بمصاريف عمل كهذا إلا إذا كان الأمر من باب المثل الحساني ” أل غلبتُ الدنيا إكولْ الأخرة جات
- المستقبل الصحراوي : ألا تعتقدون أن النبش في هكذا معاناة وتقديمها للقاريء ونشرها قد يؤثر في العلاقات بين مورتانيا والبوليساريو ؟ وأنكم بجمعيتكم هته تضعون حجر عثرة في وجه علاقة متميزة تربط بين الدولتين ماقد يؤثر على حياد موريتانيا من الصراع . الا يخشى أن تشم رائحة سياسة من عمل جمعيتكم ؟
على الإطلاق ليست هناك أية علاقة بين الأمرين ، بل إننا نرى العكس فمتى ما توفرت الإرادة والنوايا الصادقة لعلاج جراح الماضي بما فيها جراح الحرب التي كان من المفترض أن التحاق الموريتانيين بصفوف البوليساريو جزء من تضميدها بالرغم من أنهم لا يتحملون فيها أية مسؤولية ، ونحن نعتقد أننا نعمل وفق مبدأ الحياد الذي تتبناه دولتنا ، إلا أن الخلل قد يكون في عدم استعداد البعض لاستيعاب ثقافة حقوق الإنسان والفصل بينها وبين السياسة ، وهنا أتذكر أنه عندما تم الإعلان عن جمعية كنارية لضحايا البوليساريو من الأسبان لم تقم الدنيا وتقعد على غرار حالة جمعيتنا نحن الموريتانيين ، ولم يفسر ذلك بأنه سيؤثر على علاقة البوليساريو بالحكومة والأحزاب الاسبانية ، أم أن دمنا .أرخص من دمهم ؟ اللهم لا
- المستقبل الصحراوي : هل تثقون في جهاز قضائي صحراوي نزهيه ؟ إن كانت الإجابة بنعم فلماذا لاتقاضون جلاديكم أمام القضاء الصحراوي ومحاكمه في مخيمات اللاجئين؟ وإن كان الجواب بلا فلما لاتثقون ؟ والى أين تريدوا ان تصلوا بقضيتكم مع قادة البوليساريو , هل الى القضاء الدولي مثلا
بكل تأكيد فنحن نسعى إلى رفع دعاوي قضائية ضد جلادينا أمام أي قضاء نزيه في العالم بما في ذلك القضاء الصحراوي ، فخلال نقاشاتنا التحضيرية للقاء الذي كان مزعوما بيننا ومبعوث جبهة البوليساريو كنا نطرح بعض البدائل في هذه القضية ومنها القبول بالمحاكم الصحراوية بدل المطالبة بالمحاكم الدولية إذا كانت هناك ضمانات بأن تمارس هذه المحاكم عملها بشفافية وبعيدا عن دور السلطة التنفيذية ، ونحن بالفعل نعد الآن ملفا بالقضية سنقدمه لهذه المحاكم بعد استشارة شركة المحاماة التي وكلناها.
- المستقبل الصحراوي : سحبتم التفويض أو التوكيل الذي منحتوه لقاضي مورتاني يعمل على التنسيق بين جمعيتكم وبين قادة البوليساريو , فما هي حيثيات الموضوع بالضبط؟
سحبنا هذا التفويض بعد أن لمسنا أن موقع القاضي السابق كقاضي في المغرب ـ مع احترامنا له وللمغاربة ـ لا ينسجم مع أهداف جمعيتنا التي نريد لها أن تظل بعيدا عن الاكراهات السياسية للنزاع ، وأعتقد أن البيان الذي أصدرناه بهذا الشأن كان واضحا ويمكن مراجعته على موقع الجمعية ، كما أن هذا التفويض لم يعد له مبرر بعد فشل مبادرة صاحبه
المستقبل الصحراوي : في الأخير ماهي الرسالة التي تودون إرسالها الى تلاميذكم ؟ ومن ثمة الى الشعب الصحراوي قاطبة ؟ واخير الى جلاديكم ؟
إلى تلامذتنا نقول بأن ضمائرنا ارتاحت بعد أن عرفنا أنكم أدركتم حقيقة الظلم الذي تعرضنا له ولم نعد في نظركم مجموعة من الأشرار كما كنا نصور لكم ، وذلك هو عزاؤنا ويكفينا من وقفة التبجيل التي كان يدعوكم لها أحمد شوقي كل صباح ، ولكل الصحراويين نقول نعم الناس أنتم ، كم أنتم عظماء وكبراء فليس فيكم صغير إلا من ارتكب الجرائم الدنيئة وكان يظن أنه يفعل ذلك باسمكم فتبا له ، أما جلادونا فنقول لهم :مثلما قلنا سابقا : أشباحنا خلفكم أيها الجلادون ، وفي الختام حضرني هذا المثل في العالم القديم قالوا : ” من السهل أن تضحي لأجل صديق … ولكن من الصعب أن تجد الصديق الذي يستحق تضحيتك ” .
عن مجلة المستقبل الصحراوي :
www.futurosahara.net
حوار : رئيس التحرير احمد بادي محمد سالم