الخديم “الشاعر” فالسجين ثم الفار من السجن فـ……

انواكشوط ـ صحراء ميديا –
كان أحد “نجوم” ليالي نواكشوط، شابا من شباب “بوحديده”؛ شرق العاصمة الموريتانية نواكشوط، لم يعرف عنه خلال عقد التسعينات أي


ولوع بـ”الخروج على السلطة”، مجرد شاب ينشد الشعر في برامج التلفزيون الرسمي، قبل أن يعتنق ما تصفه السلطات بأنه “أفكار تكفيرية خارجة على القانون”.

تعرض مرارا للضرب والاعتقالات المتقطعة على خلفية إلقائه دروسا ومحاضرات في مساجد نواكشوط ونواذيبو، قبل أن يدخل في موسم الاعتقال الأكثر طولا.

كان الخديم ولد السمان من الدفعة التي “اختطفت”- حسب تعبير الأهالي- من منازلها في نواذيبو بدء من السابع ابريل 2005، ونظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع يقاسي لحظات النزع الأخير، في أوج الاحتقان الشعبي قبيل زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم لموريتانيا بداية مايو 2005، وقبل إصابة السلفيين الجيش الموريتاني في مقتل عبر هجوم “لمغيطي”.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

اكتسب ولد السمان الشاب الكث اللحية شعبية وسط المتعاطفين مع المعتقلين، كونه أحد الذين كانوا يناصبون نظام معاوية ولد الطايع العداء.

عشية الثالث أغسطس غادر “رفاق المعاناة” سجن بيله، وبقي واحد وعشرون شخصا لم يشملهم العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس الانتقالي اعل ولد محمد فال.. ليدخل أهالي السجناء موسم اعتصامات واحتجاجات ومؤتمرات صحفية، بإمضاء رئيسي من سيدتين ناضلتا بـ”استبسال”-يقول أحد الصحفيين- من أجل تحريك البركة الراكدة، سعت ليلى بنت الغوث ولعناد بنت أحمد زروق بـ”عناد” لـ”غوث” سجناء بيله.

نهاية ابريل عام 2006 غادر الخديم رفقة اثنين من رفاقه هما سيدي ولد حبت وحماده ولد محمد خيري (عضو القاعدة والموجود في مالي حاليا) السجن نهارا جهارا، لتبدأ عملية تفتيش واعتقال، كانت أولى ضحاياها السيدتان السابقتان، لتخرج رابطة أهالي المعتقلين ببيان يحمل “جهات عليا” مسؤولية فرار الثلاثة.

لم يجد الأمن أثرا للثلاثة الذين “فروا”، وحوكموا غيابيا، لتصدر في حق اثنين منهم أحكام بالبراءة، ويدان ولد السمان بسنتين مع غرامة مالية.

“ركب الخديم رأسه” – على حد تعبير أحد المقربين منه – وراح يصب لعناته عبر ما أتيح له من وسائل إعلام على نظام الرئيس ولد محمد فال، ويتهم حكومة نواكشوط بأنها تطبق “تعاليم كفرية”.

هدأ البحث عن “الشاعر”، الذي كان يستضاف في “كلمات وأنغام”، ويطرب لأصوات فاتنات الطرب الموريتاني، قبل أن تعلن السلطات عن اتهامها له بالوقوف خلف الهجوم على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط.

زواج.. المطاردة..!

في غمرة البحث عنه استطاع الخديم مغافلة جميع هيئات الأمن في البلد والدخول إلي العاصمة نواكشوط وعقد قرانه على فتاة كان خطبها من قبل.

وأكدت مصادر أمنية موثوقة أن ولد السمان أقام في نواكشوط عدة أيام في حدود الواحد والعشرين من مارس 2008 حيث اتصل بأسرة خطيبته القاطنة بنواذيبو، ورتب معها الزواج المذكور على أن تأتي الخطيبة إلي نواكشوط لاستكمال تنفيذ الزواج.

واشترط الشاب المتهم بالضلوع في عمليتي الهجوم علي السفارة الإسرائيلية في موريتانيا و”مواجهات سانتر أمتير” علي ذوي خطيبته الاكتفاء بعقد القران وعدم تنظيم الوليمة والحفل لحين مغادرته الأراضي الموريتانية.

وبعد تنفيذ الإجراءات الشرعية للزواج، رحل ولد السمان وقرينته إلى نواذيبو قبل أن يختفي عن الأنظار من جديد، ليبدأ أهل العروس تنظيم الحفل ودعوة الأصدقاء والأقارب للوليمة المقامة بهذه المناسبة.

عندها علم الأمن بالخبر فقام باعتقال العروس وأختها التي رافقتها في رحلة الزفاف وبنت خالتها التي استضافتها في نواكشوط بتهمة التستر وعدم التبليغ عن من يصفونه بـ”إرهابي” مطلوب للعدالة.

ولم يشمل الاعتقال والدة العروس نظرا لاعتبارات إنسانية تتعلق بتقدمها في السن، وكان الخديم ولد السمان قد تعرف على عروسه الطاهرة بنت هين عن طريق أخيها المدعو أحمد ولد هين الذي سبق أن رافقه أثناه السجن بتهم تتعلق بالانتماء للتيار السلفي.

أطل الخديم على الجمهور خلال فترة اختفائه من خلال نوافذ إعلامية دولية ووطنية كـقناتي”الجزيرة” و”العربية” ليتهم الرئيس العسكري ولد محمد فال بتسهيل عملية هروبه من السجن، وهو ما نفته الحكومة حينها.

في إطار ملف البحث عام 2008 عن الخديم نشر الأمن صورا له، عززها طلاب في الجامعة بصور له بدون لحية، عن طريق استخدام برنامج “فوتوشوب”، وقالت مصادر الأمن إن الشاب الذي يقول أصدقاؤه السابقون إنه طيب وبعيد عن ما يسيء إلى الآخرين، كان قائد المجموعة التي تبادلت مع رجال الأمن إطلاق النار قبل أن تلوذ بالفرار في حي تفرغ زينة شمال نواكشوط في 9 ابريل 2008.

ملابس شبابية.. و”صورة قنبلة”

اعتقل الخديم بعد تلك المواجهات الدامية، ولدى أول عرض له على المحكمة ارتدى ولد السمان ملابس شبابية واسعة، واتهم القاضي بالحكم بغير ما أنزل الله.

داخل السجن اكتسب الخديم لقبا جديد، هو أمير تنظيم فرع قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي ببلاد شنقيط، وأصدر كتابا سماه “قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون”، حمل فيه بشدة على من سماهم “علماء السلطة”، وعلى السلطة نفسها، نشر على حلقات في جريدة “الأخبار” التابعة لـ”صحراء ميديا”.

وجاء في خاتمته “ختاما.. أوجه رسالة لهذا الشعب المسلم فأقول: اعلم أيها الشعب أننا أبناؤك نسعى لتطبيق شرع الله في أرضه وعلى عباده وإعزاز لهذه الأمة، وتخليص مقدساتها من أيدي المعتدين، فلا تغرنكم حملة اتباع أمريكا علينا فو الله إن كل ما يرموننا به هو محض كذب وافتراء، وجريمتنا التي طوردنا بسببها وقتل البعض منا وعذبنا وسجنا هي تلك المطالب والغايات ـ التي سبق ذكرها ـ ولن ندخر جهدا من أجل تحقيقها أو نهلك فنعذر عند الله .

فلا تكن ـ يا شعبنا المسلم ـ يدا لهذه الأنظمة علينا ، فإنه من ساهم في اعتقال مجاهد، أو الدلالة عليه ـ ولو بأبسط معلومة ـ فقد ساهم في هذه الحرب المستعرة ضدنا، شعر أو لم يشعر ـ ونعيذكم بالله من ذلك ـ وإياكم والاجتماع بفتاوى علماء باعوا دينهم مقابل ما يحصلون عليه من فتات موائد السلطان .

إن العالم الواجب اتباعه واستفتاؤه فيما أشكل هو: من فقه في دين الله واتقى الله وراعى حرماته، وأظهر الحق وأبانه، ولم يكتم ولم يحرف ولد يبدل، وأما عالم يميل مع الريح حيث مالت فمن ظهر وكانت له الدولة ناصره بغض النظر عن خبث سيرته وجرائمه حتى وإن كان منها الارتداد عن الدين ، فمثل هذا ما أمرنا باستفتائه ولا يأخذ العلم عنه ، إذ العلم دين (فانظروا عمن تأخذون دينكم ) كما كان بعض السلف يقول”.

الكتاب الموقع باسم “أبوبكر البشير السباعي الخديم ولد السمان، أمير جماعة أنصار الله المرابطين ببلاد شنقيط، التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي”، لقي قراءة واسعة، كما وأثار ردودا من طرف علماء اهتموا بتوضيح وجهة النظر الشرعية الصحيحة حول الموضوع.

في العشرية الثانية من يناير الماضي، واستجابة على ما يبدو من السلطات الحاكمة، لمطلب تقدم به العلماء المشاركون في ندوة افتتحها الرئيس ولد عبد العزيز نهاية ديسمبر 2009، حول ما سماه الإعلام الرسمي “جدلية التطرف والغلو”، استضاف السجن المدني في نواكشوط كوكبة من العلماء لمحاورة عدة عشرات من المتهمين باعتناق الفكر السلفي المقاتل.

الحوار الذي بدأه الخديم ولد السمان أبرز المعتقلين قبل انطلاقته الفعلية بدقائق، رافعا قميصا يحمل شعار القاعدة في المغرب الإسلامي، وتحته صورة قنبلة يدوية.

غير أن الرجل، الذي قدم نفسه على أنه رئيس لجماعة “صقور السجناء” عاد فقال بعد أيام إن “الحوار مع العلماء يسير في طريقه للفشل”.

وأوضح ولد السمان في تصريحات خاصة لـ “صحراء ميديا” في السادس والعشرين من يناير 2009 أن “العلماء لم يناقشوا مع السلفيين قضايا مثل الحاكمية التي تتمحور حول ما إذا كان الرئيس الذي يستبدل القوانين الوضعية بالشرع، ويوالي الكفار الغربيين هو رئيس مسلم؟ وإذا كان الاحتمال الأخير هو المرجح فهل يلزم الخروج عليه أم لا؟، وكذالك قضايا الجهاد، وقتال “أعداء الله” الذين عاثوا فسادا في أراضي المسلمين”؛ بحسب قوله.

ولم يتوان ولد السمان عن اتهام المحاورين بالجهل، قائلا إن “هؤلاء العلماء لا يعرف كثير منهم أصول الدين ولا أساليب الحوار وليسوا متبحرين في قضايا التوحيد والإيمان”، مؤكدا أن “مشكلتهم هي أنهم يحفظون بعض المتون الجامدة ويحاولون إسقاطها على قضايا لا علاقة لها بها، ويرفضون في كثير من الأحيان العودة إلى الكتاب والسنة ويتحاشون مواجهة الحقيقة”.

الخديم “الشاعر” فالسجين ثم الفار من السجن فـ”دون جوان” الذي يقيم عرسا مع حبيبته التي جازفت بأن تتزوج رجلا تطالب به الدولة، فـ”الأمير” فـ”المؤلف” لغز يشغل الرأي العام، الذي تجزم أوساط منه بعلاقة سابقة له مع أجهزة أمن الدولة، لكن لا ريب في أنه رجل لا يجد غضاضة في أن يقدم نفسه على أنه أمير فرع القاعدة في موريتانيا، ويصر آخرون على أنه مجرد رجل لا يفتقر إلى الشجاعة، وإن كانت شجاعة ممزوجة بحفنة تهور، على أن غالبية الموريتانيين لا تقاسمه رؤاه ومرتكزاته الفكرية.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى