ترجمة الإنجيل إلى الحسانية لصالح “البروتستانت” من طرف داعية و مدير معهد إسلامي
انواكشوط – الأخبار – مدير معهد إسلامي في كيهيدي، وشاب مثقف مقرب من إحدى أهم الشخصيات الدينية في موريتانيا، و”داعية” مثير وأستاذ مفرغ يعمل في ذات الوقت حارسا للسفارة الأمريكية في نواكشوط، وأخيرا تاجر موريتاني يقيم في غينيا… هذا هو الفريق المثير الذي يضطلع بمهمة ترجمة الإنجيل إلى اللهجة الحسانية.
باشر المترجمون في أوقات متفرقة مساعي لترجمة الإنجيل إلى اللهجة العربية التي يتحدث بها غالبية السكان في موريتانيا، في شكل نصوص مكتوبة حصلت “الأخبار” على عينيات منها فيما تحدثت مصادر مختلفة عن مصادرة السلطات الموريتانية على نحو متكرر لأشرطة مسموعة تشرح مقاطع من الإنجيل باللهجة العامية.
فتش عن المال
وقد تعرض واحد فقط من الأربعة للاعتقال وهو المدعو “الشيخاني” عام 2007 من بين 6 أشخاص بتهمة التنصير. واعترف الشيخاني بأن الصوت الذي يتحدث في أحد الشرائط المضبوطة هو صوته بالفعل وأقر بأن حب المال كان دافعه الوحيد، لكن أسبوعا واحدا من التحقيق ووساطة من أحد كبار الشخصيات الدينية في موريتانيا على علاقة بالفتى كانت كافية لينال حريته.
المعتقلون إلى جانب الشيخاني اعترفوا بنشاطهم في مجال التنصير طالبين الصفح فيما ادعى آخرون أن ما يقومون به ليس سوى عمليات تحايل على المبشرين. وقال المعتقلون إنهم يحصلون على مبالغ مالية طائلة من الأجانب مقابل استلام كتب ادعوا أنهم يقومون في نهاية المطاف بإتلافها أو رميها في النفايات.
ثاني المترجمين يبدو أكثر إثارة للجدل. يتعلق الأمر بـ”البان” الذي يدير معهدا إسلاميا في كيهيدي تابعا لوزارة االشؤون الإسلامية الموريتانية، وهو فرع من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية أهم المؤسسات التعليمية المتخصصة في العلوم الشرعية في موريتانيا.
تحت الحماية
ويباشر “البان” ترجمة الإنجيل من العربية إلى اللهجة الحسانية التي يتحدثها أغلب السكان في موريتانيا والصحراء وشمال مالي، لكن للرجل ما تصفها المصادر بعلاقات عائلية بنافذين أمنيين تحول دون تعرضه للمسائلة، حيث إنه كثيرا ما نجا من الاعتقال رغم وقوع أكثر من شبكة متعاونة مع منصرين في قبضة الأمن الموريتاني.
ووفق المصادر فإن “البان”، الذي يلقبه زملاؤه الأجانب بـ”بن” والذي تعود مغادرة موريتانيا نهاية كل شهر إلى السنغال لتسليم النصوص الحسانية واستلام تعويضاته، دخل في نزاع مع المبشرين الذين يتعهد لهم بالترجمة بسبب الخلاف على مستحقاته، لكنهم عقدوا لقاء في السنغال أعاد المياه إلى مجاريها ومكن من تجاوز الأزمة العابرة.
وضمن النصوص التي حصلت عليها “الأخبار” من ترجمة “البان” قصة زيارة مريم (عليها السلام) إلى المرأة العابدة “أَلِيصَابَات” والمولود الذي سترزقه الأخيرة في كبرها حسب الرواية الإنجيلية، إضافة إلى بشارة زكريا من بين قصص دينية أخرى، ويبدو من خلال المقارنة أن النص الحساني مترجم عن الإصحاحات الأولى من إنجيل “لوقا”.
ولا يقل ثالث مترجمي الإنجيل إلى الحسانية إثارة للاهتمام. فعلى الرغم من كونه عنصرا نشطا في “جماعة الدعوة والتبليغ” المعروفة بتربيتها الإيمانية المركزة ورغم مواظبته على الخروج في الرحلات الدعوية فإنه “متعاون كبير” مع منصرين طبقا لما تجزم بذلك مصادر رسمية موريتانية.
الداعية المزدوج
وطبقا لذات المصادر يباشر “الداعية” المثير، وهو في الأصل أستاذ لكنه مفرغ ويعمل حاليا في أمن السفارة الأمريكية في نواكشوط، جهودا دعوية لكن في الاتجاه المعاكس من خلال ترجمة نصوص إنجيلية إلى اللهجة الحسانية على شكل أشرطة مسموعة لصالح منصرين أجانب. وتلاحظ المصادر كثرة أسفاره في السنوات الأخيرة إلى خارج البلاد.
ويقيم الداعية المثير والذي ينال ثقة الأمريكيين بشكل خاص -وفقا لرواية المصادر- علاقات وطيدة مع مدير المعهد الإسلامي بكيهيدي المشار إليه والذي يقوم بمهمة الترجمة إلى الحسانية لكن بشكل مكتوب.
أما المترجم الرابع فهو تاجر موريتاني يقيم حاليا في غينيا وسبق أن سجل لصالح شرائط مسموعة باللهجة الحسانية بمواد إنجيلية. واعترف التاجر الموريتاني لمقربين منه بأن دافعه لذلك كان مجرد حب المال، دون أن تتوفر عنه معطيات أخرى.
ولا توفر المصادر معلومات عن التعويضات التي يتلقاها هؤلاء المترجمون لقاء أتعابهم لكنها تشير إلى تعويضات أكثر من مجزية يتلقاها شباب موريتانيون لقاء أعمال يدوية تتمثل في مجرد نقل مواد تنصيرية من السنغال إلى داخل موريتانيا.
فالتعويض عن نقل كمية من الكتب المسيحية يتراوح ما بين 200 ألف أوقية ونصف مليون أوقية، وهو ما يؤشر إلى أن التعويض عن جهد الترجمة سيكون أكثر من ذلك بكثير.
ويفسر كون السنغال مصدرا للكتب والمواد التنصيرية بانتقال الكثير من النشطاء الأجانب إلى السنغال وخاصة من الأمريكيين، بعد تلقيهم تحذيرات أمنية إثر مقتل الأمريكي “اكريستوف ليغيت” على يد مسلحين في نواكشوط.
وكثيرا ما اعتقلت الجهات الأمنية أشخاصا متلبسين بنقل مواد تبشيرية لكن عادة يتم الإفراج عنهم دون أن يمثلوا أمام القضاء رغم أن القانون الموريتاني يجرم بشكل لا لبس فيه الدعوة في موريتانيا إلى دين غير الإسلام.
ولمن سأترجم؟
بيد أن أهم شخصية مسيحية في موريتانيا تنأى بنفسها عن هذه الترجمات. فالأسقف الألماني مارتين هابي الذي يرأس الكنيسة الكاثوليكية في موريتانيا منذ 15 عاما تساءل باستغراب “ولكن لمن سأترجم الإنجيل؟” حين وضعت “الأخبار” على طاولته جانبا من هذه المعطيات.
ويصر هابي في مقابلة مطولة مع “الأخبار” تنشر لاحقا ضمن هذا الملف على براءة كنيسته من أي محاولة لتغيير دين الموريتانيين رغم أنه لا يجد حرجا في الإعراب عن أمله في أن تتاح في موريتانيا يوما ما “حرية الضمير” وأن تتمكن الكنيسة من “استقبال من يطرقون أبوابها” معتبرا أن هذا يدخل في إطار “الحق الإنساني”.
من يترجم إذن الإنجيل إلى الحسانية؟ “لعلهم البروتستانت” هكذا يجيب بحذر الأسقف هابي الذي لا يخفي أمارات القلق من بعض تصرفات إخوانه البروتستانت في موريتانيا، أتباع ثاني أكبر المذاهب المسيحية الكبرى بعد الكاثوليكية.