حوار مع أمين عام “ذاكرة وعدالة” محمد فال ولد القاضي
أجرته: سكينة بنت اصنيب (صحفية موريتانية)
- س- أعلنتم عن تنظيم قافلة إلى تيندوف ما هي آخر أخبارها ومتى ستنطلق؟
ج- بعد الإعلان عن تنظيم هذه القافلة يوم 28 أكتوبر المنصرم باشرت اللجنة التي تم تشكيلها لهذا الغرض عملها وهي الآن تعكف على إعداد رسائل لتوجيهها إلى المنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية كما أنها كذلك تعد استمارات للمشاركين في القافلة ، وقد تفاجأت شخصيا بحكم عضويتي في هذه اللجنة بمدى التجاوب الذي لاقته الدعوة للمشاركة في القافلة حيث أن عدد المسجلين حتى الآن فاق العدد الذي كان مقترحا للمشاركة ، وفي هذا الإطار قدمت اللجنة اقتراحا إلى المكتب التنفيذي لجمعية ذاكرة وعدالة بدعوة كل المشاركين إلى حضور مؤتمر الجمعية الأول الذي كان مقررا أن يعقد قبل نهاية السنة وقد نشرت بيانا بهذا الصدد ، أما فيما يخض انطلاق القافلة فإن التاريخ المقترح حتى الآن هو يوم 2010/12/25 إلا إذا طرأ جديد يتطلب تغيير هذا التاريخ .
- س- ألا تخشون من عواقب هذه الخطوة؟ وهل تتوقعون أن تمنعكم السلطات الموريتانية بداعي الخوف على حياة المشاركين؟
ج- لا شك أن الخشية من عواقب خطوة كهذه واردة خاصة وأنها تتعلق بمسألة يراد لها أن تقحم ضمن الاكراهات السياسية المرتبطة بموقف دولتنا من نزاع كنا نحن أحد ضحاياه ،هذا الموقف الذي يريد له البعض هو الآخر أن يظل محل شك ، كما أن الخشية تبقى حاضرة كذلك بالنظر إلى انعدام ثقة الضحايا في الطرف الآخر أو على الأقل في بعض أجنحته ، وصعوبة تخمين ما قد يقدم عليه من عمل غير محسوب النتائج ، إلا أننا مع ذلك مصممون على خوض غمار هذه التجربة مهما كانت النتيجة ، قد نمنع وقد نعتقل ، وقد يكون الأمر أسوأ من ذلك ، لكنه من الناحية المعنوية لن يكون أسوأ مما ارتكب في حق الضحايا ظلما .
أما فيما يخص توقعنا لمنع السلطات الموريتانية لنا خوفا على حياتنا فإننا نعتبر ذلك حقنا عليها كما انه من واجبها نحونا أن تساعدنا في استعادة كرامتنا التي هدرت وألا تقف في وجهنا لتساعد بذلك على أن يظل جلادونا يتمتعون بحريتهم والضحية يبتلع ألمه من هذه الحرية .
- س- الإسهام في كشف الحقيقة وإنصاف المظلوم مسؤولية الجميع، لماذا تتجاهل السلطات الموريتانية معاناتكم؟ ولماذا لا نرى اهتماما كبيرا من المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية بقضيتكم؟
ج- بالرغم من فظاعة المأساة التي عشناها وبالرغم من طابعها الإنساني وبالرغم من واجب السلطات اتجاه كل مواطنيها فإن الاهتمام بها لا يزال شبه معدوم لا من طرف السلطات ولا من طرف منظمات المجتمع المدني مع أننا طرقنا جميع الأبواب ذات الصلة بالموضوع ، هذا إذا استثنينا بعض التعهدات من مفوضية حقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ، لكنه ما زالت إلى حد الساعة مجرد تعهدات .
قد يقول قائل بأن عدم الاهتمام هذا أمر طبيعي لأننا نتحمل مسؤولية ما تعرضنا له بالتحاقنا طواعية بجبهة البوليساريو ، في الوقت الذي انسحبت فيه موريتانيا من الصراع والتزمت مبدأ الحياد ، لكنني أريد أن أنبه هنا إلى مسألتين :
1/ أن مسألة مبدأ الحياد في تلك الفترة كانت مغالطة كبيرة فهناك الكثير من الشواهد التي تثبت الدور الذي لعبه بعض المسؤولين والمتنفذين في تعبئة وإرسال الشباب الموريتاني للانضمام إلى صفوف البوليساريو وقد كان هذا الشباب أرضية صالحة لزرع الأفكار ” الثورية ” التي تجنح إلى العنف كوسيلة للتغيير إضافة إلى أن مبدأ الحياد لم يكن لينجح في تلك الفترة نظرا للمشاعر التي كانت يومها متجذرة في أوساط الشباب الموريتاني بضرورة التحرك لنصرة إخوانهم الصحراويين الذين كانوا يرون بأنه يجمعه بهم أكثر مما يفرقهم .
2/ أن البعض من الموريتانيين تعرضوا لانتهاكات على خلفية أعمال قاموا بها ضد الدولة وثوابتها وحتى أمنها ومع ذلك تم إنصافهم والاعتراف بهم .
لا أقول أنه لم يعترف بنا بالمعنى الحسي للاعتراف فنحن جمعية قائمة ومرخص لها من السلطات وأصبح لها صدى في بعض الأوساط ، إن ما أعنيه هو أن بشاعة مأساتنا لم تلق بعد الاهتمام الذي تستحقه من السلطات والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ، إلا أننا مع ذلك متفائلون لعدالة قضيتنا ومؤمنون بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب ونحن جادون في مطلبنا
- س- ما هي أهداف جمعية “ذاكرة وعدالة” ولماذا تأخر تأسيسها؟
ج – بالنسبة لجمعية ” ذاكرة وعدالة ” هي جمعية كسائر الجمعيات التي تعمل في المجال الحقوقي والإنساني ومن بين أهدافها الأهداف المرحلية التي تأسست على خلفيتها والتي تتلخص في مسألة واحدة وهي العمل على تشكيل محكمة دولية للتحقيق في الانتهاكات اللا إنسانية التي ارتكبتها قيادة البوليساريو في حق المتطوعين الموريتانيين في صفوفها قصد الوصول إلى :
أ ـ الكشف عن مصير المفقودين وتسليم رفات القتلى لذويهم .
ب ـ تحديد المسؤولين عن تلك الانتهاكات وتقديمهم للمحاكم لينالوا جزاءهم .
ج ـ تقديم اعتذار رسمي للضحايا وذوي الضحايا ومن خلالهم إلى الشعب الموريتاني ، ثم التعويض المادي للضحايا عما لحق بهم .
أما عن تأخر تأسيس الجمعية فتلك قصة طويلة مرت بعدة محطات جلها خارج عن إرادة الضحايا ، فبالإضافة إلى قوة الصدمة والرعب اللذان ظلا يلازمان الضحايا لسنوات عديدة ويحولان دون ثقتهم بكسر الحاجز النفسي الناتج عنهما ، هناك ما يمكن أن نسميه العامل السياسي ، فمن المعروف أنه خلال فترة من الفترات كانت أي مناهضة لقيادة البوليساريو تعتبر من المحرمات لحسابات سياسية معروفة لدى الجميع ، هذا بالإضافة إلى ثقافة حقوق الإنسان التي كانت ضيقة الانتشار في المنطقة ككل ، ومحدودية هامش الحرية حتى في مجال حقوق الإنسان ، كل ذلك شكل عوامل التأخير في إعلان الجمعية وهنا لا بد من ذكر أن ملف الجمعية عطل عدة مرات في طريق الإجراءات ، بل انه اختفى في إحدى المرات في آخر مراحله قبل أن يصل إلى وزير الداخلية ، ولا شك أن هناك من له مصلحة في هذا الاختفاء .
- س- هل ترى أن قيادات البوليساريو قادرة على الاستجابة لمطالبكم؟ وهل ترى أنها تفهم ثقافة الاعتذار وجبر الضرر ومعاقبة المسؤولين عن معاناة وعذابات الموريتانيين؟
ج- خلال الفترة الماضية جرت عدة اتصالات مباشرة وغير مباشرة بيننا مع بعض المسؤولين في قيادة البوليساريو وأعربوا كلهم عن استعداد هذه الأخيرة لتسوية الملف بالشكل الذي يرضي الضحايا وذوي الضحايا ، لكن عندما بلغت هذه الاتصالات مرحلة الجد اتضح أن ذلك الاستعداد لم يكن جديا مما يعطي الانطباع بأن ثقافة حقوق الإنسان وجبر الضرر لا زالت لم تدخل بعد قاموس قيادة البوليساريو ، ولكن هذه القيادة معذورة فيما يخص قضية الضحايا الموريتانيين فبالإضافة إلى نظرة الدونية التي ترى بها هؤلاء ، هناك بالتأكيد منها من يخاف من الموضوع لعلاقته بتلك الانتهاكات ، ولا أعتقد أن أصحاب النوايا الصادقة سيكون لهم أي تأثير بالسهولة التي ربما كان البعض منا يتوقعها .
- س- كيف جاءت فكرة الرحيل إلى مخيمات البوليساريو؟
ج- أعتقد أن فكرة الرحيل تلك جاءت نتيجة تضافر مجموعة من العوامل ، منها عفوية وحماسة الشباب التي تأتي أحيانا بشكل ارتجالي ، والعامل العاطفي المتمثل في الإحساس بالروابط والقواسم المشتركة بين الصحراوي والموريتاني ، يضاف إلى ذلك أنه كانت تسود الساحة الوطنية خاصة في الوسط الطلابي ما يمكن أن نسميه موضة ” الثورة ” التي كانت إحدى سمات المد اليساري الذي اجتاح العالم في تلك العقود ، لكني أعتقد أن العامل العاطفي كان الأكثر حضورا بالرغم من الوعي النسبي في أوساط الشباب تلك الأيام ، وذلك بدليل أن موجات الالتحاق بالمخيمات لم تكن ـ حسب علمي ـ بتشجيع من التيارات والحركات السياسية التي كانت قائمة يومها في المشهد السياسي الموريتاني .
- س- وكيف كانت الرحلة والاستقبال هناك؟
ج- كانت رحلة شاقة بكل المقاييس لكنها بالنسبة لنا كانت البداية لرحلة من المعاناة لا زلنا نعاني حتى الآن من أوجاعها ، أما بالنسبة للاستقبال فقد اختلف في شكله ومضمونه ، فعلى المستوى الشعبي استقبلنا النساء والرجال الصحراويون مثلما يستقبلون أولادهم وأكثر، فلم نحس يوما أننا غرباء بينهم ، كانوا يتقاسمون معنا كل شيء بل ربما كانوا يؤثروننا على أنفسهم لكرم يبدو أنهم جبلوا عليه ، ولتقدير ما نقوم به لأجلهم ، أما الآخرون ـ أقصد الجلادين ـ فقد كانوا أيضا كرماء معنا لكن بطريقتهم فلم يبخلوا علينا بأي لون من ألوان التعذيب والإذلال عرفهما مجرمو العالم ، لكنهم يعرفون المثل الكوبي الذي يقول : ” كل يرمي بما في يده ” .
- س- بعد كل هذه السنوات بماذا تفسر ما تعرضتم له؟ بعبارة أخرى لماذا تم اعتبار الموريتانيين جواسيس؟
ج- يعتقد البعض أن اعتبارنا جواسيس يكمن في كوننا ببساطة موريتانيون ويجب علينا دفع جزء من فاتورة الحرب ، وأعتقد بالإضافة إلى هذا أن هناك ما هو أعمق من ذلك فبالإضافة إلى ما سيظهر فيما بعد أنها خلافات عميقة داخل قيادة البوليساريو تستدعي اختلاق خطر خارجي لإلهاء القاعدة الشعبية عن هذه الخلافات ، هناك المفاجأة التي أربكت بعض أجنحة هذه القيادة وهي وجود هذا الكم الهائل من الشباب الناضج المثقف ( بمعيار تلك الأيام ) ، فرأت فيه تهديدا لمواقعها ثم بدأت تنظر لفكر جديد يظهر هذا الشباب كالخطر الداهم لما ادخله من مظاهر دخيلة على المجتمع الصحراوي النموذجي الذي يريدون بناءه وشنوا حملاتهم ضد كل مظاهر الحياة الموريتانية من ملبس وموسيقى إلى غير ذلك من عادات ، ولعلهم نسوا أو تناسوا أن ما يحرضون ضده هو دليل إثبات هوية هذا المجتمع الذي ينشدون ولو لم ينتبه الصحراويون ـ ولو متأخرين ـ لكان هؤلاء قد خلقوا منهم مجتمعا لقيطا ، من هذه النظرية استنتج ” المنظرون ” خطورة الموريتانيين وبدأوا حملة اعتقالات طالتهم كلهم ضمن مسرحية أطلق عليها حينها “الشبكة الموريتانية الفرنسية للتخريب والجوسسة ” .
اليوم يتحدث البعض عن أن المسؤول الوحيد عن تلك المسرحية هو عمر العظمي الذي عاد إلى المغرب في محاولة لإبعاد الجريمة عن بقية الجلادين ، إلا أننا نحن وإن كنا نضع عمر العظمي على رأس قائمة الجلادين لكونه أسوأهم لتوليه رئاسة جهاز الأمن للبوليساريو طيلة تلك الفترة وكونه كان يشرف على عمليات التعذيب بنفسه ، لا نؤمن بتلك الرواية لأننا نعرف الجلادين ونعرف ويعرف الكل أنهم كانوا أكثر من ” عظمي واحد ” .
- س- كم دامت فترة اعتقالكم وكيف تم إطلاق سراحكم؟
ج- فترات الاعتقال تراوحت من 4 إلى أكثر من 7 سنوات ، وقد تم إطلاق سراح آخر دفعة بعد أحداث 1988 في المخيمات التي طالب فيها المتظاهرون بإطلاق سراح كل المعتقلين وهو ما تم بالفعل .
- س- كيف كانت يومياتكم في الزنزانة؟
ج- أجمل تلك الذكريات كانت حين يفقد الواحد منا وعيه من شدة التعذيب فلا يعود يرى وجوه تلك الوحوش الآدمية وهي تتسلى بتعذيبه، ولك أن تسألي أيا من الضحايا ـ وهم موجودون ـ وستعرفين أن تلك كانت أجمل الذكريات.
- س- هل لكم أن تصفوا لنا صور التعذيب والتنكيل والإهانة التي مورست ضدكم (بشيء من التفصيل)؟
ج- مهما وصفت فلن تصدقي ولا أظن أن غيرك سيصدق إلا الذين عاشوا تجربة مماثلة مع أنه لا مثيل لتجربتنا ولكني مع ذلك سأحاول نقل بعض الصور لتري ويرى القارئ كم كان الأمر فظيعا:
ـ هل يمكن أن تتصوري مقدار الاهانة الذي يلحقه التهديد بالاغتصاب لرجل خاصة عندما يكون في مرحلة الشباب ؟
ـ هل يمكن أن تتصوري كم هو مؤلم وجارح للكرامة أن يخبر جلاد قذر ضحيته بأنه مارس الفاحشة مع زوجته ؟
ـ هل يمكن أن تتخيلي مدى الصدمة التي يصاب بها رجل خرج من السجن ليجد زوجته قد أنجبت من رجل آخر بعد أن أوهموها بأنه مات ؟
تلك صور بسيطة من التعذيب النفسي وإن شئت أمنت لك مقابلة مع بعض أصحابها ، أما عن التعذيب الجسدي فلا يمكن تشبيه الصور إلا بأفلام الرعب ، وإن كنت ترين الأمر مبالغا فيه فهل يمكن أن تتصوري شخصا يحول جسده إلى لوح للكتابة بالنار وتستعمل أجفانه رمادة لطفي أعقاب السجائر ؟ إنه جاري وإن شئت قمنا له بزيارة ، وهل يمكن أن تتصوري شخصا يعلق بالسقف وهو موثوق اليدين وراء الظهر ثم تغرز حقنة في وريده ويترك دمه ينزف حتى يفارق الحياة ؟ كان سيتبعه الشاهد لولا لطف الله في آخر لحظة ، وهذا الشاهد موجود ويمكن أن يروي لك القصة كاملة ، لكن ليس قبل أن تنامي إذا كنت ممن يخافون الكوابيس ، وهل يمكن أن تتصوري أن ها الشاهد لا زال يحتفظ بصورة فوتوغرافية لأسنانه التي هشمت عمدا في السجن وذلك قبل أن يركب طقم أسنان مكانها ، وليس الوحيد ففي هذه المدينة وحدها يوجد ثلاثة من الضحايا تم تهشيم أسنانهم وهم شباب لا لشيء سوى قوامها .
هذا غيض من فيض ، ولو قدر لك أن حضرت المؤتمر الذي ستعقده الجمعية في القريب العاجل ستشاهدين على أجساد الضحايا من آثار التعذيب ما سيقرب لك الصورة أكثر .
س- وماذا عن معاناة المعتقلين السابقين في سجون البوليساريو، كيف كانت معاناتهم ومقاومتهم لأشكال البطش والتعذيب الجسدي والنفسي؟
الصور السابقة التي ذكرتها هي جزء بسيط من تلك المعاناة ، أما عن المقاومة فلم يكن ثمة مجال لها ج-
- س- هل جميع الضحايا منضوون تحت لواء جمعية ذاكرة وعدالة؟
ج- نحن نعتقد أن أغلب الضحايا الذين تم حصرهم حتى الآن منضوون تحت لواء جمعية وذاكرة باستثناء مجموعة من أولياء الضحايا قد تصل إلى عشرة أشخاص يتميزون بأنهم ينتمون إلى أسرة واحدة تقريبا قرروا تشكيل جمعية ثانية إلا أننا على صلة وثيقة بهم لاشتراكنا في نفس المعاناة والأهداف .
- س- باعتبارك مسؤولا عن الجمعية من تعتبره الأكثر تعرضا للتعذيب من بين السجناء ومن هو المعتقل الذي أمضى أطول فترة اعتقال؟
ج- قبل الإجابة على السؤال أريد أن أصحح لكم ، فأنا لست المسؤول الوحيد عن الجمعية فهي تدار من طرف مكتب تنفيذي يترأسه رئيسها وهو الأخ العزيز: أمان ولد الخالص ، وعن السؤال فإنه يمكنني القول بصعوبة تحديد من الأكثر تعرضا للتعذيب إلا انطلاقا من آثار التعذيب البادية على أجساد الضحايا حيث يحتل بعض الإخوة المراتب الأولى ، أذكر من بينهم ( محمد ولد خطره ، محمد سالم ولد عابدين ، سيد أحمد ولد آشليشل ، أحمد بزيد ولد يده ، محمد المختارولد بوحبين ومحمدفال ولدالنعمة ) .
أما بالنسبة للأطول فترة اعتقال ، فهناك مجموعة قضت في المعتقل أكثر من سبع سنوات وكان آخرهم خروجا هو الأخ العزيز سيد أحمد آشليشل الذي قبلت فيه العزاء قبل خروجه من السجن ، فقد أثبت لي أحدهم أنه مات تحت التعذيب إلى أن دخل علي ” عفريته ” بعد ذلك بثلاث سنوات .
- س- لمن توجهون تهمة تعذيبكم في السجن؟
ج- بالرغم من أن لدينا لائحة لبعض الذين نتهمهم فإننا نعتبر المسؤولية عن سجننا وتعذيبنا مسؤولية جماعية تتحملها قيادة البوليساريو ، وعلى العموم فإن تحقيق المحكمة التي نطالب تشكيلها هو الذي يمكن أن يحدد المسؤولية المباشرة وغير المباشرة .
- س- بكم تقدرون عدد الذين ماتوا جراء التعذيب من الموريتانيين ومن الصحراويين في فترة اعتقالكم؟
ج- إنهم بالعشرات ولم نقف بعد عند رقم محدد فما زلنا نجمع المعلومات ، فالذين أعرفهم معرفة شخصية من الموريتانيين وماتوا تحت التعذيب يمكن أن يعطوك صورة مروعة عن العدد الحقيقي مع العلم أن علاقاتي لم تكن واسعة ، وأذكر من بين هؤلاء : ( باب ولد الشيخ ، أحمد فال ولد ابهاه ، محمدن ولد أحمد يامر ، محمد موسى ولد المختار ، تغره ولد باباه ، محمد ولد الناجم ، عالي ولد آشليشل ، وعبد العزيز ولد هيدالة )
أما بالنسبة للصحراويين فأعتقد أنهم أكثر بكثير حسبما أصبح متداولا في جميع الأوساط الصحراوية .
- س- طالبتم بتشكيل محكمة دولية للتحقيق في الانتهاكات التي تعرضتم لها، في حال تم ذلك بكم تتوقعون أن يحكم على المسؤولين عن هذه الانتهاكات، بعبارة أخرى ماذا يرضيكم لمعاقبة الجلادين؟
ج- المسألة ليست بالنسبة لنا قضية تشفي أو انتقام فقد كان من الممكن أن نصفح لو أن هؤلاء طلبوا الصفح واعتبرونا بقايا البشر الذي بطشوا به ، وبالتالي فنحن نقبل بأي حكم يصدر بحق من ثبت تورطه منهم شريطة أن يكون بناء على تحقيق دقيق ومستقل.
- س- ألا تعتقدون أن مطالب جمعيتكم تتعارض مع مصلحة موريتانيا وعلاقاتها الخارجية؟
ج- من مصلحة موريتانيا أن تسود العدالة بين مواطنيها وأن لا يكون من بينهم من يشعر بأنه اضطهد وتخلت عنه دولته ، ثم إنني لا أجد علاقة بين الأمرين وهذه العلاقات أعتقد أنه يجب توظيفها لخدمة المواطن لا أن تكون ذريعة الإضرار بها حاجزا تضيع وراءه حقوق هذا المواطن .
- س- ما هي الأوضاع في المخيمات حين كنتم معتقلين، وبمقارنتها مع الأوضاع الحالية؟
ج- يومها كانت شبه معسكرات مغلقة، وبحكم انقطاع الصلة بيننا وبينها لا يمكننا تقييم أوضاعها ، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي تدل على أنها ليست بأحسن حال .
- س- ما حقيقة ما يقال عن الاختطافات والاعتقالات العشوائية التي طالت الكثير من الموريتانيين في ازويرات وانواذيبو والمناطق الشمالية؟
ج- تلك حقيقة لا مراء فيها ومعروفة لدى الكل وما يعرف بمخيم ” اجديرية ” يشهد على هذه الحقيقة فقد كان أغلب سكانه من الموريتانيين الذين تم اختطافهم من المدن والبوادي في الشمال ، ومن المفارقات التي حصلت لي شخصيا أني كنت أحسب نفسي الوحيد في المخيمات من القبيلة التي أنتمي إليها في الوقت الذي كان فيه ابن عمي ووالدته وابنة عمي من بين المختطفين وقد سلبوا 116 رأسا من الإبل كانت بحوزتهم ، ولم آخذ خبرا بهذا الأمر إلا بعد رجوعي .
- س- بناء على شهادات الضحايا، تحدث بعضهم عن دور الانتماءات القبيلة فيما تعرضوا له، هل هذا صحيح؟
ج- هذا ما صد منيي وأنا في السجن حين سألوني عن قبيلتي في وقت كانوا يدعون التجريم بمجرد النطق بلفظ ” قبيلة ” ومن حسن حظي أن قبيلتي لم تكن من القبائل التي سبق أن ” عادتهم ” حسب تعبير الجلاد الذي سألني.
- س- من بين العائدين إلى المغرب هناك نزلاء عاشوا مرارة الاعتقال والتعذيب مثلكم، هل تتواصلون معهم؟
ج- المناسبة الوحيدة التي تواصلنا فيها مع بعض هؤلاء كانت في أبريل الماضي بمدينة آسا المغربية حيث التقينا ببعض من كانوا يعرفون بمجموعة ” اكليبات الفولة ” والذين كانت لهم قصة طريفة مع الضحايا الموريتانيين فهؤلاء ظلوا في السجن من أواخر 1975 إلى أن خرجوا مع كل المعتقلين نهاية الثمانينات وفي سنواتهم الأخيرة في السجن كانوا يجبرون على حراسة الموريتانيين وضربهم بالسياط ، لكن الكل كان يعرف أنهم مجبرون لأنهم سجناء مثل الجميع .
- س- لماذا لم تفكروا في دخول المغرب والاستفادة من الامتيازات كما فعل الكثير من الموريتانيين؟
ج- أولا باستثناء المجموعة التي أطلق عليها فيما بعد – حتى- الإعلام المغربي اسم ( فضيحة آكجيجيمات ) لا أعتقد أن الموريتانيين الذين عادوا للمغرب يمكن وصفهم بالكثيرين ، وثانيا نحن التحقنا بالبوليساريو كموريتانيين وعندما عدنا اخترنا العودة إلى موريتانيا ، فالقناعات تختلف من شخص لآخر ، كما أعتقد أنه من الناحية الأخلاقية لا يحق لنا العودة إلى المغرب طلبا لامتيازات ليست من حقنا ، ولا نقدم مقابلها سوى أننا كنا في صفوف البوليساريو ، قد يكون ذلك من حق الصحراوي لكن بالنسبة للموريتانيين أعتقد أنه غبن وجشع .
- س- هل تفكرون في الاستعانة بشهادة بعض السياسيين والعسكريين من الجزائر وليبيا للتأكيد على معاناتكم أمثال السفير الليبي محمد سعيد القشاط الذي ذكر في مذكراته “الأسراب الجانحة” ما اقترفته البوليساريو اتجاهكم وأبدى ندمه على إيصال مجموعات من الشباب الموريتاني إلى تيندوف ؟
ج- لدينا أسماء بعض الضباط الجزائريين الذين حضروا لبعض جلسات الاستنطاق وكانت لهم ملاحظات حول براءة الضحايا غير أن تلك الملاحظات لم يأخذها المعنيون في قيادة البوليساريو بعين الاعتبار وهؤلاء الضباط بالطبع تهمنا شهادتهم إذا ما وفقنا في الاتصال بهم ، أما السفير الليبي فبالرغم من أن عذره أقبح من الذنب إلا أنه على الأقل وفر لنا شهادة مكتوبة يمكن أن تدعم موقفنا .
- س- متى ستصدر مذكرات “الهجرة إلى الشمال” التي توثق فيها ذكرياتك ومعاناتك داخل سجون قيادة البوليساريو؟
ج- إذا عدت سالما من قافلة العدالة ولم يتخل عني الناشر ( فاعل الخير ) فقد برمجت أن تنزل مع نهاية الامتحانات الختامية للسنة الدراسية الجارية كي أقدمها هدية ( للحسن الصغير ) فقد عودني على الرتب الأولى ولم يسبق لي أن قدمت له شيئا على تفوقه وأريد له أن يكون أول من يقرأ ما جناه أبوه على نفسه عله يقيه من الاكتواء بنار الشعارات البراقة التي احترقت أنا بلهيبها .
* أشكرك جزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة، وأتمنى لك النجاح والتوفيق في هذا المسعى النبيل وأقول لك “ما ضاع حق وراءه طالب”.