نتائج الحوار ونقاط الخلاف
انواكشوط – ونا – بعد ثلاثة أسابيع من النقاشات والخلافات العاصفة، أنهت اللجان المتفرعة عن الحوار الوطني بين الأغلبية الرئاسية وبعض أحزاب المعارضة، مداولتها حول المواضيع الحوارية الإحدى عشر قبل يومين وأحالت محاضرها إلي الرئاسة المشتركة للحوار (احمد ولد باهيه عن الاغلبية الرئاسية وبيجل ولد هميد عن المعارضة)،
الحوار الوطني المخاض العسير: استعراض لنقاط الخلاف
مبرزة فيها نقاط الخلاف والاتفاق، علي أن ينظر الثنائي الرئاسي في نقاط الخلاف قبل أن يعرض رؤيته بشأنها علي لجنة الدعم، طبقا للآلية التي اتفق عليها للتسيير أعمال الحوار.
تتمحور نقاط الخلاف حول المواضيع التالية:
أولا/ التعديلات علي الدستور:
لقد اجمع المشاركون من أحزاب المعارضة والأغلبية باستثناء حزب الاتحاد من اجل الجمهورية، الحاكم علي:
ـ تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية بمنح بعضها للوزير الأول والحكومة والبرلمان وان ينتمي الوزير الأول ـ الذي يعينه رئيس الجمهورية ـ وجوبا للحزب الحاصل اعلي أغلبية نواب الجمعية الوطنية وان تحظي حكومته بثقة البرلمان كشرط لتوليها لمهامها.
ـ تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية المتعلقة بتعيين جميع الموظفين السامين العسكريين والمدنيين، بنص قانوني يحدد هذه الوظائف ويوزعها علي ثلاث فئات الأولي يعينها الرئيس والثانية يعينها الوزير الأول والثالثة يعينها الوزراء، علي ان يخضع المعينون في بعض الوظائف السامية (الولاة، السفراء، قادة الأركان، مدراء المؤسسات الوطنية المالية والسيادية) بثقة برلمانية معينة.
ـ تحديد مكونات الأمة الموريتانية دستوريا بأنها العرب والبولار والسنوننكي والولف.
وقد انفرد الاتحاد من اجل الجمهورية من بين المتحاورين برفض هذه التعديلات جملة وتفصيلا باعتبار ان صلاحية رئيس الجمهورية غير قابلة للتقليص وان تحديد انتماء الوزير الأول لجهة معينة حد منها، حسب الحزب الحاكم، الذي أسس رفضه لتحديد قوميات الأمة في الدستور علي أنها غير ضرورية لكون الدستور ينص علي هذا التعريف ضمنيا من خلال نصه علي اللغات الوطنية.
وكان التعديل الدستوري الوحيد الذي وافق عليه الحزب الحاكم، هو أن تكون جلسات البرلمان العادية ثمانية اشهر في السنة بدل أربعة وأكد المحاورون باسم الحزب، معارضتهم لأية تعديلات دستورية قبل الانتخابات القادمة.
ثانيا/ المدونة الانتخابية:
طالبت المعارضة المشاركة في الحوار بإنشاء وكالة وطنية مستقلة للانتخابات وتقترح الأغلبية أن تكون لجنة وطنية كما كان في الانتخابات الماضية وبغض النظر عن لخلاف في التسمية، فقد تم الإجماع علي ان تكون مستقلة ولها من الصلاحيات المادية والمعنوية ما يخولها لخوض انتخابات يثق فيها الجميع وان يكون تعين أعضائها بالتوافق وان لا تكون مسيسة وان تشرف علي جميع مراحل الانتخابات من بدايتها إلي نهايتها وشذ الاتحاد من اجل الجمهورية عن هذا الإجماع بتصلبه علي ان تحتفظ اللجنة بالصلاحيات التي كانت لديها في الاستحقاق السابقة إضافة إلي ان يكون لها دور الي جانب الإدارة في جميع القضايا الفنية المتعلقة بالمسلسل الانتخابي وهذا ما يرفضه الآخرون في الحوار بحجة أن أي دور للإدارة مهما كان فنيا في الانتخابات سيجعلها موضع شك.
ثالثا/ اللوائح المستقلة:
عارض حزب الاتحاد من اجل الجمهورية إلغاء اللوائح الانتخابية المستقلة، رغم إجماع شركاءه في الحوار من أغلبية ومعارضة علي ضرورة إلغائها وبرر رفضه بأنها حق دستوري يمنح لكل مترشح حق اختيار يافطة ترشحه، بينما أسس المطالبون بإلغاء الاستقلالية ذلك علي أنها مفسدة للديمقراطية ومعيقة لبناء الأحزاب السياسية وأداة للسلطات للتحكم في توجهات الناخبين كما حدث في المرحلة الانتقالية.
رابعا/ الترحال السياسي:
انفرد الحزب الحاكم برفض اتخاذ قرار بمنع الترحال السياسي بالمقاعد الانتخابية وبدل ذلك قبل ان يكون هذا المنع مدة السنة الأولي من المأمورية، في حين اجمع الآخرون علي حرمان كل منتخب باسم حزب من الترحال بمقعده الانتخابي الذي عليه ان يبقي للحزب في حال أراد المعني مغادرته وان يسند لخلفه في الحزب وفي حال عدم وجوده تنظم انتخابات في تلك الدائرة.
خامسا/ مكانة الجيش
اقتصرت مناقشات القضايا المتعلقة بدور الجيش الوطني علي وجهة نظر المعارضة المشاركة والحزب الحاكم ولم تحظي وجهتي النظر بنقاش معمق وقد طالبت المعارضة بإلغاء قيادات أركان الدرك والحرس واستبدالها بإدارات عامة تتبع فيها الدرك لوزارة العدل والحرس للداخلية مثل الشرطة وطالبت بإسناد الأمن الرئاسي للدرك الوطني وان لا تنشغل به كتيبة من الجيش الوطني في إشارة غير صريحة الي كتيبة الحرس الرئاسي، وقد عارضت وجهة نظر الاتحاد من اجل الجمهورية أية تغييرات علي أسلاك القوات المسلحة ولا علي مهامها.
سادسا/ مكافحة الإرهاب:
حصل الاتفاق علي ضرورة محاربة الإرهاب بجميع أشكاله وقد تم التوصل الي صيغة لذلك خارج البلاد بان يكون أي خروج للقوات المسلحة خارج الحدود، مشروط بخطر وشيك مؤكد منه وبالتنسيق مع دول الجوار في المنطقة.
سابعا/ النسبية وتمويل الاحزاب:
اتفق علي الاحتفاظ بمدإ النسبية في البرلمان وفي البلديات علي ان تبحث الأمور التفصيلية، التي ظهرت فيها اقتراحات متباينة، إلي ما بعد الحوار وتم الاتفاق علي زيادة الغلاف المالي لتمويل الأحزاب بما يمكنها من العمل مع الخلاف على آلية التوزيع، حيث تتطالب الأطراف باستثناء الحزب الحاكم، بالبقاء علي الآلية الحالية وهي النسب المأوية في الاستحقاقات البلدية وعدد المستشارين البلديين إلا أن الاتحاد من اجل الجمهورية يعارض ذلك ويقترح أن تضاف إلي هذه الآلية، مكونات أخري منها عدد الدوائر الانتخابية ونسبة وعدد النواب بما فسره الآخرون بأنه سعي منه للاستحواذ علي التمويل ووضع عراقيل أمام الأحزاب الأخرى.
سابعا/ مؤسسة المعارضة:
لقد تم الاتفاق علي الإبقاء علي هذا الجهاز وتحويله من مؤسسة زعيم المعارضة ـ كما هو حاصل اليوم ـ الي مؤسسة المعارضة علي ان يحدد مستقبلا شكل رئاستها فهل هي لمن حصل علي اكبر نسبة في الانتخابات الرئاسية شريطة ان يكون رئيس حزب أو أن تكون رئاستها حسب قرار مجلسها.
ثامنا/ اللوائح الوطنية:
تم الاتفاق على الاحتفاظ باللائحة الوطنية الحالية واستحداث لائحة وطنية للنساء في البرلمان تضمن لهن الحصة المأوية المنصوص عليها حاليا ب 20% مع احتمال زيادتها، اما مشاركة النساء في البلديات فقد تم الاتفاق علي إيجاد صيغ لضمان مشاركتهن وحصولهن علي مقاعد.
هذه هي نقاط الخلاف التي لم تستطع اللجان الفنية للحوار التغلب عليها بعد ثلاثة أسابيع من انطلاقه حيث كان مقررا له عند افتتاحه ان ينتهي في مدة تسعة أيام قبل ان يعلن ان سقفه الزمني مفتوح دون تحديد لنهايته وذلك بعد أن مدد مرتين.
ويظهر من تباين وجهات النظر أن المتحاورين تخندقوا في خندقين احدهما يضم حزب الاتحاد من اجل الجمهورية الذي يرفض ـ حسب الآخرين ـ جميع التغييرات علي النقاط الجوهرية في جدول أعمال الحوار والخندق الثاني يضم أحزاب الأغلبية باستثناء الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة المشاركة.
وحسب مصادر عدة من داخل الحوار وحسب المراقبين فان الحوار اليوم يوجد في غرفة إنعاش مهدد بموت سريري ينتظر من ينقذه منه، والأمل معلق في ذلك علي رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز بالدرجة الاولي بالتعاون مع مسعود ولد بلخير ولا يستبعد البعض ان يكون تدخلهم يتطلب ليكون ناجعا، جرعات دواء مطلوبة من مخابر للدواء خارج حدودنا، لم تصل بعد.
ومهما يكن فسيكون لموت الحوار أو إنقاذه من حالته المرضية، تداعيات عديدة، ففي حال الموت سيكون المنتصر هو طيف المعارضة الذي قاطعه وائتلاف أحزاب الأغلبية الذين اثبتوا قدرتهم علي الوقوف بالمرصاد في وجه الحزب الحاكم وهنا سيكون الخاسر الأكبر ولد عبد العزيز وحزبه الحاكم وأحزاب المعارضة المشاركة في الحوار.
وفي حال إنقاذه من الموت فسيكون المنتصر رئيس الجمهورية وأحزاب المعارضة المشاركة وأحزاب الأغلبية دون حزب الاتحاد وفي كلتا الحالتين ستتشكل الخريطة السياسية من جديد علي مستوى الأغلبية والمعارضة علي حد السواء.
فهل سيموت الحوار؟ أم سيكتب له الشفاء؟.
استعراض: ماموني ولد مختار