بنت مكناس : “الثورات أفرزت خارطة عربية جديدة الغلبة فيها للتيار الإسلامي”

  • نواكشوط – الطواري – قالت وزيرة الخارجية الموريتانية السابقة الناهة بنت مكناس إن التحولات العربية أفرزت خارطة عربية جديدة أكثرَ عمقا من مجرد إسقاط أنظمة سياسية، مضيفة أن الغلبة في هذه الخارطة هي للتيار الإسلامي.

جاء ذلك في مداخلة لمنت مكناس في بيروت هذا نصها :

1-12.jpg

  • السيدات والسادة،
  • أيها الجمع الكريم،

إسمحوا لي أولا أن أتقدم بخالص الشكر إلى فخامة الرئيس / أمين الجميل/ ، ومن خلاله إلى الإخوة والأخوات في حزب ” الكتائب اللبنانية”، على حفاوة الإستقبال ودقة التنظيم، وعلى استضافتهم لهذا المؤتمر، في عاصمة لبنان الشقيق، (بيروت) مدينةِ الصمودِ والكرم العربي الأصيل.

  • أودُّ أن أمـهــد لـِمداخلتي بسؤال مركزي هو : هل التحولات العربية صناعة عربية خالــصَــة؟ أم هي نــتــاج عوامل خارجية؟ أم أنها مزيج من الحالتين: أي أن العوامل الخارجية أثـرت ، بطريقة أو بأخرى، على التغيير الداخلي؟
  • أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال مــعـينة على فهم التحديات والشكوك التي تــثـَار حول واقع و مستقبل هذه التحولات. إننا نلاحظ أن التحولات التي شهدها العالم العربي خلال السنة الماضية تميزتْ عموما بـــــــــــــــ:
  • اعتمادها الكبير على الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي،
  • غياب طابع فكري أو إيديولوجي مــهــيـمـِن على خطابها السياسي،
  • عدم ارتباطِها بقيادة كاريزمية يمكن اعتبارها مرجعية مركزية،
  • اعتمادِها على الشباب في التعبئة و التنظيم والحشد الجماهيري.
  • و انطلاقا من هذه الملاحظات، يمكن القول إن ما يسمى “الربيع العربي” هو صناعة عربية صــرْفـــة، قاســمُــها المشترك هو الدعوة إلى الحرية والعدالة والديمقراطية والكرامة، ورفض الإستبداد والتسلط.
  • لكن عند الدخول في مميزات كل ثورة أو ” تحول” على حدة، يصبح الحديث عن وجود عوامل خارجية أمرا قابلا للنقاش ، حتى وإن كانت الأنظمة التي أسقطتها الثورات ظلت -بدرجات متفاوتة –حليفة للغرب حتى لحظاتها الأخيرة. والواقع أن العوامل الخارجية، التي قد تتحول إلى مصالح ، لم تكن وحدها المستفيدة من اللحاق بقطار الثورات بعد انطلاقه.
  • ذلك أن بعض التنظيمات السياسية التي لم تكن أول من نزل إلى الشارع للثورة ضد الأنظمة المطاح بها، استطاعت أن تحقق – بانضمامها للثورة لاحقا-مكاسب سياسية كبيرة، توجت بها عقودا من النضال السري تارة، والمواجهة المكشوفة تارة أخرى مع الأنظمة.
  • ومهما يكن، فإن التحولات العربية أفرزت خارطة عربية جديدة أكثرَ عمقا من مجرد إسقاط أنظمة سياسية.
  • والظاهر أن الغلبة في هذه الخارطة هي للتيار الإسلامي ، وله ثلاثة فروع معروفة:
  • التيار القومي-الإسلامي (الإخوان المسلمون)، وله تاريخ وتجربة طويلان في المواجهة مع الأنظمة في العالم العربي، الحركة السلفية: و هي ثلاث فئات: فئة أصولية تدعو إلى نبذ السياسة، وفئة إصلاحية تدعو إلى ممارستها، وفئة جهادية تدعو إلى حمل السلاح والقتال،
  • و هناك ما يمكن تسميته بفرع الإسلام الرسمي، وهو يسعى إلى الوسطية بين الفرعين السابقين، ولعل أبرز تجسيد له في عالمنا العربي هو “مؤسسة الأزهر”.
  • ومن خلال قراءة سريعة للخارطة السياسية التي أفرزتها انتخابات ما بعد ” الربيع العربي” ، خاصة في منطقة شمال إفريقيا، نستخلص أن التيار الإسلامي في تونس (ممثلا في حزب النهضة) يتولى اليوم رئاسة الحكومة والحقائب السيادية، بعد حصوله على أغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية.
  • و في المغرب، نال التيار الإسلامي ( ممثلا في حزب العدالة والتنمية ) أغلبية مقاعد البرلمان، ويرأس اليوم حكومة يدير فيها 12 حقيبة من أصل 30 .
  • و أخيرا في مصر، أحرزَ التيار الإسلامي (الإخوان المسلمون والسلفيون) أغلبية مقاعد البرلمان، و تم انتخاب الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين رئيسا لأول برلمان مصري بعد ثورة 25 يناير.
  • أما في ليبيا، فقد تم تشكيل حكومة توزعت أهم حقائبها بين التكنوقراط (رئاسة الحكومة ووزارتي النفط والمالية) و بين ممثلي الثوار في الزنتان (وزارة الدفاع)، وفي مصراته ( وزارة الداخلية)، وفي درنه ( وزارة الخارجية).
  • إلا أن الوضع في ليبيا مغاير للأوضاع في بقية دول الشمال الإفريقي، حيث لا تزال تبعات الحرب الداخلية و التدخل العسكري الخارجي ماثلة للعيان.
  • ولا تزال التساؤلات تثار حول مستقبل العملية السياسية، في ظل التجاذبات العشائرية، و تقاسم النفوذ بين تيارين بارزين: التيار الإسلامي والتيار الليبرالي.
  • و من المؤكد أن تداعيات الوضع في ليبيا ستمتد إلى منطقة الساحل والصحراء، بعد سقوط كميات هائلة من الأسلحة المهرَّبة من ليبيا في أيدي الجماعات الإرهابية، كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
  • ويمثل هذا الوضع تهديدا حقيقيا للديمقراطية والتنمية و الإستقرار في المنطقة برمتها.
  • *********** وبالعودة إلى صعود التيار الإسلامي في دول ” الربيع العربي” بشمال إفريقيا، يجدر بنا التوقف عند رسائل التطمين التي أطلقها قادة هذا التيار.
  • فقد أعلنوا “التزامهم بمبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة والوسطية”، وأنهم “لن يفرضوا آراءهم بالقوة، وسيكونون “شركاء أفضل من أنظمة الإستبداد والفساد”.
  • وهم يرون أن ” الربيع العربي يتيح للغرب فرصة جديدة لتطبيع علاقاته مع الحركات الإسلامية، وتصحيح ما يسمونه (الخطأ الغربي المزدوج) برفض نتيجة الإنتخابات الجزائرية عام 1991 ، ورفض الحوار مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بعد انتخاب الفلسطينيين لها عام 2006″.
  • وإذا كان قــَبول الأطراف الخارجية لهذه التطمينات أمرا مهما في سياق العلاقة بين الطرفين، فإن حقوق و انتظارات الجبهة الداخلية أولى وأهم، حيث ينتظر المواطن العربي حلولا سريعة لمشاكله الإقتصادية ، وتحسينا ملموسا لظروفه المعيشية والأمنية، وأن تتحول الوعود والتصريحات الطيبة بالديمقراطية والتعددية والحرية والكرامة إلى حقائق تقرها الدساتير وتحميها الأنظمة الجديدة.
  • فالرهان الحقيقي يكمن في الإستغلال الأمثل والتوزيع العادل لثروات الدول المعنية، و في تكريس التعددية الثقافية والفكرية وحرية الرأي، وحماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية.
  • إن لدى هذه الدول مقومات النهضة الإقتصادية والتنمية الحقيقية، فالشباب النشط يمثل غالبية سكانها، وموقعها الجغرافي والإستراتيجي يمنحها دورا محوريا في المبادلات مع أوروبا والدول الصاعدة في آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء. و إذا لم يتمَّ استغلال هذه المقومات – لا قدر الله- فإن منطقة الساحل والصحراء بالذات مرشحة لمراحل غير مسبوقة من خيبة الأمل، ومن خروج الأوضاع الأمنية فيها عن نطاق السيطرة.
  • و أيا كانت طبيعة الأنظمة و رؤيتها السياسية، فإن التصدي لهذه المخاطر الأمنية من جهة، و تسريع وتيرة التنمية في دول ” الربيع العربي” بمنطقة شمال إفريقيا، من جهة ثانية، مرهونان بتضافر الجهود بين هذه الدول وكافة شركاءها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
  • ختاما، أوردُ أمامكم ما قاله الفيلسوف الفرنسي EDGAR MORIN بخصوص الربيع العربي، حين كتب، قبل أشهر، في صحيفة LE MONDE:
  • (( إن الربيع العربي – ككل وثــَبــَاتِ الحرية- هو رهانٌ…وككل رهانٍ يجب أن تصاحبه استراتيجية مرنة وخلاقة قادرة على مواجهة التحديات والعراقيل، وقابلة للتأقلم مع المعطيات الجديدة…إن طريقه لن يسلم من الكبوات وحتى المآسي…لكنه يحمل في ثناياه مبدأ التجديد والتجدد…الذي سيُحدث إشراقات شموس جديدة)).
  • هذه مجموعة أفكار أعرضها عليكم للنقاش، علها تساهم في بلورة تصور لواقع وآفاق التحولات التي عرفتها منطقة شمال إفريقيا مؤخرا، ضمن ما بات يعرف بـــ” الريع العربي”.
  • أشكركم على حسن المتابعة…والسلام عليكم.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى